Sunday 21st september,2003 11315العدد الأحد 24 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

تحديات غير معهودة في مجال العمالة.. تقرير البنك الدولي يؤكد: تحديات غير معهودة في مجال العمالة.. تقرير البنك الدولي يؤكد:
104 ملايين عامل مجموع القوى العاملة في الشرق الأوسط في عام 2000

* دبي - مدحت عبداللطيف:
أكد تقرير جديد صدر أول أمس الجمعة عن البنك الدولي عشية انعقاد الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في دبي أنه يجب على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مضاعفة مستويات العمالة القائمة حالياً بحلول عام 2020، وذلك بخلق 100 مليون فرصة عمل جديدة.
ومع إتمام الشباب مراحل التعليم وتزايد مستواهم التعليمي، تواجه أسواق العمل الواقعة أصلاً تحت الضغوط في هذه المنطقة اختباراً صعباً للغاية حيث إن متوسط معدلات البطالة فيها يبلغ 15 في المئة. ويشير هذاالتقرير إلى أن على بلدان هذه المنطقة استنهاض القطاع الخاص والاندماج في الاقتصاد العالمي وتحسين إدارة شؤون مواردها النفطية، وذلك للتصدي لهذا التحدي المتزايد مع تزايد القوى العاملة بنسبة 3 في المئة سنوياً منذ سبعينات القرن الماضي وحتى العقد الثاني من هذا القرن - وهذه زيادة لم تشهدها أية منطقة من مناطق العالم في السنوات الخمسين الماضية. ويبيّن التقرير أيضاً أنه تمس الحاجة إلى «عقد اجتماعي جديد» بين الحكومات ومواطنيها من أجل تنفيذ هذه الإصلاحات الاقتصادية.
وقال كريستيان بورتمان، نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، «إلى حد كبير، سيحدد مصير أسواق العمل مستقبل اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فالتحديات الواجب التغلب عليها هائلة، كما أنها شديدة التعقيد. غير أن تكلفة عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة ومنافع إضفاء الديناميكية على أسواق العمل تبرز أهمية العمل بسرعة وبحسم على اتخاذ الإجراءات اللازمة».
ويعتبر هذا التقرير الذي جاء تحت عنوان إطلاق فرص العمل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: نحو عقد اجتماعي جديد هو التقرير الرابع والأخير في سلسلة من التقارير التي تبرز تحديات التنمية التي تواجه هذه المنطقة. يجري إصدار هذه الدراسات قبل الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في دبي في الفترة من 23- 24 سبتمبر/ أيلول، وهي أول اجتماعات من هذا القبيل تجري في العالم العربي. وبما أن هذه الاجتماعات تجمع ما بين وزراء المالية والتنمية من 184 بلداً فهي تبحث أوضاع الاقتصاد العالمي وتتناول التحديات التي تواجه بلدان العالم النامية.
وينوّه هذا التقرير بأن مجموع القوى العاملة في منطقة الشرق الأوسط بلغ 104 ملايين عامل في عام 2000، ولكنه من المتوقع أن يبلغ 146 مليون عامل في عام 2010 بينما يبلغ 185 مليون عامل بحلول عام 2020 مما يعني ضرورة خلق 100 مليون فرصة عمل جديدة في العقدين القادمين من السنوات من أجل العاطلين عن العمل حالياً، ومن أجل الباحثين عن العمل لأول مرة مستقبلا. ويفوق هذا العدد كثيراً عدد فرص العمل التي جرى خلقها في السنوات الخمسين الماضية في هذه المنطقة.
فنصف الشباب في سن العمل في هذه المنطقة عاطلون عن العمل؛ فنسبتهم تتراوح ما بين 37 في المئة في المملكة المغربية و73 في المئة في سوريا ومعظم الشباب العاطلين عن العمل يحملون شهادات تعليم متوسطة أو متقدمة ويبحثون عن عمل مستقر لدى الحكومة لما لذلك من مزايا ومنافع. غير أن معدلات بطالة غير المتعلمين ممن ليسوا مؤهلين للعمل لدى القطاع العام منخفضة.
وعلى الرغم من تزايد معدلات مشاركة النساء في قوة العمل إلا أنهن تواجهن محدودية الفرص والقيود المفروضة على دورهن في المجالات العامة. علماً بأن معدلات بطالة النساء في هذه المنطقة أعلى من معدلات بطالة الرجال بنسبة 50 في المئة.
ومع أن مستويات الأجورالحقيقية تبدو متسمة بالمرونة بحيث تهبط في أوقات هبوط معدلات النمو، فإن الدور الذي تلعبه الحكومات بصفتها موظفاً يُدخل عدم المرونة إلى هيكل الأجور وبالتالي يشوّه حوافز أسواق العمل. كما أن ارتفاع عائد التحصيل التعليمي العالي في القطاع العام يشجع الحصول على شهادات عالية حتى حين لا تضيف هذه الشهادات شيئاً إلى الإنتاجية ولا تحظى بقيمة كبيرة لدى القطاع الخاص.
من العبء الديموغرافي إلى الهبة الديموغرافية
على الرغم من هبوط معدل الزيادة السكانية في هذه المنطقة إلى مستوى 2 في المئة، يتزايد سكانها بواقع 6 ملايين نسمة في كل سنة. غير أنه من الممكن استنتاج أن عصرالزيادة السكانية الكبيرة قد انتهى وأن معدلات الزيادة السكانية ستواصل هبوطها.
وقال طارق يوسف، المؤلف الرئيسي لهذا التقرير، «نتيجة لذلك أدى نضج هيكل الأعمار في منطقة الشرق الأوسط إلى وضع هذه المنطقة في مركز فريد في بداية القرن الحادي والعشرين. فبين عام 1990 وعام 2020 ستفوق زيادة السكان الناشطين اقتصاديا - بين سن 15 سنة و64 سنة- زيادة السكان المُعالين اقتصادياً، وذلك بمعدلات أكبر بكثير مما في مناطق العالم الأخرى. وحسبما اتضح من الخبرة المكتسبة في منطقة شرق آسيا، يتيح هذا الفرق - ما يسمى الهبة الديموغرافية- لمنطقة الشرق الأوسط فرصة لتعجيل خطى نمو اقتصاداتها».
حفز الإصلاحات الاقتصادية الواسعة النطاق
يتطلب التحدي الماثل في خلق فرص العمل في منطقة الشرق الأوسط اعتماد نهج شامل بشأن الإصلاح. وذلك على الرغم من تباين أولويات الإصلاحات وتسلسلها فيما بين بلدان هذه المنطقة تبعاً للأوضاع الأولية في كل منها، بما في ذلك ما تملكه من موارد والإصلاحات التي تم تنفيذها حتى الآن ونوعية المؤسسات المعنية.
ومن الواضح أن هناك حاجة لإجراء إصلاحات في سوق العمل على حد قول هذا التقرير.
ففرص العمل في القطاع الخاص قليلة ومتباعدة، كما أن القطاع الحكومي لايزال يهيمن على أسواق العمل. وعلى الرغم من فعالية العمالة الحكومية في تخفيض أعداد الفقراء إلا أنها شبكة أمان تتسم بعدم الكفاءة لأن معظم المزايا والمنافع تذهب إلى العاملين المثقفين الذين هم عادة من غير الفقراء. وبإمكان الحكومات جعل فرص العمل في القطاع العام أقل جاذبية عن طريق تخفيض مزايا العمل في هذا القطاع مع تشجيع خلق فرص العمل في القطاع الخاص.
ولكن على الرغم من ضرورة إصلاحات أسواق العمل فإنها ليست كافية. يقول هذا التقرير مع جملة التقارير الثلاثة المرافقة له عن التجارة والاستثمار ونظام الحكم والنوع الاجتماعي، أن على بلدان هذه المنطقة معالجة مجموعة من التحديات الماثلة منذ زمن طويل أمام السياسات والمؤسسات بهدف حفز تغييرات ثلاثة أساسية مترابطة في اقتصاد كل منها: من هيمنة القطاع العام إلى هيمنة القطاع الخاص، عن طريق تخفيض العوائق أمام نشاط القطاع الخاص مع خلق أطر تنظيمية تضمن التعاضد المتبادل بين المصالح الخاصة والمصالح الاجتماعية من الانغلاق إلى الانفتاح، عن طريق تحقيق سلاسة الاندماج في الأسواق العالمية مع خلق الإجراءات الوقائية لتأمين الاستقرار المالي والحماية الاجتماعية.
من هيمنة النفط والتقلبات إلى المزيد من الاستقرار والتنويع، عن طريق إجراء تغييرات أساسية في المؤسسات المسؤولة عن إدارة شؤون الموارد النفطية وتعاملاتها مع القوى الفاعلية في الاقتصاد.
تحسين الأنظمة بالغ الأهمية في المرحلة الانتقالية
يقول هذا التقرير ان «جهود إصلاح اقتصادات منطقة الشرق الأوسط تتوقف على مصداقية الحكومات المعنية وقدرات المؤسسات الرسمية على إدارة عملية التغيير المعقدة والطويلة الأمد». وبناء عليه، يعتبر إصلاح الأنظمة ضرورياً لتمكين حكومات بلدان هذه المنطقة من وضع رؤية ذات مصداقية للعلاقة بين الدولة والمجتمع وتحقيق تلك الرؤية، ومن أجل المضي قدماً، يجب على الحكومات أن تربط أداء الاقتصاد بنوعية نظام إدارة الحكم.
ينبغي إعادة تحديد الدور الجديد الذي تسهم به الحكومة في الاقتصاد. فعلى الدولة أن تصبح شريكاً في خلق وتحقيق استمرارية فرص العمل. كما أن الدور القوي الذي تسهم به الدولة في تحسين الخدمات الاجتماعية ولاسيما الرعاية الصحية والتعليم والضمان الاجتماعي يعتبر ضرورياً لخلق الأوضاع التي تمكّن العاملين من تحقيق الازدهار وتمكّن الاقتصاد من النمو بمعدلات مرتفعة. ويتطلب الأمر قدرات جديدة لدى الدولة من أجل الإدارة الفعالة للبرامج الاجتماعية التي تستهدف التغلب على نواحي القصور في أسواق العمل وحماية العاملين أثناء التحولات الاقتصادية.
الحاجة الماسة إلى عقد اجتماعي جديد
يستطرد هذا التقرير فيقول إن تنفيذ برنامج الإصلاح الشامل هذا يتطلب عقداً اجتماعياً جديداً يمكن أن يُلهم ويدفع عملية الإصلاح إلى الأمام.
في العقود الثلاثة الأولى من السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ركز العقد الاجتماعي «القديم» على إعادة التوزيع وتحقيق الإنصاف وعلى الحكومات أكثر منه على الأسواق - قد ساعد في حفز النمو الاقتصادي مع عدم المساواة في الدخل، فهبطت معدلات الوفيات هبوطاً كبيراً وازداد العمر المتوقع عند الولادة، كما ازدادت معدلات الالتحاق بالمدارس ومحو الأميّة ازدياداً كبيراً.
غير أنه مع مرور الزمن، اتسعت الفجوة بين الترتيبات المؤسسية والتوقعات من جهة وهبوط قدرات الحكومات على الوفاء بالتزاماتها في إعادة التوزيع من جهة أخرى. وبحلول أوائل ثمانينات القرن الماضي، اتضح عدم قدرة العقد الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الحفاظ على المكاسب الاقتصادية التي تحققت في عقود السنوات السابقة، وبحلول أواخر ثمانينات القرن العشرين ازدادت الضغوط إلى أن تحولت إلى أزمة اقتصادية كبيرة. ومما سبب الصعوبات الاقتصادية هو هبوط أسعار النفط وانكماش الطلب على العمالة الوافدة وانخفاض تدفقات التحويلات وهبوط الإنتاجية. واستجابة لذلك، شرعت الحكومات بتنفيذ إصلاحات، مما ساعد في تخفيض مستويات المديونية وكبح تضخم الأسعار.
يقول مصطفى نابلي رئيس الخبراء الاقتصاديين في إدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، «إلا أن تنفيذ هذه الإصلاحات لم يكن متساوياً، كما اتسم بالتردد وعدم الاكتمال وقد نجم عنه ذلك إلى حد ما ضعف تعافي الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في التسعينيات، ففي السنوات الخمس عشرة الماضية ظلت إنتاجية الأيدي العاملة منخفضة وازدادت معدلات البطالة، وبلغ متوسط نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة الفرد 1 في المئة سنويا. ولذلك تجب إعادة هيكلة الجوانب غير المرنة والاستبعادية وغير المتسمة بالكفاءة من بين جوانب العقد الاجتماعي «القديم».
يقول هذا التقرير إنه يجب أن يقرن هذا العقد الاجتماعي الجديد بين الإصلاحات السياسية والإصلاحات الاقتصادية. فلم يعد يكفي النهج الانتقائي المفروض من الأعلى بشأن إصلاح الاقتصاد، فهو يستبعد ضرورة إجراء التغيير السياسي لكي يضمن شرعية الإصلاح ومصداقية التزامات الحكومات. ومن أجل تسهيل عملية الإصلاح لتخطي المحدوديات الحالية، لابد من نهوض الحكومات لحوار وطني بشأن إصلاح أسواق العمل وإعادة هيكلة برامج إعادة توزيع الثروة وإعادة تحديد نصوص وأحكام العقد الاجتماعي. كما يقول التقرير إن من الممكن النهوض بالحياة السياسية - وهو شرط مسبق لتحقيق نمو الاقتصاد- في مجتمعات بلدان الشرق الأوسط نظراً لوجود طبقات متوسطة كبيرة.
يستطرد السيد يوسف قائلا: «لن تتسم الإصلاحات بالمصداقية ما لم تراع الاحتياجات الاجتماعية للعاملين وتضمن أن تكون النواتج الاقتصادية مقبولة اجتماعياً من طرف مواطني بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهذا ما يتطلب التزاما سياسياً جديداً بسياسات اجتماعية تبدو ذات قيمة على نطاق واسع -أي عقد اجتماعي جديد يربط بين الإصلاح ومبادئ تخفيض عدد الفقراء وتحقيق الإنصاف في الدخل والأمن التي استرشدت بها الاقتصادات السياسية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمدة حوالي 50 سنة». وعلى الرغم من أن المسؤولية الرئيسية عن الإصلاحات تقع على عاتق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يمكن للشركاء الخارجيين المساعدة عن طريق فتح أسواقهم أمام منتجات هذه المنطقة وتشجيع زيادة التجارة بين دولها وزيادة المعونات والمساعدة في حل الصراعات التي تستمر في خلق المتاعب في هذه المنطقة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved