مر عامان على الذكرى الأليمة التي أقام لها الأمريكيون حفل تأبين سنوي لضحايا برجي التجارة العالمي الذين سحقتهم غزوة «11» سبتمبر كما يدعي منفذوها والمخططون لها والمتعاطفون مع من قاموا بها، وتعتبر هذه الحادثة حداً مفصلياً بين الغرب بكل جبروته وتفكيره وساسته ومستشاريه وقراءته للأحداث التي تجري على الأرض ودفاعاته المحكمة عن أمريكا الموطن، والديمقراطية الفكرة، والرأسمالية وسيلة تسيير شؤون الناس الحياتية، وبين مجموعة متطرفة خرجت على الاجماع الوطني في بلادها بسبب الخلاف حول العلاقة مع أمريكا العدو اللدود بحسب رأيها، ورأت أن تقاتل دفاعا عن فلسطين في قلب أمريكا ونيابة عن الأقليات المضطهدة في آسيا وكشمير والشيشان والصومال وأدغال أفريقيا، مجموعة سمت نفسها ب«القاعدة» وكونت لنفسها خلايا مستيقظة وأخرى نائمة وضربت أمريكا في نيروبي ودار السلام وختمت قتالها بقاصمة الظهر وتدمير برجي التجارة العالمي وازهاق آلاف الأرواح التي لا تعرف شيئا عن كابول ولا عن رام الله، فماذا كان الحصاد الذي جنته القاعدة فلا فلسطين تحررت، ولا العراق نجا من الغزو المبيت، ولا أفغانستان بقيت بيد الملا عمر وطالبان، بل على العكس من ذلك زادت الضغوطات على المسلمين واشتدت وطأة الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين، وأصبح العراق أرضا محروقة ودولة كسيرة الجناح، وتحولت أفغانستان الى برميل من البارود الجاهز للانفجار متى سنحت الفرصة لذلك وهام قادة القاعدة على وجوههم بين الشعاب الوعرة والجبال التي لا تعرف إلا الحمم المرسلة والبراكين والصخور والجحيم المقيم.
نعم كان لهذا الحدث الهائل تأثير عظيم على مختلف جوانب القضايا العربية والاسلامية حيث ظهرت تداعيات مؤسفة عن الحادث، كان من أبرزها احتلال بلدان مسلمة كما خسر المسلمون سمتهم الشائعة القائمة على التسامح والدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتعرضت المملكة بلد الحرمين الشريفين لهجوم إعلامي شرس من مختلف الوسائل الاعلامية الأمريكية، كما أصبح كل عربي أو مسلم في وضع الاشتباه والادانة، واستسلمت أمريكا لوجهات النظر الاسرائيلية التي حاولت دفعها في اتجاه معسكر الشر وصرفها عن القضية الفلسطينية الأمر الذي أتاح للصهاينة استخدام كل السبل الوحشية لقمع انتفاضة الشعب الفلسطيني وذلك بغفلة عن العالم أجمع، كما انشغلت أمريكا بالحرب على الارهاب واتخذتها ذريعة لتحقيق أطماعها الاستعمارية في المنطقة.
وفي الوقت الذي ذرفت فيه آلاف الأسر الدموع الساخنة على فقد ضحاياها في ذلك اليوم المشؤوم بدأ ملايين الأطفال المشردين في عدد من بقاع المعمورة يتضوعون جوعا بسبب حرمان أمريكا وسعيها الحثيث لقطع الغذاء والدواء والكساء الذي كانت تقدمه المؤسسات الاسلامية الخيرية وهيئات الاغاثة العالمية التي تتدارك الجوعى وضحايا الحروب والنزاعات في العالم حيث أعطى هذا الحدث فرصة للعولمة الأمنية بملاحقة تلك المؤسسات والهيئات حيث تتذرع أمريكا بأن الارهاب ينبع منها، وقد افترت بهذا إفكاً عظيما وارتكبت بحق هؤلاء المحرومين جرما لا يغتفر أبداً، لكن البادئ كان أظلم إذ ابن لادن ورفاقه لم يتدارسوا العواقب قبل اشتعال الفتنة، وتسببوا في تعطيل كثير من مشاريع الخير التي كانت ملاذاً للفقراء والمساكين واليتامى والأرامل.
تمر الذكرى الثانية لأحداث «11» سبتمبر الدامية والأمريكان يبكون موتاهم ونحن في العالمين العربي والاسلامي نبكي لموت مئات الأطفال يومياً بسبب الحرمان والجوع ونقص الأنفس والثمرات، والكل خاسر من معركة غير متكافئة، ولا نجد ربحاً صُيّرت له كل بوادر الانتصار وما على الجميع إلا أن يتحصنوا بأمصال من صنع العزيز الحكيم الغفور الودود.
* عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
فاكس 014803452
|