لا تلبث الأحداث إلا لتؤكد بأن مهنة الصحافة ليست كما يطلقون عليها مهنة البحث عن المتاعب.. بل إنها أصبحت من المهن القليلة التي تسمى بمهنة الموت، فالصحفيون يتساقطون في مواقع العمل لا فرق في سوح القتال أو عند تغطية المناسبات والأحداث.
وقد فقدت الأسرة الصحفية السعودية اثنين من أنبل أبنائها استشهدا وهما يؤديان واجبهما المهني في تغطية الجولة التفقدية التي يقوم بها الأمير فهد بن سلطان أمير منطقة تبوك لمحافظات وقرى المنطقة. حيث كان الفقيدان ومعهما اثنان من الزملاء في احدى السيارات المرافقة لموكب سمو أمير المنطقة وقرب مركز الزمية التابع لمحافظة حقل انقلبت السيارة التي كانت تقلهم، وشاءت إرادة الله أن يتوفى كل من الزميل أحمد محمود شاهين والزميل محمد ياسين عبدالقادر وأن يصاب اثنان من الزملاء نقلا إلى المستشفى حيث وجدا العناية والاهتمام والمتابعة من لدن الأمير الإنسان فهد بن سلطان صاحب المواقف الإنسانية المشهودة في مثل هذه الظروف التي يكون فيها أول المواسين ومضمدي جروح الثكالى وماسح دموع الأطفال.
والصحفيان الفقيدان كان لي شرف معرفتهما عن قرب فالزميل المرحوم إن شاء الله محمود ياسين عبدالقادر كان زميلاً لنا في مكتب الجزيرة في تبوك وساهم إسهاماً مشهوداً في تغطية ومتابعة احداث وأخبار المنطقة، ومن «الجزيرة» انتقل إلى «الندوة» حيث واصل جهده الصحفي حتى لاقى وجه ربه.
اما الزميل المرحوم أحمد محمود شاهين الذي كان يدير مكتب جريدة المدينة وله مكتبان في تبوك ومحافظة ضبا، فمعرفتي به هو وشقيقه عدلي وطيدة توطدت أكثر أثناء ترددي على ميناء ضباء، وقد تشرفت بالتعرف عليه وعلى أخيه وعائلته في موقف حرج بالنسبة لي في وقتها حيث وصلت متأخراً إلى مدينة ضباء للحاق بالسفينة التي كنت أزمع ركوبها إلى ميناء سفاجا، ولكن السفينة رحلت، ويومها لم تكن ضباء مثل ما هي اليوم تزخر بأماكن المبيت الجيدة والفنادق والشقق المفروشة، كنت أبحث عن مكان لائق، فوجدت ابني شاهين صدفة، ليغمرني المرحوم أحمد وأخوه عدلي بكرم وحفاوة وهما لايعرفانني مسبقاً، سوى أني زميل لهما في مهنة الصحافة، وأصرا على اصطحابي أنا وعائلتي إلى منزلهما حيث كانت والدتهما باشة مرحبة فرحة بالعائلة القادمة من الرياض، وأصرت على إطعامنا «صيادية» أجادت طهيها، وظل الأخوان ملاصقين لنا حتى أوجدا لنا أماكن على الباخرة المغادرة إلى مصر.
كان ذلك قبل أعوام مازلت أتذكرها ومع أني أتحادث مع المرحوم أحمد شاهين هاتفياً بعض الأحيان إلا أني لم ألتق به بعد ذلك اليوم.. إلى أن سمعت خبر رحيله الى جنة الخلد إن شاء الله.
والمرحوم رغم أنه يمتلك وكالة سياحية ووكيل لسفريات بحرية ناجحة، وهو وأخوه ليسا بحاجة إلى أي عمل إضافي إلا أن حبهما للصحافة جعلهما يفتحان مكتبا للصحيفة التي يراسلانها وفي البداية كان المكتب على حسابهما الشخصي، وأشهد أنهما كثيراً ما تفوقا على زملائهما في المهنة.
رحم الله أحمد محمود شاهين وزميله محمد ياسين عبدالقادر وألهم أهلهما وذويهما الصبر والسلوان وأدخلهما الله جناته.. {انا لله وانا اليه راجعون}.
|