أشهد أن الجنة حق والنار حق والموت حق، وكل إنسان مصيره إلى الموت. وهذا هو عزاء المسلمين، لقد انتقل إلى جنة الخلد - بإذن الله - معالي الشيخ محمد بن صالح بن محسن بن عذل - رحمه الله رحمة واسعة - فقد فجعت بوفاته وأنا على سرير المرض في ألمانيا ومعي في هذا الشعور محبوه وعارفو فضله من قبائل العجمان والبقوم وعتيبة وسبيع والدواسر وقحطان وكل من عرفه أو عاشره أو قصده لحاجة من حوائج الدنيا من أبناء مملكتنا الحبيبة.
فقد حادثني معاليه في أول شهر جمادى الآخرة ليطمئن على صحتي فأخبرته بأنني عازم على السفر إلى ميونخ في ألمانيا لاستكمال علاجي وشرحت له بأن هناك مستشفى متخصصاً في العلاج الطبيعي فأجابني برغبته في زيارتي والبقاء في ذلك المستشفى لبعض الوقت لأنه يشتكي من ألم في رقبته وعدم قدرته على المشي بشكل كبير.. وذكر لي بأنه سيقوم بزيارة بريطانيا ثم سيعرج على ألمانيا للاطمئنان على صحتي وزيارة ذلك المستشفى والتعرف على امكاناته.. ولكن كان القدر أسرع من ذلك، حيث انتقل إلى جوار ربه في جنة الفردوس إن شاء الله برحمة ومغفرة من رب العالمين لقاء أعماله في فعل الخير الذي تميز بها مثل غيره من فاعلي الخير وهم كثر والحمد لله في بلادنا العزيزة.فكم من طريق فتحه وأصلح من وعورته أمام السالكين والمسافرين وانشأ بذلك شركة خاصة كبيرة بها أعداد كثيرة من «الدركترات والشيولات والقلابات» وخصصها لهذا العمل فطريق ابن عذل الذي يخترق حرة البقوم بدأه رحمه الله من تربة شرقاً عبر حرة وعرة يصعب السير بها حتى وادي رنية وقد عمل على وادي رنية كبري، كل ذلك على نفقته الخاصة، وقد تم سفلتة جزء كبير من هذا الطريق ويسلكه المسافرون في الوقت الحاضر رغم عدم اكتماله لأنه أيسر للمسافرين من بيشة ورنية وأبها والخميس إلى الطائف ومكة، حيث يختصر المسافة بشكل كبير.
وقد حفر بئراً ارتوازية بجوار هذا الطريق مما يلي تربة يشرب منها حالياً البشر والدواب، وقد قال لي - رحمه الله - بأنه بعد اكتمال سفلتة الطريق وقبل افتتاحه سيقوم بحفر عدد من الآبار على جوانبه ويبني عليها مساجد واستراحات للمسافرين ورعاة الغنم والإبل - وهذا الطريق أمثاله كثيرة في حرة كشب ووادي الدواسر وديار سبيع وكذلك الآبار الارتوازية المنتشرة في مواقع البادية لسقيا الأغنام والإبل والبادية وعابر السبيل ومن أعماله التي تميز بها - رحمه الله - بناء المستوصفات الخيرية ولم يهمل - رحمه الله - دعم الجمعيات الخيرية المنتشرة في ربوع المملكة.
وفي مجال المحيط الأسري فقد كان مركز جذب لأفراد أسرته الممتدة الذين وجدوا فيه سواء في السراء أو الضراء خير ملجأ، يشاركهم فرحتهم ويساعدهم على تجاوز كل الصعوبات ولم يبخل على مسقط رأسه (مدينة الرس) بدعم الجمعية الخيرية هناك خلال سنوات ممتدة وتمويل إحدى الوحدات العلاجية الضرورية بمستشفى الرس.
هناك العديد من الأيتام والأرامل الذين يتولى الصرف عليهم شهرياً منهم عدد أعرفه وآخرون لا أعرفهم، وفي سبيل فعل الخير جاب المملكة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها وأكسبه ذلك معرفة واسعة بأسماء القبائل وتفريعاتها والمدن والقرى وموارد المياه وله حافظة للشعر وملم بالتاريخ وأنساب القبائل ويندر أن يخلو مجلسه من الزوار وأصحاب الحاجات من بادية وحاضرة والكثير يشاركونه طعامه، وله سبق في حرصه الشديد على معارفه وأصدقائه وأرحامه، حيث يواصلهم ويزورهم ويسأل عنهم ويكرمهم عند زيارتهم له فقد كان محباً للجميع واصلاً لمن غاب عنه، يظهر له المودة والتقدير، وأنا أعلم أنني في هذه العجالة لن استطيع أن أعدد أفعاله وأعماله في فعل الخير ومحاسنه لأقربائه ومعارفه وأرحامه: الكبير منهم والصغير لكنني ذكرت بعضها راجياً أن يتعهد أبناؤه عبدالله وفهد وعبدالعزيز وسلطان وتركي وسلمان وعبدالإله - وهم بإذن الله خير خلف لخير سلف - ما بدأه ولم يمهله القدر بإنجازه ليكملوه ويتعاهدوا ما تم إنجازه بالصيانة والرعاية ليحقق هدفه - رحمه الله - وليكون بإذن الله صدقة جارية لكل من عبر هذه الطرق أو شرب من مياه هذه الآبار أو انتفع من مباني المستوصفات أو لكل أسرة أو أرملة أو يتيم ليظل الجميع يلهجون بالدعاء والمغفرة والرحمة له بشكل دائم.
رحمك الله يا أبا صالح وأسكنك فسيح جناته وأسأل الله جلّ جلاله أن يلهم أبناءه وبناته وشقيقته الفاضلة وزوجاته وجميع أفراد عائلة العذل ومحبيه وأصدقاءه وعارفي فضله الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.
(*) عضو مجلس الشورى
|