الزمان فجر يوم الأول من شعبان عام 1417هـ، يوم غسل الكعبة المشرفة، بيت الله الحرام، أول بيت وضع للناس مباركاً فيه.. يؤدي المسلمون صلاة الفجر، ويفتح باب الكعبة ايذانا بغسلها فيقف المسلمون في خشوع مشرئبة أعناقهم نحو البيت العتيق.. مستشعرين هيبته وعظمته، مأخوذين بجلال تلك الهيبة في ذلك الموقف أو تلك الساعة.. يجلجل صدى مخاطبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في وجدان من يعرفه وقلب من يدركه، وهو يقول للكعبة مخاطباً اياها: والله إنك لعظيمة، عظيمة، عظيمة!! هكذا يقسم عمر على عظمة الكعبة، فلاشك انه انبهر بها كما ينبهر بها كل مسلم وبذلك سيظل هذا الانبهار قائما في ذهن كل مسلم.. راسخا في قلبه ووجدانه. ويسعدني الحظ مع الداخلين الى الكعبة في ذلك اليوم الأغر.. فأرى ما لم ير في الخيال من قبل، وأتلمس ذاتي فأجدها ذائبة في انبهار لا مثيل له، واستمع الى دقات قلبي.. بل أصيخ السمع لها.. علها تخفق لشيء، سوى الخشوع، فلا أحس بذلك البتة. فيا لها من لحظات إيمانية امتلأت بدموع الداعين مختلطة بأصواتهم المنتحبة، من ملتصق بالضراح الى ساجد نحو اليمن أو الشام أو الحطيم.. فكل الاتجاهات قبلة في جوف الكعبة حتى الأركان، وكل شبر فيها نحو آفاق الكون كله، {(فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:115)
في حين تتجه القبلة من أرجاء الكون كله إلى البيت العتيق!! ويبلغ الانبهار ذراه حينما يشعر المرء بانقطاعه عن الزمن.. فهنا مكان فقط، التاريخ فيه يذوب ويتلاشي بجميع أحقابه وعصوره وأيامه.. يكاد المرء فيه يولد من جديد بعمر جديد يحبو ثم يمشي بخطى يرجو أن تكون أفضل من تلك الخطى الخرقاء التي مشاها في ماضي ايامه، ولم لا وهو يستشعر الاجابة للدعاء، ان شكر الله تعالى؟ ولم لا وهو يحظى بوجوده في سرة الأرض او مركزها حيث يكون آمنا مطمئنا؟ قال تعالى: {وّإذً جّعّلًنّا البّيًتّ مّثّابّةْ لٌَلنَّاسٌ وّأّمًنْا}.
|