متابعة: تركي إبراهيم الماضي - عبدالله هزاع العتيبي
تعد الرياض واحدة من أسرع مدن العالم نمواً حيث يبلغ عدد سكانها حوالي اربعة ملايين ونصف المليون نسمة و بمعدل نمو سكاني يبلغ 8% سنوياً، وتشير التوقعات بأن يصل عدد السكان الى 10 ،5 ملايين نسمة في عام 1442هـ، وتبلغ مساحة نطاقها العمراني حتى عام 1442هـ «2130» كيلو متراً مربعاًً، وتصل مساحتها المطورة حالياً الى حوالي 950 كيلو متر مربع، وهو ما يعكس التوسع الكبير الذي تشهده المدينة لتصبح ضمن اكبر ثلاث مناطق حضرية في المملكة، وحاضرة من حواضر العالم البارزة، ان هذا النمو المستقبلي، ومن منطلق مسؤوليات الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض نحو التخطيط والتطوير الشامل للمدينة، تطلب وضع مخطط استراتيجي شامل يواكب النمو السريع ويحقق احتياجات المدينة، ويكون مظلة رئيسية للدراسات والخطط والافكار والتصورات المتعلقة بتطوير وتنمية مدينة الرياض مستقبلاً، وتبعاً لذلك قامت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بالتوجيه نحو اعداد المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض لكي يتم تناول التنمية المستقبلية للرياض بالدراسة في حدود المنطقة الحضرية التي تقع ضمن نطاق مسؤولياتها وهي المناطق الواقعة داخل حدود حماية التنمية.
النشاط الاقتصادي
يعد تناول النشاط الاقتصادي لمدينة الرياض في دراسة تحليلية مستقلة، امراً بالغ الحيوية، بحيث لاتتوفر معلومات مستقلة توضح مؤشرات ودلالات اقتصاد مدينة الرياض في السجلات الرسمية، كما لاتتوفر معلومات موثقة حول الحركة التجارية بين مدينة الرياض وبقية مدن المملكة.
ومن الصعب تحديد خصائص القطاعات الاقتصادية بمدينة الرياض في غياب الاحصائيات ذات العلاقة فهناك قطاع صناعة مهم يتركز معظمه في منطقتين صناعيتين ويعمل به ما لايقل عن 62 ،000 شخص، كما يعتبر قطاع الانشاء صناعة مهمة حيث يعمل به ما لايقل عن 138 ،000 شخص ويضيف حوالي 3 ملايين متر مربع من المساحات المبنية الجديدة سنوياً، علماً بأن معظم اعمال هذه المساحات المبنية مخصص للاغراض السكنية او للاستخدام السكني التجاري المختلط، اما قطاعا الزراعة والتعدين لا يشكلا نسبة جوهرية من حيث حجم العمالة او المساهمة في الناتج الفعلي الاجمالي.
قدرت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وفقاً للمسح الذي اجرته عام 1417ـ1996م ان هناك حوالي 380 ،000 موظف سعودي وحوالي 585 ،000 اجنبي في الرياض، وقدرت ان هناك حوالي 54 ،000 سعودي «حوالي 12 ،5% من اجمالي القوة العاملة بالمدينة» وحوالي 16 ،000 اجنبي «حوالي 2 ،5 من القوة العاملة» عاطلون عن العمل بالرياض.
ليست هنالك امكانية لقياس الاتجاهات التاريخية للنشاط الاقتصادي لمدينة الرياض بشكل مباشر، ونظراً لأن النشاط الاقتصادي للمدينة يسيطر عليه القطاع الحكومي، لذا يمكن القول: إن اتجاهاته تماثل اتجاهات القطاع الحكومي بالمملكة.
فالرياض بصفتها عاصمة المملكة العربية السعودية تنساب فيها عملياً كافة الايرادات والمصروفات الحكومية بالمملكة، كما ان جميع الهيئات الحكومية ومعظم شركات القطاع الخاص الكبرى والبنوك تتخذ من الرياض مركزاً رئيسياً لها، كما ان جميع الشركات التي مراكزها في المدن الرئيسية الأخرى لها فروع بمدينة الرياض اي ان جميع النشاط الاقتصادي بالمملكة يتم توجيهه وتنظيمه من الرياض.
نطاق أوسع
ان الدور الاقتصادي الفاعل لمدينة الرياض يمكن ان يظهر في نطاق جغرافي أوسع من النطاق الوطني وذلك من خلال استغلال التكامل الاقتصادي الذي ينتظم دول مجلس التعاون الخليجي، فقد كان لحرية حركة الافراد ورؤوس الاموال دوراً ايجابياً في دفع عجلة التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي، وهذه بدوره شكل بيئة استثمار مناسبة لنمو رؤوس الاموال وحركتها.
الاستراتيجية الاقتصادية
لايقتصر تعريف التنمية الاقتصادية على العوامل الاقتصادية وحدها، لأن هناك عوامل غير اقتصادية لها تأثيرها الكبير على التنمية الاقتصادية الذي ربما يفوق تأثير العوامل الاقتصادية نفسها، ومن اهم هذه العوامل مهارة وكفاءة القوى العاملة، الانظمة والتشريعات وقوانين الاستثمار، والتعليم، وكفاءة وجودة المرافق العامة، ولذلك لابد، عند تناول المشاكل الاقتصادية من اخذ هذه العوامل في الاعتبار، فمعالجة المشاكل بحلول اقتصادية لايكفي.
تهدف الاستراتيجية الاقتصادية لمدينة الرياض الى تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة بالمدينة باستخدام مكانة المدينة ومزاياها التنافسية مما يعزز دورها كمركز مالي وتجاري وثقافي، وتعتمد هذه الاستراتيجية على اربع ركائز رئيسية يتم تفعيلها من خلال عدد من السياسات والاجراءات تم تحديدها بتنويع القاعدة الاقتصادية، وذلك عن طريق تحديد وتطوير القطاعات الاقتصادية واختيار صناعات محددة واسواق معينة لزيادة الدخل وتنوع مصادره من خلال زيادة مبيعات الصادرات وإحلال الواردات وتوظيف المدخرات.
وتعزيز وزيادة الميزة التنافسية للمدينة وذلك بتوفير المرافق العامة وتحسين فعالية ادائها والرقي بكفاءة واداء القوى العاملة السعودية وتحسين التنظيمات والتشريعات.
وتطوير القوى العاملة السعودية ورفع مستوى كفاءتها بحيث تكون قادرة على التنافس عالمياً وذلك عن طريق تحسين كفاءات المؤسسات التعليمية والتدريب، ودعم وتطوير فرص العمل للسعوديين، وتحسين وضع القطاعات غير الجاذبة للعمالة الوطنية.
حماية الموارد الطبيعية وتعزيز تراث المدينة وتطوير مناطق الجذب السياحي الرئيسية.
لقد تم تحديد هذه العناصر والمرتكزات بحيث تتوافق مع سياسات التنمية الوطنية في تحقيق اهداف تنويع القاعدة الاقتصادية وتقليل الاعتماد على الانفاق السعودي وتوظيف القوى العاملة السعودية.
القوى العاملة والتوظيف
يتناسب حجم القوى العاملة تناسباً طردياً مع حجم الموارد البشرية الطبيعية، حيث تشير الخصائص السكانية لمدينة الرياض الى ان حجم الموارد البشرية سينمو بشكل سريع خلال الخمسة والعشرين سنة القادمة ليصل الى 10 ،5 ملايين نسمة، وتجدر الاشارة هنا الى ان اكبر عدد من هذه الموارد البشرية هي من فئات الاعمار الصغيرة.
ان مثل هذه التركيبة السكانية تعني ان هناك نمواً كبيراً في القوى العاملة السعودية، وهذا بدوره يفرض علينا توفير الفرص الوظيفية لها، كل ذلك من منطلق الاهتمام بنمو الاقتصاد ودوره في الاستقرار الاجتماعي.
ان التحدي الرئيس لايقتصر على تحقيق التوازن الوظيفي بين العاملين السعوديين والوافدين بل يتجاوز ذلك الى تحقيق العمل الوظيفي لكل مواطن يبحث عن عمل، حيث تشير التوقعات الى ان حجم القوى العاملة المحتملة لمن هم في سن العمل مابين 16 46 سنة سعوديون ووافدون في مدينة الرياض بحلول عام 1442ه سوف يصل الى اكثر من 6 ،6 ملايين عامل، منها 4 ،4 ملايين قوى عاملة فعلية، بينما يتوقع ان يولد اقتصاد المدينة خلال نفس الفترة حوالي 3 ،1 ملايين وظيفة فقط مما يشير الى وجود فجوة كبيرة بين نمو القوى العاملة والنمو الاقتصادي للمدينة.
يشكل الاجانب نسبة عالية من سكان مدينة الرياض حيث يقدر عددهم حالياً حوالي 1 ،4 مليون شخص، وهذا قد يثير الجدل بان اهم الفرص الاجتماعية المتاحة لمدينة الرياض تكمن في احداث تغيير في التوازن الديموغرافي بين سكانها السعوديين والاجانب، وتمثل هذه الفرصة احد الاهداف التي تعمل الحكومة على تحقيقها على مستوى المملكة من خلال السياسات والبرامج الخاصة بتنمية القوى العاملة السعودية، وعملية سعودة الوظائف.
ان سعودة الوظائف، خصوصاً بالنسبة للشباب الذي يمثل القوى العاملة الناشئة، ستعتمد على مشاركتهم في قطاعات الخدمات من الاقتصاد وهي تجارة التجزئة والسياحة والتعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والادارة العامة والادارة البيئية التي تعد في معظمها قطاعات غير متطورة في الوقت الحاضر، ولذلك نوصي بعمل الدراسات لتطويرها ويتطلب زيادة في مخصصات التعليم والتدريب والتنمية والمهنية.
اتجاهات التوظيف
هذا ويمكن ملاحظة ان العمل بمدينة الرياض بالمقارنة بالمملكة ككل، يعتمد اعتماداً كبيراً على الوظائف الحكومية المدنية «37% مقارنة مع المعدل الوطني 13%» وفي المقابل تنخفض نسبة الوظائف المحدثة من قطاع الخدمات «الاتصالات والتمويل» مقارنة بالمتوسط بالمملكة.
اظهر المسح السكاني الذي قامت به الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض عام 1417هـ وجود عدد تقديري للسعوديين العاطلين عن العمل «الذين يبحثون عن عمل» بمدينة الرياض بلغ 54 ،158 شخصاً بنهاية 1417هـ بنسبة 12 ،5% من القوى العاملة السعودية ويتراوح متوسط اعمار السعوديين العاطلين عن العمل من 25 الى 29 سنة، وعدد 15 ،581 اجنبياً عاطلاً عن العمل بمدينة الرياض بنسبة 2 ،5%.
ازدهار وتقدم
يشير النموذج الاقتصادي «4 ـ1» الى ان الاقتصاد سيزدهر عندما يتم تحسين مجمل الاوضاع والظروف المكونة للبيئة التي تتم فيها العملية الاستثمارية.
لذلك حدد النموذج عناصر اساسية تمثل نوعية وكفاءة القوى العاملة، وتوفير وتحسين كفاءة المرافق العامة، والرقي باداء المؤسسات، والمحافظة والاستغلال الامثل للثروات الطبيعية.ويؤكد النموذج على ان تحسين تلك العناصر من اهم عناصر جذب الاستثمار والمحرك الرئيسي لتنويع القاعدة الاقتصادية، وذلك لتنويع مصادر دخل المدينة وزيادته والحد من تسرباته.
ومن المتوقع عند تفعيل هذه الاستراتيجية ان يكون الاقتصاد اكثر تنوعاً، ويكون اقل اعتماداً على القطاع الحكومي، وبالتالي يقدم اقتصاداً اكثر قوة وتماسكاً ويوفر فرصاً للعمل تحقق التقدم والازدهار.
|