تجاوز السنة وهو تجاوز لا ريب ان له الأثر السلبي فليس من الدين أن تصلي الليل فلا تنام وان تصوم الدهر فلا تفطر وان تعتزل النساء فلا تتزوج فالانهماك في الطاعات وحرمان النفس والبدن من كل طيب ومريح له أثر يؤدي إلى الضعف والسآمة والملل فينتج عنه ترك الطاعة بالكلية أو بالتدريج بل ربما انتقل إلى حالة مغايرة لحال تعبده وصلاحه وهنا تكمن الخطورة قال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين، هلك المتنطعون» قالها ثلاثاً، يعني المتعمقين المجاوزين الحدود في أقوالهم.
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كانت مولاة للنبي صلى الله عليه وسلم تصوم النهار، وتقوم الليل، فقيل له: إنها تصوم النهار وتقوم الليل، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل».
وقال صلى الله عليه وسلم «اكفلوا من الأعمال ما تطيقون، فان الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله، أدومه، وإن قل».
وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم في السر فلما أخبروا كأنهم تقالوها، وقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الثالث: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: «أنتم الذين قلتم كذا، وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها، وعندها امرأة، فقال: من هذه؟ قالت: هذه فلانة تذكر من صلاتها، قال: «مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا».
وقال صلى الله عليه وسلم «لا تشددوا على أنفسكم فيشددعليكم، فان قوماً شدوا على أنفسهم فشدد عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع، والديارات رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم»، «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه...».
وهذه الدعوة ليست دعوة إلى ترك صلاة الليل أو الصيام أو الزواج أو غيرها من الطاعات بل هي دعوة إلى كل طاعة ولكن على نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم فكما ذكر آنفاً فعليه الصلاة والسلام يصوم ويفطر ويصلي ويرقد ويتزوج النساء بل انه قال عليه الصلاة والسلام «فمن رغب عن سنتي فليس مني» فكثيرون ممن تركوا التزامهم وانقلبوا على أعقابهم ولم يستجيبوا لقول الله تعالى: {وّلا تّكٍونٍوا كّالَّتٌي نّقّضّتً غّزًلّهّا مٌنً بّعًدٌ قٍوَّةُ أّنكّاثْا} لو تتبعت أحوالهم لوجدتهم قد تركوا سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمبالغة في الطاعات بل زادوا بأن حرموا مباحات كثيرة وأنكروا على من تعاطاها مع أنها مباحة.
|