جاءتنا هذه الرسالة التي بعثها الأستاذ محمد سعيد دفتردار إلى ابنته التي تدرس الطب في الباكستان ونظرا لما فيها من الفوائد ننشرها هنا كنصيحة من أب إلى ابنته.
هذه نبذة صالحة مفيدة كتبها لي الوالد الشيخ محمد سعيد دفتردار في مذكرتي الخاصة وأنا على أهبة السفر إلى الباكستان مبتعثة من قبل وزارة المعارف لدراسة الطب هناك وكتبتها للصحيفة ونشرتها للقارئين والقارئات لتكون طريقا يترسمه الآباء ويعيها عنهم الأبناء ولتكون راحة تبلغهم دار السلام وزادا لأرواحهم ونورا لبصائرهم وأبصارهم وذكرى لتعريفهم واجباتهم الدينية والدنيوية حتى لا يضلوا في تيه الأخلاق الذميمة المارقة والمبادئ المنكرة المستوردة من أحط الشعوب اخلاقا وأشقاهم معيشة وأبعدهم عن الله مقاما وألصقهم بالشيطان التزاما وأسأل الله ان يجعلها نورا وهداية لي ولاخواني ولكل من يريد الصلاح والفلاح من الشباب المغتربين لطلب العلم وعلى الله قصد السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(........)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وبه نستعين وصلى الله على رسوله الأمين. بنيتي يا رفيدة. انت إن شاء الله مصونة بدينك وأخلاقك محفوظة برعاية ربك وعنايته، محفوفة برضاء والديك ومحبة اخوتك مباركة على زملائك وعشيرتك. اكتب إليك هذه النبذة في مذكرتك نصيحة أزودك بها وذخيرة أخصك بها وامنحك اياها فانها قبس من نور، دراساتي الكثيرة وتجاربي البعيدة بعد ما وفيت سبعين عاما لقيت فيها وعاشرت اشتاتا والوانا من الناس وجُبْت خلالها وفيرا من البلاد ولقيت اوزاعا من الرخاء والشدة واللين والقسوة فدرجت في مسارب هذه الدنيا بعزيمة المناضل وصبر المجاهد ولله الأمر من قبل ومن بعد.
أكتب إليك بعد هذا كلمتي وأنا على يقين ان كلينا على أهبة سفر انت إلى الدنيا وما تتوخين منها من علم وجاه. وانا إلى الآخرة وما أرجوه من عفو ومغفرة في رحاب الله. ولا أدري هل سأعيش إلى ان التقي بك مرة أخرى. فإن التقينا فنحن على عهد الابوة المشفقة والبنوة الصالحة البارة وان لم نلتق فأنت الولد الصالح الذي انتظر دعاءه لي بالرحمة والمغفرة وذلك يكفى أني اموت وانا عنك راض.
واني لم انس قط في يوم من ايام حياتك الغضة الدعاء لك ولاخوتك بأن يسدد الله خطاك، ويحفظك من كل سوء ويرعاك، وقد استجاب الله دعائي وسمع ندائي فعسى انت يا بنيتي اذا قدمت لي دعوة خالصة صالحة ان يتقبلها الله منك ويثيبك عليها فأجد بردها في مثواي ووصيتي إليك يا رفيدة هي وصية الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبدالله بن عباس رضي الله عنه: أورد الترمذي عن ابي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: يا غلام اني اعلمك كلمات احفظ الله يحفظ. احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فأسأل الله. وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم ان الأمة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك. ولو اجتمعت على ان يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
بنيتي حافظي على الفريضة واستعيني بها وهذا مطلوب منا في قول الله تعالى: {وّاسًتّعٌينٍوا بٌالصَّبًرٌ وّالصَّلاةٌ} وقوله: {إنَّ الصَّلاةّ تّنًهّى" عّنٌ الفّحًشّاءٌ وّالًمٍنكّرٌ} وداومي على قراءة القرآن فهو هدى ورحمة وعلم ونور وفي تلاوته سعادة الدارين. واجعلي حياتك موهوبة لله ثم الوطن وكوني عونا للبائس الفقير فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه وعاملي الناس بما تحبين ان يعاملوك به واكثري من شكر الله فإنه بالشكر تضاعف النعمة وتنزل الرحمة واعلمي ان الله لا يضيع اجر من احسن عملا. ولا أخفي عليك يا بنيتي بأني معجب بك مقدر لجهودك وصبرك على طلب العلم كما انني معتز ببنوتك الكريمة وبأخلاقك النبيلة التي اقتبستها من والدتك الفاضلة. جعلك الله من الآمنين الموفقين وعصمك من فتن المضللين آمين وللذكرى اختم كلمتي بهذه المقطوعة فهي نصح ودي واخلاص:
تعود عوائد الأيام ذكرى
تراجعا إذا احتجبت لماما
ولكن ذكرياتك حيث اغدو
تعاودني وتصحبني التزاما
لانك يا رفيدة ملء قلبي
زحمت فيه اعلاقي زحاما
واعجابي بعلمك وهو قدر
ادل به على الدنيا دواما
وعفتك التي بلغت مداها
بها فلنا الوقار والاحتشاما
رفعت رؤوسنا بالصون فخرا
فحيا الله صوتك والذماما
وكل فضيلة من بعد هذي
تعد اذا افتقدناها عقاما
فلا يقصيك عني اي شغل
أرى فيه لآمالي اعتزاما
سأبعث من فؤاد كل حين
لك الدعوات يصحبها السلاما
|
من الوالد: محمد سعيد دفتردار
|