من سوء حظ الإنسانية إن (الشر يعم والخير يخص)، كما يقال، فالفطرة البشرية أقرب إلى نسيان الخير وتذكر الشر.. تماماً على غرار القول الغربي الذي نصه: «عندما أكون (صح!) لا أحد يتذكر وحينما أكون مخطئاً فلا أحد ينسى: When I am right nobody remembers, and when I am wrong nobody frogets"
وتتضاعف خطورة هذه الغريزة حينما يتم إلباس الخير رداء الشر وذلك عن طريق استنساخ الفضائل معايب على نحو لا يمثله سوى قول الشاعر:
إذا محاسنيَ اللاتي أدلُ بها
كانت ذنوبي فقل لي كيف اعتذرُ؟
والسؤال - اشتقاقاً مما تواجهه المملكة من حملات إعلامية ظالمة - هو: كيف لنا أن نعتذر عن (محاسننا).. تلك التي تم استنساخها ذنوباً من قبل جهات معادية ونافذة عالميا؟ إنها مشكلة عويصة بالفعل، ومن حقنا أن نشعر بغصة ونحس بإجحاف ونصاب بإرباك، حين نرى عيوبنا التي لا تفتأ تتناقلها وسائل إعلام العالم هي في حقيقتها.. في جوهرها.. فضائل وميزات إنسانية جميلة مصدرها العاطفة وعمادها التواصل العائلي والتكاتف الاجتماعي.. والانفاق في أوجه الخير وغير ذلك من هذا القبيل.. فما هو الحل يا ترى؟.. إن الحل ليس بإعلامي فقط، ولا يتركز في الخارج وحسب، فنحن في وقت تداخلت فيه وشائج الداخل والخارج إلى درجة توحدت في تأثيرات صدى أو وقع الأحداث سواء أكانت داخلية أو خارجية. وبسبب هذه الحقيقة يتوجب علينا الإقرار بحقيقة أنه لم يعد للنفي ودوائر العلاقات العامة ومراكز تحسين السمعة - كما هي في الغرب - أي تأثير ايجابي في هذا المنحى، الأمر الذي بدوره يوجب علينا الكف عن محاولة مكافحة ما يصيب سمعتنا عالمياً إما من خلال النفي على الطريقة التقليدية لأقسام العلاقات العامة أو من خلال التعامل مع مراكز تحسين السمعة المنتشرة في الغرب لهذا الغرض بالذات.
وفي رأيي الشخصي فلفرضية أهمية أسلوب المكافحة (من الداخل) لما يحدث لسمعتنا في الخارج عدد من العناصر التي أختزلها مرقمة في النقاط التالية:
1- نفي التهمة اثبات لها كما يقال، وهذا هو ديدن مراكز تحسين السمعة في الغرب، عليه فإسناد أمر تحسين السمعة خارجياً إلى مراكز سيئة السمعة ومادية الهدف قد يؤصل هذه التهمة في أذهان المتلقي.
2- ليس هناك كبير فرق - في الوسيلة والنتيجة - بين اسناد أمر تحسين السمعة إلى مثل المراكز المذكورة وظاهرة ارسال الوفود للخارج لغرض شرح المواقف الحقيقية لواقعنا. فمثالب (الرسمية) في هذه لا تختلف بشيء عن الرسمية في تلك.
3- إغفال أهمية (الإيحاء) غالباً ما يقود الآخر إلى استشعار الاستغباء، وأقصد بذلك أننا حين نعمد إلى (المباشرة) في محاولة تغيير الذهنيات، فنحن نعرض أنفسنا إلى الوقوع في خندق تهمة أخرى.. وتلك هي تهمة (الاستهانة بذكاء الغير) على غرار التحذير القائل بالإنجليزية (Do not insult my intelligence)، وهنا نعمد من حيث لا ندري إلى استثارة كبرياء هذه الذهنيات الأمر الذي قد يتخلق بسبب ذلك تكابرها عن النزول إلى فهم الحقيقة.
4- يجب الإقرار بأنه ليس كل من درس في الغرب مطلعاً على حقيقة أوضاعه.. وقادر على المواجهة بحذق وذكاء. فهناك ممن درس في الغرب على طريقة (الانتساب) ثقافياً، حيث عاش بعزلة ثقافية حصرت فهمه للواقع الثقافي المعاش حدود كليته وآفاق كتبه الدراسية.
5- كما أنه لا يصح استبعاد ذوي التخصصات الإعلامية من المشاركة في أية دراسة ذات صلة بالظواهر الاجتماعية في الداخل، فلا يصح كذلك استبعاد ذوي التخصصات النفسية والاجتماعية والتربوية حين إعداد الخطط الإعلامية المعدة على وجه الخصوص لمواجهة ما يصدر من حملات إعلامية خارجية، ففي الأساس لو لم يكن هناك اجتماع لما كان هناك اعلام، وليس هناك إعلام ناجح بدون نجاح في فهم نفسيات وعقليات وذهنيات وقيم وعادات وتقاليد المتلقي للرسالة الإعلامية، فيجب في هذا المنحى الإقرار بأهمية العلاقات البينية والمتقاطعة للتخصصات الإنسانية المختلفة، مما يوجب توحد هذه التخصصات في خندق واحد حين الذب عن جبهة من الجبهات الوطنية مثل الجبهة السياسية أو الإعلامية.
حمى الله بلادنا من كل مكروه ورد شر من أراد بها شراً إلى نحره وجعل تدميره في تدبيره..
|