تؤكد لغة الأرقام اتساع الفجوة بين أعداد الخريجين من كليات الطب والكليات الصحية والأعداد المطلوبة للعمل في القطاع الصحي بالمقارنة للميزانيات المخصصة لذلك!!، فقد بلغت نسبة الأطباء السعوديين إلى إجمالي الأطباء في القطاعين، القطاع العام 5 ،19% وفي الخاص 2 ،6%.
أما نسبة العاملين بالتمريض من السعوديين في القطاع الصحي العام فهي 6 ،26% وفي القطاع الخاص 8 ،0%.
أما الفئات الطبية المساعدة فتبلغ نسبة العاملين فيها 2 ،55% وفي القطاع الصحي الخاص 4%، وفي المقابل نجد أن ما بين 80- 85% من خريجي الثانوية العامة يقبلون في التخصصات النظرية!؟ وهذا لا يحقق أهداف الخطط التنموية.
الملاحظ أن هناك أعداداً كبيرة من خريجي الثانوية العامة ممن حصلوا على نسب مرتفعة جداً ولديهم الرغبة والاستعداد العقلي والنفسي والمهني لدراسة الطب أو التخصصات الصحية والطبية المساعدة يصابون بإحباط وخيبة أمل و هم يصدمون بعراقيل القبول في كليات الطب والكليات الصحية.
إن متطلبات التنمية وحاجة الوطن والمواطن الملحة للارتقاء بمستوى الخدمات الصحية تتطلبان إعادة النظر في هذا القطاع ودعمه بما يحقق تقريب الفجوة بين مخرجات كليات الطب والمساعدة والصحية وحاجة القطاع الصحي للكوادر المؤهلة من أبناء هذا الوطن، والقطاع الصحي هو من أكبر القطاعات التي يتوقع منها استيعاب أعداد كبيرة من أبناء الوطن المتخصصين والمؤهلين للعمل فيه.
نحن ندرك بأن هناك طاقة استيعابية لهذه الكليات ممثلة في معاملها وقاعاتها وأجهزتها وأيضاً نقدّر ما يقوله المسؤولون عن هذا القطاع الهام حول حرصهم على جودة مخرجات هذه الكليات بالرغم من تكرار هذه التبريرات لفترات طويلة حتى أصبح مصطلح الطاقة الاستيعابية والجودة من المصطلحات الرسمية والشائعة عند الحديث عن القبول في هذه الكليات.
الجميع يدرك بأننا لم نصل بعد لمرحلة الاكتفاء من الأطباء والممرضين والفنيين في الأقسام الطبية حتى يصل بنا الأمر إلى التركيز على الجودة وفي المقابل يتم التعاقد سنوياً مع آلاف الأطباء والممرضين والفنيين من مختلف دول العالم وربما تكون نسبة كبيرة منهم لا تتمتع بالجودة التي نبحث عنها!!
فمن خلال لغة الأرقام والإحصائيات فأمامنا مشوار طويل جداً لسد النقص الكبير وما زلنا بحاجة ماسة لأعداد كبيرة من الأطباء والممرضين والفنيين، وهذا المطلب لا يفهم منه إهمال الجانب النوعي «الجودة» لخريجي هذه الكليات.
قد يكون التوسع في القبول مطلباً وطنياً ولكن لا بد من وضع الخطط والاستراتيجيات للنهوض بهذا القطاع بشكل شامل بما في ذلك تحديث وتشريع الأنظمة الصحية ذات العلاقة وإيجاد معامل التشريح الكافية وزيادة المخصصات المالية لهذه الكليات كحلول سريعة، أما الحلول الاستراتيجية فتتمثل في وضع خطة استراتيجية وطنية واضحة الأهداف للقطاع الصحي تتبناها الدولة بمشاركة رئيسة من القطاع الخاص للنهوض بهذا القطاع الحيوي كما ونوعاً، والدولة لم تقصر في الإنفاق بسخاء على التعليم العام والجامعي وتوليه رعاية وعناية فائقتين، والتعليم الصحي هو الآخر بحاجة إلى تضافر الجهود حتى نحقق إن شاء الله التوازن المطلوب ولو بعد عشرات السنين ما دام هناك أهداف ورؤية وخطط للحاضر والمستقبل وعزم ورغبة صادقة يمكن من خلالها تخطي هذه العقبة وتحقيق ما نخطط له.
بلادنا - ولله الحمد - تشهد طفرة سكانية في كافة مدنها وقراها المترامية الأطراف، والصحة تمس حياة كل مواطن ومقيم وتحتاج إلى دعم القائم منها والتوسع في استحداث المراكز الصحية.
إن فتح الاستثمار في المجال الصحي أمر تفرضه المصلحة الوطنية وسوف يكون له إيجابيات على مستوى الخدمات الصحية وعلى مشكلة القبول في كليات الطب والعلوم التطبيقية، وهو استثمار طويل الأجل ويحقق دعماً اقتصادياً لبلادنا بالإضافة إلى عوائد إيجابية أخرى.
ولابد من إزالة بعض العراقيل الإدارية التي تعيق الاستثمار في هذا القطاع والعمل على تحقيق التكامل والتعاون بين وزارة الصحة والكليات الطبية والصحية والقطاع الخاص ومنح التسهيلات للمستثمرين من قروض مالية وغيرها، وفي المقابل مطلوب تفاعل القطاع الخاص ممثلاً في المستشفيات والمراكز الصحية مع كليات الطب والكليات الصحية من خلال توفير فرص التدريب وفتح قنوات التعاون معهم، وإتاحة فرص العمل للخريجين وهو ما سوف يعمل على اتساع فرص القبول والتوظيف في هذا القطاع الهام، مع أهمية تأهيل خريجي الكليات الطبية والصحية ومنحهم الفرصة لإكمال تعليمهم العالي وبهذا نعمل على بناء قاعدة كبيرة من هؤلاء الخريجين للعمل ضمن الكادر الأكاديمي المؤهل لهذه الكليات بمختلف تخصصاتها
إن سعودة القطاع الصحي الخاص لا تزال تسير ببطء شديد مما يتطلب إعادة النظر في وضع آليات عمل تفرض على المستشفيات والمستوصفات الأهلية سعودة نسبة من الأطباء والممرضين، أما الوظائف الإشرافية والإدارية فتكون من نصيب أبناء الوطن.
* مجلس الشورى
|