أن يأتي يوم ويجد الإنسان نفسه وقد حقق كل ما يريد، فذلك مستحيل، وأن يشعر الإنسان بظمأ وجوع نتيجة طموح يمزق أضلعه، فذلك هو الشيء الطبيعي المتفق مع نواميس الحياة، لقد قال الشابي منذ سنوات:
وأعلن في الكون أن الطموح
لهيب الحياة وروح الظفر
|
فنهاية الطموح اذن هي بلوغ المنى، لكن بلوغ يأتي مبتوراً في أغلب الاحوال، فأما ان يقنع الانسان وينتهي، وأما ان يتمزق ويشقى بطموحه كما شقى فيلسوف الادباء وأديب الفلاسفة «أبو حيان التوحيدي» الذي لم يجد بدا في أخريات أيامه من الاتجاه للصوفية وانتهى به الحال الى حرق كتبه كلها، شعوراً منه بأن الناس قد قابلوه بالجحود والنكران.. ولعل الجحود والنكران ما زال قائما الى يومنا هذا، والأديب شاعرا كان أم ناثراً هو أكثر الناس تعرضا لهذا الجحود والنكران، فمنذ أيام سمعت أن «كافكا» الاديب الألماني أحرق كتبه وأوراقه كلها لانه يعتقد انه لم يكتب شيئا ذا قيمة يمكن أن يخلده، وهذا الجحود لدى «كافكا» جاء من نفسه، ولكن ما بال ذلك الجحود الذي يشعر به الاديب بأنه آت من الناس والناس وحدهم.. ان زمرة من شعرائنا لديهم هذا الشعور الأليم، فبعد ان قالوا الشعر وصالوا وجالوا وصاغوا أعذب ألحانهم من ذوب نفوسهم، وقفوا أخيراً حيارى تائهين، لأن النقاد لم يدرسوهم ويدرسوا آثارهم، ولأن النقد أصبح «تحطيبا» يتبادله الكتاب وكلهم أحقاد وضغائن تجاه بعضهم البعض.
أخيراً متى سيتم انشاء المجلس الأعلى للفنون والآداب؟؟ فلعله يستطيع ان يداوى الجراح ويعطي الاديب حقه ويضعه في مكانه الملائم له في المجتمع الكبير.. انها خطوة لو تحققت، لتحقق آمال كبار وأمان عظيمة.
|