Monday 22nd september,2003 11316العدد الأثنين 25 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أهناك ورقة توت تسقط؟ أهناك ورقة توت تسقط؟
عبدالله الصالح العثيمين

تغطية السوءة من الأمور التي فطر الله الناس عليها، وحرصت البشرية على القيام بها منذ نشأتها الأولى. فعندما دلَّى الشيطان آدم وحواء بغرور، وذاقا الشجرة التي نهاهما ربهما عن أن يقرباها، بدت لهما سوءاتهما، فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، ستراً لهما. وحينما طوَّعت نفس أحد ابني آدم له قتل أخيه، فقتله، بعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة ذلك الأخ القتيل.
ولم يشذّ عن التمسك بتلك الفطرة التي فطر الله الناس عليها إلا شذاذ في مجتمعات تعد نفسها المجتمعات الراقية، وتسعى بكل الوسائل لنشر مثلها بين المجتمعات الأخرى، اقناعاً أو إجباراً، فكان أن أسس هؤلاء الشذاذ نوادي العراة، ووجدت شواطئ لا يضع المجتمعون فيها على أجسادهم ما يستر عوراتهم.
وما سبقت الاشارة اليه هو - بطبيعة الحال - المراد الحسي لتغطية السوءة وكشفها. على ان تاريخ البشرية؛ فكراً وأدباً، عرف التعبير باللفظ الحسي عن أمر معنوي. فشاع استعمال عبارة:«سقطت ورقة التوت» للتعبير عن انكشاف خزي من كان خزيه مستوراً. وهذا الاستعمال جميل ومناسب إذا كان الخزي - في واقع الأمر - خافياً قبل استعمال تلك العبارة.
على أن بعض المنظّرين السياسيين من كتَّاب العرب، وبعض محترفي السياسة في الأقطار العربية؛ مؤهلين وغير مؤهلين، لم يكتفوا باستعمال العبارة المشار إليها عندما يكون استعمالها جميلاً ومناسباً لمقتضى الحال. فأصبحت أقوالهم - لذلك - فارغة المعنى خاوية المدلول. ومن السهل فهم موقف محترفي السياسة؛ سواء فُسِّر على أنه نتيجة فقدهم أمضى سلاح لمواجهة التحديات؛ وهو الإرادة، أو فسر على أنه نتيجة فقدهم الثقة بالله ثم بشعوبهم التي ابتليت بتوليهم مقاليد أمورها، أو فسِّر بفقدهم الأمرين مجتمعين. لكن من الصعب فهم موقف أولئك المنظرين السياسيين من الكتَّاب، فإن كان بعضهم يكتبون ما يكتبون غير مقتنعين بصحته؛ كسباً لرضا حاكم يرجون ثوابه، أو تفادياً لغضب متسلط يخشون عقابه، فإن ذلك مؤلم أشد الإيلام، وان كانوا يكتبون ما يكتبون مقتنعين بصحته مع كثرة الشواهد؛ ماضيا وحاضراً، على انتفاء هذه الصحة فذلك مؤلم أيضا لأنه من أدلة عدم كون القوس في يد باريها.
وستحاول هذه المقالة التدليل على استعمال أولئك المنظّرين السياسيين ومحترفي السياسة للعبارة المذكورة، بلفظها أو بمدلولها، استعمالاً يتنافى مع مقتضى الحال. وذلك من خلال إشارات مختصرة إلى ما يرددونه من أقوال وتعليقات تتصل بالموقفين الصهيوني والأمريكي الداعم للصهاينة عند تناول القضية الفلسطينية. وكفى بها مثلاً لكل قضايا الأمة العربية والعالم الإسلامي.
موقف الصهاينة منذ أن اتخذوا قراراتهم في مؤتمرهم عام 1897م واضح كل الوضوح. ولم يتغير ذلك الموقف جوهرياً حتى الآن؛ سواء جاءت قيادتهم في أيدي زعماء حزب العمل الذين تولوا قيادة الدولة الصهيونية المقامة على أرض فلسطين المغتصبة سنوات عدة بعد إعلان قيامها، أو في أيدي زعماء كتلة الليكود التي يتولى رئاستها الآن شارون العتيد في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية من بينها مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان.
وهذا الموقف الذي كان صداه المهيمن على المؤتمر المشار إليه تصوره العبارة الصهيونية العنصرية المشهورة: «اليهود شعب بلا أرض، وفلسطين أرض بلا شعب». ومدلول هذه العبارة الذي لا غبار عليه أن الصهاينة - وأكثرهم في واقع الأمر، لا صلة لهم، ولا لأجدادهم بتاتاً بفلسطين - يرون أنه لا يمكن أن يقبلوا وجوداً فلسطينياً حقيقياً على أرض فلسطين؛ سواء بقي من الفلسطينيين من بقوا تحت الاحتلال فيها أو من اضطروا تحت وطأة جرائم الصهاينة قبل سنة 1948م الى مغادرتها وظل كثير منهم يعيشون في مخيمات بائسة هنا وهناك. وإذا بدا أن الصهاينة يقبلون وجوداً فلسطينياً على جزء من فلسطين المحتلة عام 1967م فإنهم مصرون على أن هذا الوجود يجب ان يخضع عمليا لما يريدونه ويخدم مصالحهم العليا وما يتفوهون به من رغبة في السلام مع العرب إنما يقصدون به حقيقة الاستسلام لتلك الإرادة والاستعداد للقيام بهذه الخدمة. وان دولة ذات إيديولوجية عنصرية واضحة العداء للسلام مع الآخرين لا يمكن أن تقبل بما تعنيه كلمة «السلام» من معنى. ومع وضوح الموقف الصهيوني الوضوح كله فإن من المنظّرين السياسيين ومحترفي السياسة في العالم العربي من ظلوا يرددون عبر العقود الأربعة الماضية عبارات مثل : «ثبت بما لا يدع مجالاً للشك ان إسرائيل لا تريد السلام».
إذا كان قد ثبت عمّن يرددون هذه العبارة وأمثالها - كما هو ثابت حتماً عند كثير غيرهم من المتابعين لمجريات الأحداث في العالم - أن إسرائيل لا تريد السلام فما الداعي إلى ترديد ما يردد عقوداً من الزمن دون أن يؤدي الى أي فائدة؟ ألم يثبت لدى مرددي هذه العبارة وأمثالها أنها لم تعد تترك في أذهان القراء والمستمعين أثراً يذكر، وأن هؤلاء وأولئك يعدونها ألفاظاً فارغة المعنى خاوية المدلول؟
ومن العبارات التي يرددها المنظّرون السياسيون من الكتّاب، ومحترفي السياسة، عبارة:«لقد أتضح أن اسرائيل لا تعترف بالقرارات الدولية ولا تحترمها».
إذا كان زعماء الصهاينة المنتخبون انتخاباً يعبِّر بصدق وحرية عن تضامن بقية الشعب الصهيوني مع هؤلاء الزعماء قد أعلنوا - أو عبَّروا بالفعل على أرض الواقع - أنهم لا يعترفون بقرارات الأمم المتحدة رغم أن هذه القرارات لم يكن لها أن تصدر إلا بعد موافقة الدولة الداعمة للدولة الصهيونية دائماً، ولا يحترمون تلك القرارات، فما الداعي إلى ترديد هذه العبارة أيضا؟.
إن زعامات الدول التي في أيديها مقاليد التصرُّف في مجريات الأحداث العالمية، سواء عبر مجلس الأمن الذي تهيمن عليه داعمة الصهاينة الأولى، أو بإهمال هذا المجلس كلية، يعلمون ذلك كله. ومن لا يعلم أنهم يعلمونه فليتح لنفسه فرصة قراءة مذكرات بيكر، وزير الخارجية الأمريكية السابق، ليجد أنه يعترف بمخالفة دولة الصهاينة للقرارات المشار اليها. أما الذين ليس في أيديهم حول ولا طول أمام مجريات الأحداث الدولية الآن؛ ومن ضمنهم شعوب العالمين العربي والإسلامي، فتوجيه الخطاب المردد الفارغ من المعنى الخالي من المدلول اليهم عبث لا طائل منه.
إن شعوب العالمين العربي والإسلامي تشاهد جرائم حرب الإبادة التي يرتكبها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة من فلسطين. وكانت هذه الشعوب قد شاهدت، أيضا، الجرائم التي ارتكبها أولئك الصهاينة ضد الفلسطينيين خارج فلسطين، كما حدث في صبرا وشاتيلا. ومؤسساتها ونقاباتها في البلدان المسموح فيها بتكوين مؤسسات ونقابات لم تتحرك حتى الآن التحرك الإيجابي الذي يقتضيه الموقف لتجعل قياداتها تحسن مواقفها، وتتخذ الخطوات اللازمة التي يمكن أن تؤدي إلى إيقاف تلك الجرائم. ومن المرجح جداً أنها، بصفة عامة، متألمة أشد التألم للمواقف المتخاذلة المستسلمة التي تتبناها معظم قياداتها مراعاة لرضا الدولة التي يخشون أن تزيحهم من الكراسي التي يتشبثون بمقاعدها الوثيرة.
أما قرارات مجلس الأمن، الذي هو فرع من هيئة الأمم المتحدة، فمعروف أنها لا تصدر - أساساً - إلا بموافقة أمريكا الحليفة الاستراتيجية للدولة الصهيونية. ومعروف، أيضا، عدد المرات التي استخدمت فيها، عداوة، حق النقض ضد أي قرار يدين الجرائم الصهيونية. ومن الغباء أن يظن أن الحلف الاستراتيجي الموجود بين الدولتين المتشابهتين؛ نشأة إجرامية استئصالية للآخر، وتاريخاً إرهابياً متصلاً، لا يحدد المواقف المتخذة. ولثقة الصهاينة بالدولة الأمريكية وموقفها الثابت لنصرتهم قال دايان، وزير الحرب الصهيوني السابق ذات مرة:«لا يهم إسرائيل أن يقف العالم كله ضدها ما دامت أمريكا معها». وكان ذلك القول قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، واختلال ميزان القوى عالمياً، وقبل أن تصبح أمريكا الآمر الناهي للجميع. فكيف وقد وصلت الأمور الى ما وصلت إليه الآن؟.
ومما سبق يتضح أن الدولة الصهيونية لم تخف؛ قولاً أو عملاً، موقفها الاجرامي المناهض لما تتفوه به؛ كذباً وخداعاً من مناداة بالسلام. إنها لم تستر سوءتها الإجرامية؛ ماضياً ولا حاضراً. ومن العبث ترديد عبارات مثل العبارات المشار اليها سابقاً. إنها لم تضع في يوم من الأيام ورقة توت فوق سواتها فكيف يقال: سقطت ورقة التوت وهي أساسا لم تكن موجودة؟.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved