Wednesday 24th september,2003 11318العدد الاربعاء 27 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مشكلاتنا توجه تنميتنا مشكلاتنا توجه تنميتنا
د. خالد الشريدة

إن من المسلمات في عرف المفكرين والمخططين أن كل دولة تحتاج إلى خطط استراتيجية تستقرئ الواقع ومشكلاته وتتلمس أفضل خيارات المستقبل وتطلعاته بناء على رؤى عملية وبيانات علمية.
وإذا كنا على المستوى الشخصي نحذر من العشوائية وردود الفعل الوقتية فإن هذا الاتجاه على مستوى مؤسسة الدولة أكثر حساسية وإلحاحاً.
إن أصحاب الرؤى التنموية على / وفي أي مستوى لا تحرف أو تجرف مساراتهم ظواهر تطفو على السطح لسبب أو آخر، إذ إن الرؤية البصيرة للأشياء هي التي توضع لتستوعب ما يمكن أن يحدث أياً كان فضلاً عن تقدير الأشياء قدرها واعطائها حجمها الذي تستحقه / ها.
الحديث عن أن المشكلة - وتلك مشكلة - يمكن أن توجه التنمية ينسحب حتى على أحداث العالم فضلاً عن أحداث أوحالات فردية.. ولذلك فهذا الخلل لا يعني أننا وحدنا الذي نمارسه وإنما أينما يممت الوجهة وجدت له نسباً هنا أو هناك.
«إن الحقيقة أننا على مستوى الشخصية أو المؤسسة أو الدولة يمكن أن نضع تصورات لتنميتنا لكن الواقع شهيد بأن ما نتصوره ونكتب خطواته واجراءاته يمكن أن يكون حبيس الأدراج أو أن يتعثر لأسباب مختلفة ليس هذا مجال تفصيلها لأنه تختلف وتتفاوت.. وقصدنا الإشارة هنا إلى أهداف نضعها ونصل إليها بعد حين خير من ألا نصل إليها البتة.. هذا من ناحية، ومن أخرى، فطبائع الأشياء وخدمات الحياة ترتقي في تحسنها اعتياداً، فالخبرة تولد الخبرة والانجاز يولد الانجاز وتلك من سنن الحياة، فالقرآن لم ينزل جملة واحدة، فالإنسان يحتاج إلى الزاد في أوقاته وإلى التدرج في تطلعاته حتى لا يحدث فراغات يصعب عليه العودة منها إلى نقطة انطلاقته وثباته.
وللإنسان أن يتساءل ابتداء هل نملك رؤية لأنفسنا ومستقبل حياتنا قبل الحديث عن «مَن الذي يوجه حركتنا؟» هل هي رؤانا التنموية أم مشكلاتنا الاجتماعية!!
إن معايير مختلفة يمكن أن تعكس ما إذا كان الفرد / المجتمع يملك رؤية من عدمها تصبغ مسارات حياته وتستوعبها. لكن.. على افتراض امتلاك الرؤية - وذلك المأمول - فإن الحديث هنا يمكن أن يكون له «معنى».. ذلك أن الذي لا يملك الرؤية لا يمكن أن تحدثه عن معززات لها محاذير يجب عليه الانتباه لها.
إن الذي يجعل الإنسان يتحدث عن خلل الرؤية على المستوى الشخصي هو الشعر بأننا نكن احتراماً وحباً وتقديراً لشخص «صديق أو قريب أو مسؤول» ثم لا يلبث هذا الشعور أن يتحول إلى العكس إما لأن من كنا نحبه ونقدره خالفنا في «النظرة» أو تحامل علينا «مرة» أو لم يبذل ما كنا نود منه «وما نعرف عذره».. والذي نود تأكيده هنا أن هذه المشكلة - حقيقية أو ظناً - خرقت معنى تنمية العلاقة الشخصية والمعاني الحبية وذلك ما أردنا «تقريره» بأن المشكلة هي التي ولدت منا سلوكيات وبنت مع الوقت مفازات يصعب مع الوقت اعادتها إلى مرفأ البداية. لكن الشخصية المتعقلة هي من تعكس المعادلة وتجعل من مفهوم التنمية الأخوية - والتي تفرضها شريعتنا الإسلامية - حلاً عاجلاً يوقف همهمات السوء ويدفع بالظن إلى حقيقة التي هي «أحسن» وذلك أس التنمية وهدفها «أدفع بالتي هي أحسن».
ومن شخصية الفرد إلى مؤسسة الدولة حيث يمكن أن تستشف معنى الخلل حينما ترى أن مصالح الدولة تعمل منفردة لا مجتمعة.. فذلك يمهد الطريق وذلك يحفره في الوقت الذي تعيش فيه الوزارات أو المؤسسات مشكلاتها وضعف أدائها، إما لأنها تحمل أكثر مما تحتمل أو أنها لا تعطى من الصلاحية ما يعينها على المسؤولية وبالتالي لا تعيش - الوزارة أو المؤسسة - معنى الرؤية التنموية فضلاً عن التقيد بها أو الإبداع فيها ولها.
ولذلك فواقع المشكلة يصعب معه السيطرة على مشكلة الواقع.
إن من الانجازات التي توجهها المشكلات أن بيئات منسية بين عشية وضحاها تصبح حديث الساعة وذلك في الغرابة ليس بغريب لأن الذي يوجه التصرفات «المشاريع» هي المشكلات!!
والذي يؤزم من مشكلات الواقع أنها تفرز تصورات تعمق من واقع المشكلات، فالبطالة حلها أن نغلق تخصصات الجامعات لا أن نفتح مجالات أرحب في الحياة لتستوعب المخرجات، ولا أدري كيف يفكر المعنيون؟!!.. ولا على أي المصادر يعتمدون؟!
إذ كيف نضيق على مواد تربي في أجيالنا الأخلاقيات وتسعى إلى حل المشكلات!.. نعم اننا بحاجة إلى المواد العملية والمهنية.. لكن هذه الوسائل الدنيوية لا يجب أن تغالب غايات موادنا التربوية والادارية والاجتماعية تحت وطأة أو موضة سوق العمل، ... فالمشكلة ليست في العمل إنما في السوق كيف يعمل؟!
ولذلك فالتساؤلات المهمة عن الأسباب التي أدت إلى ذلك من انحياز في التنمية ومركزية في الادارة وغفلة عن التخصص لادارة دفة تنمية متوازنة تخدم الجميع هو الذي أضر الآن بالجميع.
فأصبح المأزق التنموي يعالج مشكلات ماضية في غفلة عن تطلعات آتية.
نعم.. إن الرؤى الاستراتيجية للتنمية لا تفعل شيئاً إذا لم تتفاعل كل الأطراف المكونة لها..التي تبدأ وربما تنتهي بالإنسان.. الذي منه وبه وعليه ترتكز التنمية، ولذلك فالتنمية تحتاج إلى نفس عميق وطويل، ولا تصلح لأصحاب الأنفاس القصيرة!.. أولئك الذين يريدون أن ينتهوا من أعمالهم قبل وقتها وأن يأتوا إليها قبل نهايتها!!.. فهم متأخرون في المجيء ومستعجلون في الذهاب، مع ان الفسحة موجودة قبل العمل وبعده.
إننا بمثل هذه التصرفات نخلق في أجيالنا ونرسخ فيهم هذه التوجهات فلا نستوحش من الخطأ لأننا نتمثله،.. ولا نتطلع إلى الصواب لأننا لا نستشعره، ولذلك فغيبة مفهوم التنمية - في القيمة والانجاز والمسؤولية - عن البيوت والمدارس والمؤسسات تخلق الشخصيات التي تتناسب معها ولا تنكرها!.. ولو أننا أكدنا على هذه المفاهيم ومارسناها وسوقناها بكل ما نستطيع لحصل لاندفع الفعل من نفسه من غير كلفة.
والحديث عن آفاق هذه القضية يطول ولكن «الأمل» أن المقصود «وصل» ولتفاصيل مشاهد حياتنا الاجتماعية أحاديث لاحقة لكي نؤسس ونعيش سوياً معنى التنمية المتوازنة والمستديمة كي ينعم الجميع ويتفاعل الجميع خدمة للوطن ومواطنيه.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved