* إعداد: محمد بن سليم اللحام (*)
أوضح الشيخ عبدالعزيز بن محمد القنام إمام وخطيب جامع النويعمة بمحافظة وادي الدواسر أن الله شرّف هذه الأمة فجعلها خير أمة أخرجت للناس وذلك لكونها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، واستدل بما روي في السير حين فتح المسلمون جزيرة قبرص وتفرق أهلها شذر مذر فبكى بعضهم إلى بعض فرئي أبو الدرداء يبكي، فقيل له ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله؟، فقال: «ويحك ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا هم أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى».
وقال: عندما نقلب صفحات التاريخ وأحداثه نجد ان أمماً وحضارات سادت ثم بادت مشيراً إلى انه في حال التعمق بالبحث عن أحوال هذه الأمم نجد ان أوان قوتها وازدهارها ان حفظت لنفسها ما يصلح دنياها ومجتمعها فاستمرت عليه، وما لبث انتشار الفساد ورواجه وتقوّي أهله ان قلب موازين هذه الأمة، وحساباتهم، فلم تلبث ان تنحدر في مهاوي السقوط حتى كانت أثراً بعد عين لم نعد نذكر منها إلا ما ذكره التاريخ عنها فكان الفساد وأهله هم الذين قضوا عليها.
خصائص وميزات
وأكد ان من نعم الله عز وجل على عباده المؤمنين لاستمرار أمتهم ان جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الخصائص والميزات التي اختص الله جل وعلا بها هذه الأمة من بين سائر الأمم يقول الله عز وجل: {كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ تّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّتّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّرٌ وّتٍؤًمٌنٍونّ بٌاللَّهٌ}، فسبب خيرية الأمة أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ولم يتركوا الفساد يستشري في جسدهم بدون إنكار عليه.
نعم، وأهلها مصلحون، روي في الحديث الصحيح أن أم سلمة رضي الله عنها قالت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ ذات ليلة فزعاً، وقال: «ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مقدار هذا وأشار بيده، فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث».
وخلص القنام إلى ان غياب هذه الفريضة يفتح أبواب البلاء وتنعقد أسباب الهلاك وقيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأولويات المهمة للمجتمع المسلم قال الله تعالى: {وّلًتّكٍن مٌَنكٍمً أٍمَّةِ يّدًعٍونّ إلّى الخيًرٌ وّيّأًمٍرٍونّ بٌالمّعًرٍوفٌ وّيّنًهّوًنّ عّنٌ المنكّرٌ وّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ المٍفًلٌحٍونّ }.
ميزات وتأصيل
وجعله الله خلقاً للمؤمنين: {وّالًمٍؤًمٌنٍونّ وّالًمٍؤًمٌنّاتٍ بّعًضٍهٍمً أّوًلٌيّاءٍ بّعًضُ يّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّيّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّرٌ } ونبيّنا صلى الله عليه وسلم يقول لمّا قرأ هذه الآية: {لٍعٌنّ الذٌينّ كّفّرٍوا مٌنً بّنٌي إسًرّائٌيلّ} قال: «كلا والله، لتأمرون بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنّه على الحق أطراً، أو ليوشكنّ الله ان يضرب قلوب بعضكم ببعض، ثم يلعنكم كما لعنهم»..
مسؤولية جماعية
وبين إمام وخيب جامع النويعمة بمحافظة وادي الدواسر ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية كل فرد منّا على قدر استطاعته واستدل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» كما ان تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب يمنع إجابة الدعاء، يقول صلى الله عليه وسلم: مروا بالمعروف وأنهوا عن المنكر قبل ان تدعوا فلا يستجاب لكم، وتستغفروا فلا يغفر لكم». مشيراً الى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلق أهل الإيمان والإسلام، محذراً من مغبة كره الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبغضه أو ان يعده كبتاً لحريات الناس وظلماً لهم وسلباً لحرياتهم وخصوصياتهم ويرى أن تعطيل هذا الأمر هو إعطاء النفوس حرياتها لعمل ما يشاء وقال: لا شك ان هذا تصوّر خاطئ، ودليل على عمى البصيرة حيث قال تعالى: {أّفّمّن زٍيٌَنّ لّهٍ سٍوءٍ عّمّلٌهٌ فّرّآهٍ حّسّنْا فّإنَّ اللهّ يٍضٌلٍَ مّن يّشّاءٍ وّيّهًدٌي مّن يّشّاءٍ}. .
تعظيم الأمر
وأكد القنام ان تعظيم جانب هذا الأمر واجب على كل مسلم ان يقف بجانبه، لأنه يحفظ للناس أعراضهم، ودماءهم وأموالهم، انه هيبة للأمة، ودليل على قوّتها وتمسّكها بدينها. فهذا المرفق العظيم لا يرتاب في أهميته ولا يرتاب في عظيم شأنه الا من في قلبه مرض، ممّن يحب المنكر ويألفه، ويحارب الحق ويكرهه، في الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: «مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا سفينة، فكان بعضهم أسفلها وبعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا صعدوا الى من فوقهم، فقالوا: لو خرقنا في نصيبنا خرقاً، فأخذنا الماء ولم نؤذ من فوقنا»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإن تركوهم وما أرادوا غرقوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً» مبيناً ان فشوّ المنكرات وكثرتها يهدد بعقاب الله، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم «فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج هكذا وهكذا»، قيل: أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثر الخبث» وأكد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضوابطه الشرعية والطرق الحكيمة التي أرشد إليها الشارع صلى الله عليه وسلم ليكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر على علم بما يأمر به وعلى علم بما ينهى عنه، يسلك كل طريق يوصل الى الحق، ويبتعد عن كل طريق ينفر عن الحق، ويكون هذا الآمر والناهي على علم وبصيرة من أمره، متخلّقاً بالخلق القويم، ممتثلاً ما يأمر به قبل أن يأمر به، بعيدا عمّا ينهى عنه قبل أن ينهى عنه، قائماً بذلك خير قيام، قصده الرحمة بالخلق والشفقة عليهم والإحسان إليهم وإنقاذهم من معاصي الله، فذاك الخلق العظيم، وهذا سبيل المرسلين، دعوة الى الله وحثّ على الخير ونصيحة للأمة، ولكنّ المصيبة من يرتاب في هذا الجانب، أو يعدّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمراً قد انتهى دوره، ولا ينبغي ان يكون له وجود بين الأمة فتراه يسخر بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ويستهزئ بهم، ويبحث عسى أن يرى سلباً أو عيباً فيهم، ولو كان هذا العائب فيه من العيوب أضعاف أضعاف ذلك، لتغاضى عن عيوبه، وألصق التهم والعيوب بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
وقال فضيلته ليس أحد من الخلق معصوماً من الخطأ، ولكن المصيبة الإصرار على الخطأ بعد العلم به، أما الآمر بالمعروف الذي سلك في أمره ونهيه الطرق الشرعية فهو على خير وحماية للأمة وتأمين لها ودفاع عنها، وأضاف: فإن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر متى ما استقامت حالهم، ومتى كان عندهم من العلم والبصيرة الأمر بالمطلوب فانهم حماية لمصالح الأمة، ودفاع عنها، وردّ لكيد الكائدين ومن أشربت نفوسهم حبّ الشرّ والفساد.
كما ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب النصر وحصول التمكين في الأرض، قال تعالى: {الّذٌينّ إن مَّكَّنَّاهٍمً فٌي الأّرًضٌ أّقّامٍوا الصَّلاةّ وّآتّوٍا الزّكّاةّ وّأّمّرٍوا بٌالًمّعًرٍوفٌ وّنّهّوًا عّنٌ المٍنكّرٌ}.
عن عبدالله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم منصورون ومصيبون ومفتوح لكم فمن أدرك ذلك فليتق الله ويأمر بالمعروف ولينه عن المنكر، ومن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار».
وحذر من مغبة المناداة بتهميش والغاء جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤكداً ان من يطالب الأمة بأن تتراجع عن دينها وان تربّى أبناءها على غير منهج الله لا يقصد الإصلاح وان هذه الأمة ولله الحمد لا تزال باقية معظّمة لهذا الجانب العظيم جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجانب التمسّك بهذه الشريعة كما أوضحها مسؤولو هذه البلاد زوّدهم الله بالتقوى ورزقهم العمل الصالح والاستقامة على الخير.
بلد التوحيد
وبين القنام ان هذا البلد لم يقم على عصبية قبلية أو نخوة وطنية أو عرق أو حدود، وقال إنما قام بلدنا وتأسس على التوحيد ولذلك فليس بغريب ان توجد هيئة متخصصة حكومية للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحقيقاً لخيرية هذه الأمة وحماية للمجتمع والفرد.. إن هذا ليس بغريب بل نحمد الله عز وجل ان تحقق لنا مثل هذه الهيئة التي تقوم بهذا الدور المهم، معرباً عن استغرابه من سلوك بعض من لا هم لهم الا الخوض في الهيئة ورجالها، والتندر بهم وسرد الحكايات الموهومة والقصص المزعومة عن تجاوز رجال الهيئة كما يدعى ويصور.. ويغيب عن هؤلاء الذين أطلقوا لألسنتهم العنان دور رجال الهيئات وأي بلاء يدفعونه وأي فساد عريض يواجهونه، وأي إنجاز ضخم حققوه للمجتمع. قد لا نشعر به لأننا كفينا مؤنة ذلك فلم نتجرع مرارته. إن انجازات رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنجازات ضخمة لا يشك أحد أنها فوق إمكانياتهم وفوق قدراتهم.
وقال ولست هنا بصدد سرد انجازات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل أذكر لكم القبض على السحرة والدجالين ومحاربتهم للأفلام الممنوعة؟ هل أحدثكم عن مصانع الخمور وكذلك المخدرات وكم من جريمة اكتشفوها وكم من عيوب ستروها وكم من صفات للرذائل أخفوها وكم من نصح وتوجيه وإرشاد أسدوه وكم من الأذى والمعاناة تحملوها وكم من المشاكل صبروا عليها؟ حقا هم المجاهدون وهم الصابرون وتساءل فضيلته ما الذي دفعهم الى ذلك كله؟ وأجاب ان ما دفعهم الى كل هذا هو حب المجتمع وحمايته وقبل ذلك الإخلاص لله تعالى وحده، فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم.
الأخطاء
وعن الأخطاء بين بقوله إنني لست أنكر من خلال حديثي وقوعهم في أخطاء يسيرة، في حين أنهم وإدارتهم دائماً حريصون على تلافيها وتساءل: من مِن الناس يعمل ويسلم من الخطأ؟ ان أية جهة أو دائرة حكومية لا يمكن ان تسلم من الخطأ وأي مدير أو مشرف لا يمكن ان يزعم العصمة من الخطأ لموظفي دائرته أو مؤسسته، ولكننا مع ذلك نكبر أخطاء الهيئة وننظر إليها بعين نقفل هذه العين ذاتها عن أخطاء جهة أخرى، ومع كل ذلك تأتيك فئة من الناس لا هم لهم إلا ثلب رجالات الهيئة والحديث عنهم وتضخيم أخطائهم وإغفال محاسنهم، أو تأتيك فئة أخرى من الناس يطالبون الهيئة ورجالها بأدوار فوق طاقتهم وفوق إمكانياتهم وتتجاوز صلاحياتهم، وقد تجد فئة من الناس لا ينظرون الى الهيئة على أنها جهة حكومية بل ينظر إليها وكأنها جمعية خيرية أو أهلية لا تجد توقيراً منه.
وأكد فضيلته ان هذا النقد غير البناء ليس دليل خير في أي مجتمع من المجتمعات، مؤكداً اننا في مجتمع تأسس على الخير والحق ونشأ على الخير وأحب الخير وأهله ودعاته، ولذلك فمن الغريب جدا عليه ان يوجد فيه مثل هذا السباب لرجال نذروا أنفسهم وأوقاتهم لخدمة هذا الدين فإن لم نساندهم ونأخذ على يد أولئك خسرنا جميعا.
(*) إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
|