* غزة - بلال أبو دقة:
أكدت سكرتارية الخطة الوطنية للطفل الفلسطيني أن 93% من الأطفال الفلسطينيين يشعرون بخطر التعرض للاعتداء ويفقدون الشعور بالأمان حيث تتعرض السلامة النفسية والاجتماعية للأطفال إلى ضغط شديد ناتج عن هيمنة العنف الإسرائيلي على محيطهم وما يصاحبه من إحساس غامر بالخطر الذي يتهدد حياتهم .
وأعلنت السكرتارية في بيان صحفي تلقت الجزيرة نسخة منه يحمل عنوان «حق الطفل بالأمان والاستقرار » نتائج دراسة التي نفذتها بالتعاون مع مؤسسة إنقاذ الطفل السويدية والوكالة الأمريكية للإنماء الدولي حول الاحتياجات النفسية والاجتماعية للطفل الفلسطيني إذ عبر 1266 طفلا وطفلة في الفترة العمرية من «5- 17» عاما عن الأوضاع التي يعيشونها نتيجة العنف المتواصل عليهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت الدراسة: إن «93% » من الأطفال الفلسطينيين أشاروا إلى عدم شعورهم بالأمان وخطر التعرض للاعتداء، وأن «48%» منهم مروا بأحداث عنف متعلقة بالصراع العربي- الإسرائيلي المتواصل أو شاهدوا حادثة تعرض فيها أحد أعضاء الأسرة لمثل هذا الاعتداء، وأن خمس الأطفال اضطروا للانتقال من منازلهم بشكل مؤقت أو دائم لأسباب تتعلق في غالبيتها بالصراع ، وبينت الدراسة أن «52% » من الأطفال الفلسطينيين تزايد لديهم الإحساس بان آباءهم وأمهاتهم ما عادوا قادرين على تلبية حاجتهم للرعاية والحماية بشكل كامل ، وأن «70% » من الأطفال يشعرون بأنهم يستطيعون تحسين حياتهم عن طريق النجاح الأكاديمي أولا ..وذكرت الدراسة : أن ثلاثة أرباع الأطفال يعيشون حالة فقر و «64 % » من العائلات تواجه صعوبات في توفير حاجتها الغذائية .. ولأن الأطفال يتطلعون إلى تحسين أوضاعهم فإن «71% » منهم يواصلون توجيه طاقاتهم باتجاه أنشطة إيجابية وبناءة ولا عنفية ويرى 96% من الأطفال أن التعليم وسيلتهم الرئيسية لتحسين حاضرهم ومستقبلهم ويعتبرون بالتالي التعليم إحدى أهم وسائل المقاومة السليمة للاحتلال .. حيث ازدادت أهمية المدرسة عند الأطفال كمنبر اجتماعي ..واشار «65% » من الآباء الفلسطينيين إلى وجود قدر ملموس من التفاعل مع أبنائهم من حيث الحوار ، وأفادت نسبة اقل تمثل «12%» قيامها ببعض التفاعل .. فيما أكد «23% » من الأهالي عدم قيامهم بذلك ورتب الآباء التغيرات السلوكية التالية على أبنائهم : أعراض صدمات نفسية ، تغيرات في سلوك اللعب ، سلوك اجتماعي سلبي ، تغيرات في سلوكيات مرتبطة بالمدرسة، وأفكار متكررة عن الموت والانتقام.
ودعت الدراسة إلى إعداد استراتيجية وطنية نفسية اجتماعية لتخفيف شدة معاناة الطفل .. وضمان عدم تعرض الأطفال للاعتداءات ، ودعم الآباء في توفير الحماية والاحتياجات الأساسية لأطفالهم ، وتحسين نوعية وكمية الوقت الذي يقضيه الأطفال في المدرسة من تعليم ولعب ونشاطات إرشادية .. كما دعت إلى اعتماد الدراسة بنتائجها كقاعدة لخطة رسمية ومدنية وشعبية للتحرك باتجاه إعداد خطة استراتيجية وطنية ذات طابع اجتماعي ونفسي تستطيع أن تسهم في تخفيف معاناة الطفل الذي يتعرض بشكل اكثر عمقا لما يعانيه الشعب الفلسطيني جراء ممارسات الاحتلال.
وفي هذا الإطار قال د. فتحي ابو مغلي المستشار الصحي في وزارة الصحة الفلسطينية : إن الطفل الفلسطيني في حالة مرض دائم نتيجة تأثيرات العنف الإسرائيلي المتواصل ؛ وإن وقف العنف وزوال الاحتلال هو أحد المقدمات الأساسية لضمان صحة الطفل الفلسطيني. من ناحيته قال مدير مركز الصحة المدرسية والإرشاد في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية د. محمد الريماوي : إن آلاف الطلبة والمعلمين عانوا من القمع والاعتقال والإذلال أثناء ذهابهم وعودتهم من وإلى مدارسهم وحتى داخل مدارسهم حيث بلغ عدد الشهداء ما يزيد على «389 » طالبا مدرسيا و«44» معلما وعدد الجرحى اكثر من ثلاثة آلاف طالب وطالبة وأكثر من «500» معلم ومعلمة وتجاوز عدد المعتقلين «300 طالب» وما يزيد على« 120 » معلما.
أطفال فلسطين
تمرسوا على الخوف ..
وقال البروفيسور أحمد الشرقاوي استشاري طب الأعصاب والطب النفسي في حديث خاص مع الجزيرة : في انتفاضة الأقصى المجيدة تعود أطفالنا وتمرسوا وتكيفوا وتأقلموا مع الخوف لدرجة أنه أصبح جزءاً من حياتهم ، فالأحداث اليومية تفرض عليهم أن يتعاملوا مع الخوف وكأنه ظاهرة طبيعية، والأعراض الداخلية للخوف وللهلع والجزع أصبحت في قاموس الطفل الفلسطيني جزءاً من الحياة اليومية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، فما يقارب من 80 % من أطفال فلسطين أصبحت استجابتهم للخوف عينية.
وأكد الشرقاوي ل «الجزيرة» على أن هناك بعض الاستجابات السلبية للأحداث التي يمر بها الأطفال الفلسطينيون، فقد يتجه بعض الأطفال للعدوانية والعنف تجاه الذات والآخرين ، وهو ما نسميه في علم النفس الهروب إلى الأمام .
واتجه غالبية أطفال فلسطين خلال فترة الانتفاضة نحو التكيف والتسامي والتمرس على ظواهر الخوف فنجدهم يحاولون الهرب من الخوف إلى الأعلى، أي أنهم لا يخافون بطش الاحتلال الإسرائيلي فيتجهون نحو المقاومة أملاً في الشهادة والارتقاء إلى الأعلى.
وهناك شريحة من أطفال فلسطين يعيشون صدمة الخوف وتأثيراته وردود أفعاله، وهذه أمور طبيعية سرعان ما تزول تأثيراتها بزوال المؤثر وما نود الإشارة إليه والكلام للشرقاوي: أن العاطفة الدنيوية الرئيسية التي تُدعم الوجود الإنساني على الأرض هي عاطفة الخوف ، وأطفال ونساء فلسطين أصبحت عندهم عتبة الخوف عالية جداً ؛ وبالتالي هم بحاجة إلى مثيرات كبيرة حتى تظهر أي استجابة للخوف عليهم، ويبدو أن أطفال ونساء وشيوخ فلسطين الضعفاء تمرسوا وتعودوا على التعامل مع الجمر وكأنه تمر، لكن هذه الظاهرة إذا ازدادت جرعتها على الأطفال الفلسطينيين فإنها قد تؤدي إلى تأثيرات سلبية على رصيدهم الإرثي وعلى التركيبة الجينية لهم ..
مَنْ سيحضنني بعد وفاة أمي ومن سيلعب معي بعد وفاة شقيقيّ ؟
الطفلة إيمان محمود الحويطي «10 أعوام» التي فقدت أمها وشقيقيها الطفلين محمد وصبحي في مجزرة حي الدرج بمدينة غزة التي استهدفت قائد كتائب القسام الشيخ صلاح شحادة قبل زهاء العامين قالت ل «الجزيرة» : من سيحضنني الآن بعد وفاة أمي ، ومن سيسرح لي شعري ... كنت أحب أمي وشقيقيَّ ماذا فعل شقيقاي محمد وصبحي حتى يدفنا تحت الأنقاض ... كنا أسرة سعيدة واليوم أصبحنا في عزاء ... لن أنسى ما حل بنا إلى الأبد ...وتابعت الطفلة التي كبرت قبل أوانها ... كنت نائمة ولم أسمع صوت الانفجار ... لكن عندما أفقت من نومي وجدت نفسي واثنين من أشقائي راقدين على فراش المستشفى ... كانت الدماء تسيل من جميع أنحاء أجسادنا الصغيرة ... نظرت حولي فلم أجد أمي وشقيقي محمد وصبحي ... كنا نرقد على أسرة بجوار بعضنا البعض ... وعندما سألت عنهم قالوا لي انهم استشهدوا .. انهمرت دموع الطفلة وزاد بكاؤها .. ثم قالت إني خائفة ...
|