عزيزتي الجزيرة
تحية طيبة، وبعد
كعادته يتحفنا رسام الكاريكاتير بالجزيرة الماضي بالرسومات المعبرة التي تحكي بعضاً من واقعنا الحقيقي، وفي العدد رقم 11308 كان لنا موعد مع إحدى رسوماته وهي تظهر معلماً يحمل بيده عصاً ويتوعد المستجدين من طلاب الصف الاول بأن اليوم حلويات وسعة صدر وغداً ضرب ان تهاون الطلاب معه في دروسه، وقد يكون الرسم في نظر الكثيرين مبالغاً فيه، لكنه وبصراحة فيه بعض من كل، وفي هذه الايام عاود أبناؤنا الطلبة والطالبات التوجه الى مقاعدهم الدراسية بعد انتهاء الاجازة الصيفية، ومن هؤلاء طلبة المرحلة الابتدائية التي تعد الصفوف الاولية منها من اهم المراحل العمرية التي يمر بها الطفل في بداية دخوله المدرسة لكونها تعتبر نقطة التحول الكبيرة في حياته الدراسية، ويعد الصف الاول على وجه التحديد، البوابة الرئيسية التي يمر منها الطالب إلى بقية المراحل الاخرى، ومتى وجد هذا الطفل المناخ الدراسي المناسب والعناية والمتابعة من المعلم والاسرة خرج هذا الطالب الى رحاب التعليم الاخرى مجهزاً بكافة الاساسيات المطلوبة للتعلم من ادوات ضرورية تخدمه اكثر في مجالي الكتابة والقراءة، ولهذا السبب لم تقصر وزارة المعارف حينما جعلت الاسبوع الاول من بداية كل عام دراسي اسبوعاً خاصاً لتهيئة الطالب للدراسة واطلقت عليه الاسبوع «التمهيدي» الذي تهدف الوزارة من خلاله إلى نزع الهيبة والخوف من نفوس الصغار وتحبيبهم بالدراسة وتعويدهم على اجوائها بشكل تدريجي لكون الطفل قدم من أسرة تحيطه بالدفء والحنان والتدليل الى بيئة ومكان لم يألفه من قبل.
وخلال هذا الاسبوع يتسابق جميع العاملين في المدرسة بداية من المدير والمرشد الطلابي وانتهاء بمربي الفصل ومعلمي المواد في محاولة لكسب ود الطفل وتحبيبه بالدراسة حتى يخيل لي أن هذا الاسبوع يعد بمثابة اسبوع «العسل» على غرار شهر العسل بالنسبة للمتزوج.
وهذا الاسبوع بلا شك قد أزال الكثير من الرهبة من نفوس الطلاب وحفزهم للإقبال على مقاعد الدراسة بنشاط وقوة.. ورغم هذا يأتي البعض من المعلمين وهم قلة ولله الحمد ليهدم بأسلوبه واندفاعه ما تحاول الوزارة والمدرسة أن تغرسه في نفوس هؤلاء الصغار بحيث ما ان ينتهي هذا الاسبوع اللطيف حتى يبدأ المعلم مع الطلاب طريقة اخرى هدفها ضبط هؤلاء الطلاب الذين اعتادوا حياة اللهو واللعب والدلال الاسرى بأسلوب «الترويض» الذي قد لا يخلو من القسوة بحق هؤلاء الصغار، بحيث يجعلهم كما يعتقد في قرارة نفسه يعرفون معنى النظام داخل الفصل وطرق الاستئذان والمعاملة مع الغير، فالضرب الشديد يجعل الطفل يكره المدرسة ويتعقد منها منذ اول بدايات الدراسة وهذه مسئوليات مديري المدارس الذين يفترض بهم عدم إيكال مهمة تدريس الصفوف الاولية الا للمعلمين الاكفاء الذين يحسنون كيفية التعامل مع الصغار الذين هم كالبذرة تحتاج منا الى الرعاية والاهتمام لتنمو، وان نغرس في نفوسهم منذ اول يوم لدخولهم بوابة المدرسة حب التعليم وحب المدرسة وما فيها من معلمين وطلاب بحيث يصبح بعد ذلك فرداً نافعاً ومتعاونا مع غيره ومجتهداً حريصاً على الأخذ بأبجديات العلم والتعلم، فالضرب كوسيلة تربوية لها مساوىء كثيرة حيث يذكر لي احد الاشخاص وهو معلم بأنه قد تلقى في الصف الاول عصا من معلم وانه لايزال يذكر الآلم الذي احدثه في نفسه كلما تذكر ذلك فهذه العصا قد ترسخت بقاياها في ذاكرته وكادت كما يقول تجعله يكره الدراسة، وهذا يؤكد بلا شك ان ما نفعله الآن مع الطالب قد يترسب في العقل الباطن «اللاشعور» وقد يكون مع الزمن سبباً في نفوره من مقاعد الدراسة وعاملا مهماً في تدني مستواه الدراسي.
محمد بن راكد العنزي
محرر جريدة الجزيرة بطريف
|