قد يكون الخطاب الإعلامي الذي توظفه الإعلانات التجارية بغرض الترويج للسلع الاستهلاكية، نافذة نطل من خلالها على اللغة السائدة والمقبولة في مجتمع ما، إذاً هو يبرز القيم والعلاقات التي تسود في المجتمع ويحاول بشكل أو آخر أن يجير هذه القيم لترويج السلعة.
وعلى الغالب تكون لغة الخطاب الإعلامي ساذجة وسطحية لأسباب عديدة قد يكون منها إنها موجهة لقطاع كبير من العامة، وقد يكون إن القائمين على الصناعة الإعلامية لا يمتلكون البعد الفكري أو الفني الذي يؤهلهم لصياغة خطاب إعلامي مبدع ومتجاوز لما هو مطروح وسائد، وحتى لا يصبح حديثي مغرقاً في التنظير توجد هناك دعاية تجارية لنوع من أنواع الأرز، وهذه الدعاية تظهر امرأة تشعر بالخزي والعار لأن الأرز الذي صنعته لا يتوازى مع الأرز الذي صنعته سلفتها (زوجة أخو زوجها)، حيث تفوز الأخرى بالمديح والتقريظ من الحماة والجميع، بينما تغرق المرأة في اليأس والقنوط، عندها تتدخل لغة الإعلان، حيث تقدم لها الرز المعلن عنه كطوق نجاة من خضم الكارثة.
ماذا تقدم لغة الإعلان للنساء؟ بصورة غير مباشرة؟ تهمس بآذانهن إن مكان تفوقك وتميزك الوحيد هو صحن الرز، فإذا أخفقت فيه فهو العار بعينه، ولن يرضى عنك المجتمع ويقبلك كفرد متفوق، إلا بشهادة مصدقة من صحن الرز.
هذا هو مضماركن أيتها النسوة، وما سوى ذلك فهو عبث وإضاعة وقت!!
وهناك دعاية أخرى لزوجة تعاني من الألم والوحدة وهي ترى زوجها يعد حقيبة ثيابه ليسافر، ولكنها تقوم بغسل شعرها بشامبو من نوع معين، وعندما يرى زوجها شعرها بعد غسله ورونقه ولمعانه، يقلع عن رغبته بالسفر.
وهذا الخطاب بالتأكيد يصنع الأنثى الدمية والأنثى الرتوش الخارجية، هناك عديدات يعانين من مآزق حقيقية في حياتهن الزوجية، فيلجأن إلى زركشة الخارج دون أن يحاولن أن يعالجن مشاكلهن الزوجية بتحفيز المواهب المتعددة التي تملكها المرأة، دون استثارة ذكائها ودهائها الفطري، لصنع علاقة ناجحة ومتينة مع شريكها، ويكتفين بشامبو الإعلان.
القضية هنا دائماً في المجتمعات الاستهلاكية من الصعب وضع رقابة على لغة الإعلان لأن السوق هو الذي يتحكم بها، فتصبح القضية هنا هي المرأة نفسها وعلاقتها مع محيطها، ووعيها بمواهبها المتعددة التي منحها إياها الخالق، والتي تحاول لغة خطاب مجتمعي ساذجة أن تحصرها في نطاق ضيق ومحدود وساذج.
| 
