يبدو أن الولايات المتحدة الامريكية لا تنظر إلى الجمهورية العربية السورية إلا بمنظار سوداوي قاتم يحجب الرؤية عن الناظر والشمس ساطعة في كبد السماء، واذا ما فشلت أمريكا في موقع حربٍ شاحت بوجهها عنه ورمت بدائها على الآخرين في محاولة لمواراة سوءاتها وخشية من ترغيم أنفها في التراب، وهذا ما يحدث بالضبط لسوريا فمع اعترافنا بأن الخلاف قديم بين الدولتين منذ قيام الربيبة اسرائيل في خاصرة العرب وزراعتها كرهاً فوق وجدان الامة العربية المنكسرة من عهد النكسة والى الآن، الا انه ورغماً عن ذلك فإن امريكا كانت تظن أن العرب مجبولون على ديمومة الصبر والنفس الطويل الذي جلبته لهم طبيعة الصحارى الشاسعة والوهاد المقفرة والتلال الرملية عصية التسلق، ولم يدر بحسبان أمريكا أنه سيأتي يوم تُحارب فيه بالمنطقة بواسطة ابنائها وليس بالوكالة كما كانت تفعل دائماً في كل حروبها المستعرة في طول الدنيا وعرضها، وهذا ما وقع لامريكا حين اقحمت جنودها وعلى حين غرة في أتون نار العراق قبل ان تكمل جاهزيتها من المياه السياسية الكافية لاحتواء الحريق قبل استفحال النيران التي وصلت ألسنة لهبها الى داخل قباب البيت الامريكي بدءاً من الكونغرس وانتهاء بوزارة الدفاع التي يجلس على رأس سنامها اليهودي المتهور رونالد رامسفيلد الذي قاد دولته الى محرقة في العراق لا يعلم مدى انتهائها الا الله.
وفي وسط هذا التخبط والعشوائية الممنعة في الارتجاج التفكيري بدأت امريكا ومن اول رصاصة اطلقت على جنودها الغازين والمستعمرين الجدد تبحث عن شماعةٍ تعلق عليها غسيل الفشل اذا ما وقعت الكارثة المحدثة على جنودها، فتلفتت يمنة ويسرة فوجدت ضالتها في سوريا وبإيعاز من اسرائيل التي انتظرت طويلاً وقت تصفية حساباتها مع سوريا والخروج بنصيب وافر من غنيمة الحرب على العراق، ومما لاشك فيه أن الجميع خاسرون في هذه الحرب عدا اسرائيل التي اغتنمت فرصة ما يسمى بالحرب على الارهاب وراح ثورها الهائج شارون يسوم ابناء فلسطين سوء العذاب قتلاً للناس وهدماً للمنازل وتشريداً من الارض وحرقا للمزارع، وتتغاضى الادارة الامريكية عن الانفلات النازي لشارون بجنونه الفاشي وهوسه العدواني للتعجيل بموت الشعب الفلسطيني عبر كسر كرامته ودفن انتفاضته واحتقار العرب والفتوى بقتلهم.
وهاهي الولايات المتحدة قد وضعت سوريا في قائمة الدول المستهدفة واصبحت امريكا وكلما قتل لها جندي اشارت ادارتها الى أن القاتلين تسللوا من سوريا التي اصبحت للارهاب ملاذاً ومنطلقاً، وقد نفت سوريا هذه الاتهامات الامريكية واعتبرتها انها لتغطية فشل امريكا في بغداد عبر تحويل الانظار الى سوريا التي تتعرض حالياً لحملة منسقة من قبل الولايات المتحدة واسرائيل، وقد زادت الاخيرة من تهديداتها ضد سوريا بتحميلها مسؤولية اي عملية مقاومة لبنانية ضد احتلال اسرائيل لمزارع شبعا اللبنانية.
وفي تقديرنا تُعد الاتهامات الامريكية لسوريا تفكيراً قاصراً واتهاماً معلولاً يفتقد الى أدنى مقومات المنطق السليم، اذ العارفون ببواطن الامور نصحوا مراراً ساسة البيت الابيض بالتخلي عن سياسة العصا والجزرة التي يروجون بها لفكرة القطب الواحد الذي يريد ان يقود العالم كقطيع اغنام الى موارد الهلاك خاصة في هذا الوقت العصيب الذي يشهد مخاض ميلاد نظام دولي جديد وحيد القطب تتزعمه الولايات المتحدة الامريكية لتكون قائدة العالم بلا منازع، وإلا ما المسوغ لتمادي امريكا في كيل الاتهامات بالجملة الى سوريا التي شغلت نفسها بنهج الاصلاح ومحاربة الفساد وحلحلة قضايا المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية دون الالتفات الى معركة طواحين الهواء التي تديرها سراً اسرائيل لتصرف الحكومة السورية عن شعبها ولكن هيهات، فهاهو الرئيس السوري سيادة الدكتور بشار الاسد بمواقفه الثابتة التي اعطته موقعاً متميزاً في العالم العربي يفهم جيداً ما وراء الاكمة ليعلن بكل بسالة أن سوريا العربية تعتز بانتمائها القومي وتفخر بوقوفها القوي ومجابهتها الراسخة لمطامع الصهيونية وتحرص على تقوية الجهد العربي المشترك لصالح قضايا الامة وحاضرها ومستقبلها، وبات مؤكداً للعالم بأنه اذا لم يتدارك المجتمع الدولي عدوانية اسرائيل وشارونيتها المتفاقمة والهيجان الجنوني لصقور الإدارة الامريكية المتطرفين فإن المعمورة ستتحول الى ساحة حرب ينعدم فيها السلام الذي أصبح مطلباً لجميع شعوب العالم، ويجد فخامة الرئيس الدكتور بشار الاسد كل الدعم والمؤازرة من اشقائه العرب الذين ادركوا ضرورة تطوير موقف عربي يشع في كيان الامة لتقوى على واجهة ما يتهددها من اخطار وما يحيط بها من ويلات، وإنْ ننس فإن العالم الحر لن ينسى حجم الدعم السعودي للشقيقة سوريا والذي يندرج في اطار عملية النهوض القومي في ظرف يستوجب العمل الفاعل والمؤثر، والدور السعودي الاصيل يعد بشير خير يثلج الصدر بمقدار ما يوحي بأمل عريض وعنصر قوة وعامل إحياء للإخاء والتضامن العربي المنشود الذي بات ضرورة سياسية ترقى بأهميتها لمستوى الضرورات التاريخية التي تحدد مصير الامة العربية وسعيها لتضميد الجرح العراقي النازف والجرح الفلسطيني الغائر في القلوب منذ اكثر من نصف قرن.
فاصلة:
مالي أراكم نياماً في بُلَهينَةٍ
وقد ترون شهابَ الحرب قد سطعا
|
شاعر عربي
*عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
فاكس 014803452
|