حلقات أعدها محمد العبيد - يوسف الوهيب
تناولنا في الحلقتين السابقتين تاريخ عنيزة وتركيبتها السكانية والعادات والتقاليد واليوم نقدم في الحلقة الثالثة: التعليم بدايات وتأسيس واستشراف للمستقبل مؤكدين أن التعليم النظامي في عنيزة بدأ منذ وقت مبكر وتقريبا مع بدايات توحيد أرجاء هذا الوطن على يد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.
التعليم قبل بداية التعليم الحكومي
عنيزة مدينة ضاربة في تاريخ التعليم حيث كانت دروس المساجد وحلقات الفقهاء الصبغة السائدة للتعليم لفترة طويلة وكان بعض العلماء يبذلون ما في وسعهم لنشر التعليم في المساجد. ولعل من أبرز هؤلاء المشايخ عبدالله بن عضيب المتوفى عام 1161هـ حيث تخرج على يديه كثير من طلبة العلم الذين اصبحوا بعد ذلك علماء يرحل اليهم من بلاد متعددة منهم الشيخ حمدان بن تركي والشيخ عبدالله بن اسماعيل والشيخ عبدالله بن سليمان الزامل والشيخ محمد بن ابراهيم ابا الخيل والشيخ صالح الصائغ وجميعهم ساهموا في نشر العلم والوعي بين الناس، ولقد برز بعد الشيخ عبدالله بن عضيب العديد من المشايخ كان لهم تأثير في ازدياد الحركة العلمية في عنيزة عبر قنوات زمنية متباعدة كالشيخ عبدالله ابابطين والشيخ محمد بن مانع والشيخ صالح بن عثمان القاضي والشيخ عبدالرحمن السعدي رحمهم الله.
هذه الحلقات ساهمت في ازدهار مجالس العلم مما ساعد على نشوء بعض الكتاتيب المتخصصة في تعليم ابناء المدينة حيث بلغ عدد هذه الكتاتيب في فترة زمنية واحدة اكثر من عشرة كتاتيب متفرقة في احياء مختلفة وهي عبارة عن مدارس غير منتظمة قوامها المدرس غير منتظمة قوامها المدرس ويسمى «المطوع» ومكانها الى ان يكون جزءاً من المسجد او حجرة بجانبه او في منزل المطوع ووقت الدراسة في الغالب يكون على فترتين في الصباح وما بعد الظهر حسب ظروف المطوع ويتعلم الطالب في هذه الكتاتيب مبادئ القراءة والكتابة مع التركيز على تعلم القرآن الكريم وحفظه ثم بعضاً من مبادئ الاحاديث النبوية وفي الفقه والتوحيد وقواعد اللغة العربية ومبادئ بسيطة في الحساب ولم تكن الكتاتيب مقتصرة على الذكور بل وجدت عدة كتاتيب للبنات في عنيزة وقد اشار الى ذلك لويمر في كتابه دليل الخليج في حدود عام 1298هـ.
وقد ادت هذه الكتاتيب دورها الكبير في محاربة الجهل والامية في المجتمع.
التعليم الأهلي
يمكن القول ان عنيزة تعتبر اسبق المدن النجدية في دخول التعليم الحديث اليها وذلك عن طريق ظهور التعليم الاهلي الحديث فمع نهاية النصف الاول من القرن الرابع الهجري تقريبا بدأ يظهر التعليم الاهلي ففي عام 1340هـ افتتح الاستاذان صالح وعبدالرحمن القرزعي مدرسة تعتبر ارقى من الكتاتيب يدرسان فيها القرآن الكريم والحساب والخط ويتقاضيان كل شهر ريالا واحدا عن كل طالب بالاضافة الى ما يمنحه لهما المقتدرون من اولياء امور الطلاب وقت جذاذ النخل وحصاد الزرع من تمر وقمح، وتعتبر المدرسة هي اول مدرسة اهلية تم افتتاحها في عنيزة واستمرت هذه المدرسة قائمة حتى عام 1351هـ.
وفي عام 1347هـ عاد الاستاذ صالح بن ناصر الصالح الى عنيزة مسقط رأسه وكان قد درس في المدرسة المباركية في الكويت ثم مدرسة النجاة الاهلية في الزبير وفي اوائل عام 1348هـ قام الاستاذ صالح بافتتاح مدرسة عنيزة الاهلية يدرس في الليل الكبار من الطلاب وفي النهار الصغار ويساعده في ذلك اخوه عبدالمحسن يدرسان في المدرسة انواعاً من العلوم الشرعية واللغوية بشيء من التوسع اضافة الى شيء بسيط من العلوم الحديثة كالهندسة والرياضيات والعلوم الصحية والطبيعية الى جانب التاريخ والجغرافيا والاملاء والخط كما كان للمدرسة نشاط غير منهجي متعدد مثل الصحافة والتربية والرحلات والحفلات واستمرت المدرسة على نهجها الدراسي حتى عام 1356هـ .
التعليم الحكومي
في عام 1356هـ امر الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بافتتاح عدد من المدارس في منطقة نجد وهذا يدل دلالة واضحة على ما يتمتع به الملك عبدالعزيز من بعد نظر من خلال نشر التعليم ليعم ارجاء المملكة وكانت عنيزة من ضمن المدن التي امر الملك عبدالعزيز بافتتاح مدرسة فيها وقد تم افتتاح المدرسة في غرة رجب من عام 1356هـ حيث ابرق مدير المعارف آنذاك الاستاذ طاهر الدباغ للامير عبدالله الخالد امير عنيزة في ذلك الوقت يخبره بافتتاح المدرسة وقد قامت مديرية المعارف بإرسال الاثاث والكتب برفقة المعاون الشيخ سليمان الشبل والمراسل الاستاذ حمد الشريف الذي اصبح استاذا فيما بعد.
ولقد استقبل الاهالي خبر افتتاح المدرسة بالفرح والسرور وتسابقوا على تسجيل ابنائهم فيها حيث حلت المدرسة محل مدرسة الاستاذ صالح بن صالح الاهلية وبدأت الدراسة النظامية الحكومية حيث بلغ عدد الطلاب الذين تم تسجيلهم عند افتتاح المدرسة ما يقارب 246 طالبا وقد سميت المدرسةس بالعديد من الاسماء حيث كان اسمها عند التأسيس المدرسة الاميرية ثم سميت المدرسة السعوية ثم مدرسة عنيزة الابتدائية بعد ذلك تم تغير اسمها الى المدرسة العزيزية وفي عام 1395هـ تم تغيير اسمها الى مدرسة الملك عبدالعزيز ومازالت حيث ان الملك عبدالعزيز - رحمه الله - اول من امر بافتتاح المدرسة وقد اهتمت المدرسة بالنشاط الثقافي اللامنهجي.
الملك عبدالعزيز يشرف احتفالات المدارس
كان الاستاذ صالح بن ناصر بن صالح يحرص على اقامة الحفلات الثقافية وكانت في بعض الاحيان على شرف الملك عبدالعزيز نفسه اذا صادف وجوده في عنيزة وتتخلل كل حفلة من الفقرات الثقافية والتمثليات الهادفة والمسرحيات الادبية او التاريخية وكان بعضها من تأليف الاستاذ صالح نفسه.. يقول الشيخ عثمان الصالح وهو يتحدث عن ذكرياته في احدى الحفلات التي رعاها الملك عبدالعزيز نفسه في هذه المدرسة: لن انسى ما حييت انني القيت امام الملك عبدالعزيز قصيدة عندما كنت تلميذاً في عنيزة فما كان من الملك عبدالعزيز الا ان استدعاني وكنت اصغر المنشدين سناً وقال لي بالحرف الواحد «قصيدتك طيبة ايها الشاعر الصغير واذا انتهى الحفل تعال عندنا لنعطيك جائزتك» ومنحني الملك عبدالعزيز «50» ريالا.. وذكر ايضا ان الملك عبدالعزيز حضر احتفالاً لهذه المدرسة ثم طلب اعادة فقرات هذا الحفل في اليوم التالي للامراء، الذين لم يشاهدوا عرضه الاول وذكر منهم ابناءه «سعود وفيصل ومحمد وخالد وفهد».
وفي عام 1368هـ افتتحت مدرسة ثانية باسم السعودية وافتتح في نفس العام المعهد العلمي السعودي ثم توالى افتتاح المدارس والمعاهد.
عنيزة مدينة الريادة
مما سبق يتضح إلى أي حد بلغت عنيزة في مستواها التعليمي والثقافي كيف تطورت في هذه الناحية تطوراً ملموساً ولهذا اصبحت عنيزة رائدة في كثير من الامور الثقافية اهمها:
- تعدد العلماء والمؤرخين والشعراء البارزين فيها في مختلف تاريخها وكثير من هؤلاء كان لهم تأثير على مجتمعهم في عنيزة وخارجها كما ان لبعضهم العديد من المؤلفات المختلفة.. يقول الشيخ محمد العبودي:
«عنيزة هي مدينة الادب والتاريخ في القصيم وهي الام التي انجبت العديد من الشعراء والمؤرخين فقد قدمت من المؤرخين والادباء عدداً اكبر مما قدمته اية مدينة اخرى في القصيم».
ويقول محمد الخطراوي:« عنيزة قدمت لدنيا الادب كثيرا من الشعراء وهو بلا شك لافت للنظر مسترع للانتباه فهل كان ظهور هذه النخبة من الشعراء في مدينة عنيزة راجعا لسبقها الى الانفتاح النسبي اذا ما قورنت بمثيلاتها او هو عائد الى ارتفاع نسبة المتعلمين الاوائل فيها، او هو راجع الى موهبة معينة في ابنائها او ان مشاهدها الطبيعية اكثر فتنة واغراء؟.
* ارتفاع عدد المتعلمين لدى سكان عنيزة وبالتالي قلة نسبة الامية بينهم
* اكتفاء عنيزة في بعض المراحل الدراسية من المعلمين والمعلمات الوطنيين
أول من حصل على شهادة الدكتوراه
* واصل بعض ابنائها دراساتهم العليا منذ عهد مبكر فحصلوا على ارقى الشهادات في هذا المجال فكان اول من حصل على شهادة الدكتوراه من ابناء المملكة من عنيزة هو معالي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر وزير المعارف ووزير التعليم العالي بالانابة سابقا وزير الدولة حاليا.
* واصل عدد من بنات عنيزة تعليمهن العالي فحصل كثير منهن على الماجستير وحصل بعضهن على الدكتوراه فظهرت اسماء منهن يعتبرن من اوائل بنات المملكة حصولاً عليها مثل الدكتورة ثريا محمد التركي والدكتورة ابتسام عبدالرحمن البسام وغيرهن.
* درس بعض ابناء عنيزة في مجالات وتخصصات علمية مختلفة من طب وهندسة وغيرهما في وقت مبكر ايضا ويعتبر الطبيب الدكتور حمد بن عبدالله البسام من اوائل الاطباء من ابناء المملكة الذين تخصصوا في مجال الطب.
* شارك احد ابناء عنيزة في الفريق العلمي السعودي الذي شارك في تنظيم رحلة الفضاء «ديسكفري» وهو الدكتور محمد بن ابراهيم السويل من جامعة البترول والمعادن وكان نائباً لرئيس الفريق العلمي وهي الرحلة التي اقلت اول رائد فضاء عربي مسلم وهو الامير سلطان بن سلمان وكان رفيقه في التدريب على الرحلة بصفة احتياطي احد ابناء عنيزة عبدالمحسن البسام.
اول وزير للملك عبدالعزيز
* نتيجة لبروز عنيزة في ميدان التعليم والثقافة في وقت مبكر بالنسبة لغيرها من مدن نجد فقد ظهر من ابنائها من شارك في الخدمة في دواوين الحكومة ومصالحها في اول انشائها ولعل من ابرز هؤلاء معالي الشيخ الوزير عبدالله بن سليمان الحمدان وهو احد ابناء عنيزة الذي يعتبر اول وزير للملك عبدالعزيز حيث تسلم وزارة المالية واضيفت اليه مهام اخرى يقول خير الدين الزركلي «لم يبلغ انسان من رجال عبدالعزيز ما بلغه عنده عبدالله بن سليمان الحمدان من ثقة ونفوذ كلمة وتمكن.. وفي مجال التعليم ظهر من ابناء عنيزة الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع مدير المعارف السابق وغيره.
* كما شغل ابناء عنيزة الذين تعلموا مبكرين مناصب عالية في الدولة فمن الوزراء السابقين بالاضافة الى عبدالله بن سليمان الحمدان محمد المرشد الزغيبي وزير المواصلات سابقا وصالح العباد رئيس الديوان الملكي سابقا وعبدالرحمن ابا الخيل وزير العمل والشئون الاجتماعية الاسبق وسفير المملكة في مصر وابراهيم السويل وزير الزراعة والخارجية الاسبق وسفير المملكة في واشنطن ومحمد الحمد الشبيلي سفير المملكة في ماليزيا سابقا والدكتور سليمان وزير التجارة سابقا والمهندس عبدالعزيز الزامل وزير الصناعة والكهرباء سابقا والاستاذ مساعد السناني وزير العمل والشئون الاجتماعية سابقا ومن الوزراء الحاليين الدكتور عبدالعزيز الخويطر بالاضافة الى العديد من موظفي المرتبة الممتازة ومن وكلاء الوزارات والمؤسسات الحكومية والجامعات.
اشهر معلمي الكتاتيب قديماً
عبدالعزيز بن سليمان بن دامغ مدرسته سفلي منارة الجامع الكبير بعنيزة أكثر من نصف قرن وخلفه ابنه صالح العبدالعزيز الدامغ نصف قرن الى عام 1295هـ. سليمان العبدالعزيز الدامغ امام ام خمار درس بجوار ام خمار حتى وفاته عام 1329هـ وخلفه ابنه محمد السليمان الى عام 1343هـ، ثم ابنه عبدالعزيز المحمد الدامغ من عام 1344هـ الى عام 1380هـ وتوفي عام 1387هـ، وحمد البراهيم العيسى ينوب عنه في موسم الحج وفي اسفاره وعلى الاذان واستناب ايضا بن هويمل من اهل المذنب ويسكن عنيزة على الاذان، عبدالرحمن ابن سليمان بن دامغ مدرسته بمجيلس الخريزة بجوار مسجده ويستنيب ابنه محمد العبدالرحمن وخلفه على التدريس والامامة ابنه سليمان العبدالرحمن الدامغ الى سفره للرياض.
محمد العبدالله الجناحي وبالجوز مدرسته، على العبدالله الشحيتان بالملاح مدرسته، مربي الجيل صالح بن ناصر بن صالح واخواه عبدالمحسن وعثمان ينوبان عنه عبدالمحسن بن ناصر بن صالح للصغار من 1348هـ وعثمان مساعد له للكبار واحد من تلامذته محمد العبدالله العويد بأم الخوابي مطوع الضليعة من 1340هـ إلى وفاتهما 1351 هـ عبدالله السالم القرزعي وابناه صالح وعبدالرحمن بالجديدة 1340هـ. صالح العلي الشايع بالحويطة، عبدالله المحمد القرعاوي بالجديدة بمسهرية ابن زامل، احمد البراهيم القرعاوي بالجديدة، محمد مفلح بالهفوف قرب القاع، عبدالعزيز السويل بالضبط واماماً بالضبط، زامل العبدالرحمن الزامل السليم درسنا عليه في بيته الخط والاملاء والادب والحساب، عبدالعزيز الصالح الدامغ بالجديدة من 1353هـ وحمد الجبيري امام البويطن بجوار مسجد البويطن ولهم حفاظه قران وعيدية للعيدين وتمر وبر فقط.
أشهر مدرسات الكتاتيب قديماً
ام عبدالله السويل بجوار بيت الكحلاني قرب مسجد ام خمار المقعدة في آخر عمرها وبنتها عائشة السويل «مدرستها» بجوار بيتنا وبيت بن جلالي زوجة الفريح، ومنيرة البراهيم الحميدي وتعرف بأم الحمادي مدرستها بسوق الحسون بالهفوف، وعائشة الناصر الدعيج وتعرف «بادعيجة» مدرستها بجوار ابراهيم السلمان، وادحيمة زوجة عبدالرحمن الشايع الخشيبان مدرستها بارسيسة، وحصة المحمد السحيم المعروفة «باسحيمة» مدرستها بالمسوكف بسوق الهلال اقعيسة نورة القعيس مدرستها بالجديدة بمسهرية بن زامل، مضاوي المحمد الدامغ مدرستها بالجديدة قرب بيت السنان في بيت الروقة.
نورة السليمان الرهيط مدرستها بحويطة البسام وعلى مجلس عنيزة، وموضي النبهان مدرستها بمفرق الحمد بالفرعي، موضي العكوم بالفاخرية، حصة المحمد الجبر ام الستاد والشاعر عبدالعزيز المحمد البادي، نورة اللحيدان، وتعرف «بالحيدانة» بالهفوف، واقشيميطة تدرس بالبيوت من بيت الى بيت آخر، وازويرانة ام الناجم تروح مثلها من بيت لآخر، وهذا ما نستحضره من المدرسات بالكتاتيب بعنيزة وعددهن خمس عشرة معلمة.
يبدأ التدريس من بعد طلوع الشمس الى قرب الظهر ومن بعد صلاة الظهر الى أذان العصر ولهن عيدية خمسة فرانسا وعيد الاضحى كمثل خمسة فرانسا ورجم تمر وقليل من البر كل عام وعند حفظ القرآن عشاء يرسلونه الى بيتها وغداء هي والتلاميذ عند الحفظ للقرآن او حفظ جزء عم والله المستعان.
هذه المعلومات الموثقة من رصد وإعداد الشيخ محمد العثمان القاضي.
| 
