Sunday 21st september,2003 11315العدد الأحد 24 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دور المثقفين في وسائل الإعلام دور المثقفين في وسائل الإعلام
إبراهيم المريع/ وزارة التربية والتعليم

بالأمس القريب زفت الثقافة إلى الإعلام وسعدنا كثيراً بهذا الوئام السعيد ليقيننا بمكانة كل من العروسين وحاجة كل منهما للآخر فهل يتصور ثقافة معزولة عن المجتمع وهل يعقل ان يكون الإعلام خالياً من إبداع ولمسات المثقفين خاصة ان الإعلام اليوم يقوم بتربية الأسر بالنيابة حيث تجاوز المؤسسات التعليمية بمراحل متقدمة وبتقنية عالية مع الإقبال الشديد من كافة الفئات على الوسائل الإعلامية وبدافع ذاتي محض بعكس التلقي من المؤسسات التعليمية حيث تتعدد الأهداف والدوافع من رغبة في شهادة أو خوف من نظرات المجتمع أو غيره كما لا يغيب مدى الانتشار الواسع لوسائل الإعلام واقتحامها لجميع الأماكن فهنيئاً لنا بهذا الوئام والتقارب بين الثقافة والإعلام والتطبيع بينهما وتفعيل الترابط والتواصل.. ان المثقف مطالب بأن يخرج من قوقعته التي ردح فيها سنين عدداً وهو يشتكي الهجران والنسيان وجحود العصر وانحدار الاهتمامات العامة، فهذا المجال الإعلامي قد أقبل لاحتضانه وعناقه فماذا عساه ان يصنع؟ فالأمة بحاجة إلى المثقفين الذين يثرون الساحة بما يفيد ويدحرون الشبهات الرائجة ويعالجون القضايا الشائكة بأساليب متزنة ومنهجية، ان على الإعلام اليوم ان يعي ان هناك مساحة شاسعة في وسائله المختلفة تحتاج إلى اضاءة ثقافية واسعة تقشع الظلام وتبدد الجهل والمغالطات ولا سبيل إلى ذلك إلا بجهود المثقف الحكيم. ان غياب المثقف المتمكن عن هذه الوسائل سيولد اعاقات فكرية وأزمات مزمنة لدى المتلقين بسبب الكم الهائل من الاطروحات التي تبثها وسائل إعلامية من كل مكان في العالم وضعف الطرح الإعلامي المضاد أو ندرته ونقص الكفاءة لأداء المهمة المطلوبة وغياب عناصر القوة وحصافة الرأي والوعي لمجريات الأحداث والفهم لمتطلبات العصر والحكمة في الطرح متى يكون وكيف يكون وهذا لا يعني انعدام الثقات والحكماء من الساحة بل يوجد من المثقفين البارزين الذين لهم بصماتهم الرائعة ودورهم المؤثر، ولكن الأمة بحاجة إلى جهود ضخمة من هؤلاء النخبة وأمثالهم الذين ما زالوا يعيشون في زوايا المجتمع وعلى هامش الأحداث ينتظرون الدعوات الفاخرة للمشاركة. ان من ابرز ما تولد من الأحداث التي يمر بها العالم اليوم ظهور الدور البارز والمؤثر للإعلام فأصبحت الحروب إعلامية أكثر منها حربية والأمة التي تخطو ببطء في ايصال صوتها أو تظهره بضعف أو استحياء لا مكان لها بين الأمم ان ضيق الاهتمام وتضخيم قضايا معينة أو التبعية التي تلغي اهتمامات المجتمع وحاجاته للحاق بالمراكب الغارقة في آخر الطريق وغياب بعد النظر والحكمة وتغييب المصلحة العامة وعدم تغليبها وظهور من يختزل قضايا الوطن في قضيته الشخصية أو فكر يراه أو وجهة نظر عابرة يقاتل لأجلها يعد اخلالا بالدور الكبير والمهم للمثقف.. ان المثقف الغيور على دينه ووطنه أحق بالظهور في تلك المناطق الإعلامية التي يتسابق فيها بعض الإعلاميين لشحنها بالأسماء التسويقية والصور اللامعة والموضوعات المثيرة لاستقطاب الجمهور الذي تشكل فكره وفق تلك الأسماء فأصبح المتلقي يدور في حلقة مفرغة لا تتجاوز حياة تلك الأسماء البارزة دون النظر في مضامين أفكارها الساذجة لقد عشنا مع مقالات وندوات وقصائد هزيلة ولكنها متقدمة في وقت توارت إبداعات ثقافية رائعة بسبب ميل تلك الاطروحات إلى الإثارة واستجداء القارئ الذي يبحث عن الوجبات السريعة فهل سينتهي طموح المتلقي عند لقاءات شعبان عبدالرحيم لمجرد شهرته العالمية أو عند قضايا الانوثة وفتيات الجنز والنقاب وهل الغاية ان نعيش أدق التفاصيل في حياة ممثلين ومغنيات ام اننا على موعد مع السمو والرفعة من تلك المزالق الخطرة التي لا مناص منها إلا بالحضور الثقافي المخلص لدينه ووطنه والمؤثر باستمراره.. فهل يقبل المثقفون على وسائل الإعلام ويكون حضورهم وسط المعمعة أم ينتظرون انتهاء العاصفة ليكتبوا التاريخ ويدونونه في المجلدات؟ الا يعلمون ان الانحناء لا يجدي مع الأعاصير التي تجتاح الأمة والتي ان تمكنت في غفلة منهم اقتلعت كل شيء واذابت التاريخ ونهبت التراث الذي يجتمعون للتسلي بذكراه وربما كانت المدافع الإعلامية والحربية حولهم وهم يناقشون علاقة قيس وليلى والمعلقات السبع أو يبحثون عن قوالب جديدة للحداثة أو ميادين جديدة للصراعات الأدبية لذاتها.
ينبغي ان يكون هناك فهم دقيق للعالم الداخلي والخارجي بجميع طبقاته ما دام ان هناك اعلاما داخليا وعالميا يصل إلى كل جهة اردناها وهذا يتحقق ببحث الأولويات واستغلال المساحة الإعلامية التي تمتلكها بلادنا والحضور القوي لها في هذا المجال. ان على الإعلاميين ان يعملوا على الربط بين المفكرين وأهل العلم الشرعي لتوجيه المجتمع عبر نوافذ الإعلام لانقاذ افراده من الانحراف العقدي والسلوكي والجنوح عن الجادة وفقه التعامل مع المخالف وابراز ضوابط المصالح والمفاسد واستيعاب الآخرين وابراز الصورة المشرقة لتعاليم الإسلام وتهيئة المعنيين لتعليمهم ادب الحوار وأساليب الخطاب وكيف يصل صوتنا إلى العالم الآخر بطريقة سليمة.
يجب الإعداد المثالي للإعلام الناضج الذي يدرك الأبعاد الحقيقية لما يبث وينشر وقت الأزمات، لقد عايشنا مظاهر خاطئة ومؤسفة في بعض الزوايا الإعلامية افتقدت الحكمة في الطرح والنظرة البعيدة لافرازات الموضوع المتناول ولو أخذنا على سبيل المثال موقف بعض الوسائل من المناهج التعليمية وكيف تعاملت تلك الاطروحات بشكل خاطئ مع هذه المسألة فكانت تلك المقالات الملتهبة اشبه بالقطة الشهيرة التي احترق ذيلها فأخذت تبحث عن الماء لاطفاء النار فما تركت خيمة من الخيام إلا دخلتها لتبحث عن الماء وكانت النتيجة ان احترقت خيام الانقاذ وانتشرت النار في جسمها ولم تجد الماء بسبب تصرفها الأرعن ان الحديث عن المناهج التعليمية وربط الأحداث الأخيرة المؤلمة بها من الظلم الكبير لهذه المناهج خاصة وان الارهاب عالمي ليس له بلد محدد فكم سمعنا من الحوادث المماثلة في دول أخرى تختلف مناهجها عن مناهجنا التي خرجت الملايين من الأجيال المعتدلة المساهمة في نهضة البلاد والرافضة للافساد والظلم والتعدي. إن على الإعلاميين ان يجددوا ثقة المجتمع بمناهجه التعليمية لأن الفرد إذا زعزعت ثقته بمناهجه الرسمية التي تحظى بالرعاية والتطوير والمتابعة فسيبحث عن مصادر أخرى قد تكون مشبوهة وغالية أو منحرفة ثم تكون النتائج عكسية، اننا لا ندعي الكمال للمناهج التعليمية بل القصور يطال كل جهة ولكن هناك فرقاً بين ان نتهمها بالدعوة إلى الافساد وبين ان نصفها بالتقصير في تحصين الأجيال واكسابهم مهارة حسن التعامل مع الآخرين والعلاقة بين المسلم وغيره والضوابط الشرعية لكل مسألة وعمن يأخذون دينهم وعلومه ومكانة أهل العلم وخطورة القول على الله بغير علم والتحذير من تفسير النصوص على ما تهوى النفوس والغفلة عن المطلق والمقيد والعام والخاص والناسخ والمنسوخ وغيرها من الأحكام التي ينبغي ان تعنى بها المناهج التعليمية والتي لا تخفى على القائمين على المناهج الذين يسعون للتطوير إلى الأحسن بحس إيماني ضارب في القدم، فالتطوير من فعلهم ولم يكن ردة فعل لسيرهم على خطط متوازنة ومدروسة تثبتها الوقائع ولن تلغيها جرة قلم متسرعة ان الحديث والنقاش على قضية المناهج وهي واضحة لا تحتاج إلى جدال يعد من مظاهر غياب الحس الإعلامي الواعي الذي يدرك ان اختلاف الرأي في هذه المسألة يولد الشك والريبة في نفوس الآخرين الذين يتعمقون في المناهج التعليمية لدينا فيفهمون الأمر على غير حقيقته بسبب التهور الإعلامي غير المنضبط والذي لم يبن على أسس علمية وبحث ودراسة بل اننا لو تأملنا الحال لوجدنا ان الوسائل الإعلامية هي من أكثر القنوات تشكيلاً لشخصية المتلقي فكم يعاني المعلم والمعلمة في اصلاح ما أفسدته بعض وسائل الإعلام وكم سهر الطلاب الليالي مع صراع الديكة والحوارات الفارغة وغيرها حتى إذا أصبح الصباح ذهب بجسمه إلى المدرسة وهو كالمكبل ثم إذا ما انحرف فهذه مسؤولية المعلم فقط لأنه لم يتعامل تربوياً مع الطالب بزعمهم، ولذلك فنحن مطالبون اكثر من أي وقت مضى ان نتلمس الحاجة الحقيقية وألا نخلط الأوراق بل نعيد ترتيبها وفق رؤية عاقلة وراشدة تبين الحق والمنهج المعتدل وترشد الضال والمنحرف وتعمق الشعور بضرورة حفظ النفس والدين والعقل والمال والعرض وحرمة التهاون في ازهاق الأرواح البريئة والانغلاق الفكري الذي لا يقبل إلا لغته الخاطئة الهوجاء ولن يكون ذلك إلا إذا قام المثقفون المخلصون والمربون الفضلاء بواجبهم حق القيام.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved