|
|
بالأمس القريب زفت الثقافة إلى الإعلام وسعدنا كثيراً بهذا الوئام السعيد ليقيننا بمكانة كل من العروسين وحاجة كل منهما للآخر فهل يتصور ثقافة معزولة عن المجتمع وهل يعقل ان يكون الإعلام خالياً من إبداع ولمسات المثقفين خاصة ان الإعلام اليوم يقوم بتربية الأسر بالنيابة حيث تجاوز المؤسسات التعليمية بمراحل متقدمة وبتقنية عالية مع الإقبال الشديد من كافة الفئات على الوسائل الإعلامية وبدافع ذاتي محض بعكس التلقي من المؤسسات التعليمية حيث تتعدد الأهداف والدوافع من رغبة في شهادة أو خوف من نظرات المجتمع أو غيره كما لا يغيب مدى الانتشار الواسع لوسائل الإعلام واقتحامها لجميع الأماكن فهنيئاً لنا بهذا الوئام والتقارب بين الثقافة والإعلام والتطبيع بينهما وتفعيل الترابط والتواصل.. ان المثقف مطالب بأن يخرج من قوقعته التي ردح فيها سنين عدداً وهو يشتكي الهجران والنسيان وجحود العصر وانحدار الاهتمامات العامة، فهذا المجال الإعلامي قد أقبل لاحتضانه وعناقه فماذا عساه ان يصنع؟ فالأمة بحاجة إلى المثقفين الذين يثرون الساحة بما يفيد ويدحرون الشبهات الرائجة ويعالجون القضايا الشائكة بأساليب متزنة ومنهجية، ان على الإعلام اليوم ان يعي ان هناك مساحة شاسعة في وسائله المختلفة تحتاج إلى اضاءة ثقافية واسعة تقشع الظلام وتبدد الجهل والمغالطات ولا سبيل إلى ذلك إلا بجهود المثقف الحكيم. ان غياب المثقف المتمكن عن هذه الوسائل سيولد اعاقات فكرية وأزمات مزمنة لدى المتلقين بسبب الكم الهائل من الاطروحات التي تبثها وسائل إعلامية من كل مكان في العالم وضعف الطرح الإعلامي المضاد أو ندرته ونقص الكفاءة لأداء المهمة المطلوبة وغياب عناصر القوة وحصافة الرأي والوعي لمجريات الأحداث والفهم لمتطلبات العصر والحكمة في الطرح متى يكون وكيف يكون وهذا لا يعني انعدام الثقات والحكماء من الساحة بل يوجد من المثقفين البارزين الذين لهم بصماتهم الرائعة ودورهم المؤثر، ولكن الأمة بحاجة إلى جهود ضخمة من هؤلاء النخبة وأمثالهم الذين ما زالوا يعيشون في زوايا المجتمع وعلى هامش الأحداث ينتظرون الدعوات الفاخرة للمشاركة. ان من ابرز ما تولد من الأحداث التي يمر بها العالم اليوم ظهور الدور البارز والمؤثر للإعلام فأصبحت الحروب إعلامية أكثر منها حربية والأمة التي تخطو ببطء في ايصال صوتها أو تظهره بضعف أو استحياء لا مكان لها بين الأمم ان ضيق الاهتمام وتضخيم قضايا معينة أو التبعية التي تلغي اهتمامات المجتمع وحاجاته للحاق بالمراكب الغارقة في آخر الطريق وغياب بعد النظر والحكمة وتغييب المصلحة العامة وعدم تغليبها وظهور من يختزل قضايا الوطن في قضيته الشخصية أو فكر يراه أو وجهة نظر عابرة يقاتل لأجلها يعد اخلالا بالدور الكبير والمهم للمثقف.. ان المثقف الغيور على دينه ووطنه أحق بالظهور في تلك المناطق الإعلامية التي يتسابق فيها بعض الإعلاميين لشحنها بالأسماء التسويقية والصور اللامعة والموضوعات المثيرة لاستقطاب الجمهور الذي تشكل فكره وفق تلك الأسماء فأصبح المتلقي يدور في حلقة مفرغة لا تتجاوز حياة تلك الأسماء البارزة دون النظر في مضامين أفكارها الساذجة لقد عشنا مع مقالات وندوات وقصائد هزيلة ولكنها متقدمة في وقت توارت إبداعات ثقافية رائعة بسبب ميل تلك الاطروحات إلى الإثارة واستجداء القارئ الذي يبحث عن الوجبات السريعة فهل سينتهي طموح المتلقي عند لقاءات شعبان عبدالرحيم لمجرد شهرته العالمية أو عند قضايا الانوثة وفتيات الجنز والنقاب وهل الغاية ان نعيش أدق التفاصيل في حياة ممثلين ومغنيات ام اننا على موعد مع السمو والرفعة من تلك المزالق الخطرة التي لا مناص منها إلا بالحضور الثقافي المخلص لدينه ووطنه والمؤثر باستمراره.. فهل يقبل المثقفون على وسائل الإعلام ويكون حضورهم وسط المعمعة أم ينتظرون انتهاء العاصفة ليكتبوا التاريخ ويدونونه في المجلدات؟ الا يعلمون ان الانحناء لا يجدي مع الأعاصير التي تجتاح الأمة والتي ان تمكنت في غفلة منهم اقتلعت كل شيء واذابت التاريخ ونهبت التراث الذي يجتمعون للتسلي بذكراه وربما كانت المدافع الإعلامية والحربية حولهم وهم يناقشون علاقة قيس وليلى والمعلقات السبع أو يبحثون عن قوالب جديدة للحداثة أو ميادين جديدة للصراعات الأدبية لذاتها. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |