Sunday 21st september,2003 11315العدد الأحد 24 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

سوق الأسهم السعودي تصحيح أم انهيار؟ سوق الأسهم السعودي تصحيح أم انهيار؟
د. عبدالعزيز محمد الدخيل (*)

يعاني سوق الأسهم السعودي منذ انشائه خللا في أمور تتعلق ببنائه المؤسسي وفي ادارته العليا وقوانينه، وفي الافصاح والشفافية في عملياته، وأخيراً في قوة وسيطرة عدد قليل من مراكز القوى السوقية على حجم كبير من حجم الأسهم في قطاعات وشركات رائدة لها دور هام في قيادة حركة السوق صعوداً وهبوطاً.
هذه الاشكالات الرئيسية أو البنيوية التي يعاني منها سوق الأسهم السعودي ليست جديدة بل هي مزمنة حاول نظام السوق الجديد الذي رأى النور منذ شهرين بعد انتظار طويل التعامل مع بعضها ولكن الأمر في نهايته مرهون بالتطبيق، فكثير من الأنظمة والقرارات الجيدة تفقد قيمتها وأثرها في تغيير الواقع بسبب غياب التنفيذ، أو ان يلتف التنفيذ على أهداف القرار فيلغيها.
ما حدث لسوق الأسهم السعودي في يوم الاثنين الخامس عشر من سبتمبر عندما انخفض مؤشر السوق من 4474 نقطة الى 4185 نقطة أي ما يعادل 5 ،6%، أسماه البعض من أهل الخبرة ومن غيرهم بمسميات فيها شيء من التضخيم والانفعال الذي لا يبرره منهج التحليل العلمي والمنطقي الذي يجب ان يقوم على النظر فيما حدث للعوامل الرئيسية التي كانت سبباً مباشراً لارتفاع الأسعار والانطلاق من هذا الأساس لمعرفة أسباب الانخفاض وطبيعته. فالتشخيص الخاطئ لأسباب الارتفاع وعدم ادخال تلك الأسباب في معادلة البحث والتحليل للانخفاض تؤدي الى مثل هذا النوع من التضخيم واثارة الرعب من انهيار في السوق.
كما أنه ظهرت في الأيام القلائل التي سبقت عملية الانخفاض في أسعار الأسهم يوم الخامس عشر من سبتمبر مقالات وبحوث تنذر من انهيار في السوق وتصف وضع السوق بأنه فقاعة سوف تنفجر. ولاشك ان مثل هذا القول خصوصاً ممن لهم علاقة بأبحاث السوق وأدائه له أثر فعال على متوسطي وصغار المساهمين الذين تنقصهم المعرفة والمتابعة الدقيقة لحركة السوق والذين أيضا وبشكل أهم لا يملكون المعلومات الداخلية والمعرفة الشاملة والدقيقة لحركة السوق التي يتمتع بها أصحاب المراكز الهامة والكبيرة في السوق والذين تشكل سياساتهم وقراراتهم أحد أهم المحركات الدافعة لأسعار السوق ارتفاعاً أو هبوطاً.
لذا فإن الشحن النفسي والترويج لانهيار في السوق غير مبني على فهم عميق للمكونات الأساسية الاقتصادية والمالية والتنظيمية للسوق. يضر كثيرا بصغار المساهمين الذين لا يستطيعون تحمل حجم كبير من المخاطر والذين لا يستطيعون التفريق ما بين المخاطر الوهمية والمخاطر الحقيقية بعكس أصحاب المراكز والمواقع القوية في السوق الذين يعرفون الوهم الحقيقي في حركة الأسعار.
في مثل هذه الحالات يبيع الصغار بسعر أقل هرباً من المخاطر المحتملة ويجنون الخسارة بينما يغنم الكبار والعارفون بحقائق الأمور بالشراء ويجنون الربح.
كما ذكرت سابقاً فإنه لكي نتعرف على البعد الحقيقي لانخفاض أسعار سوق الأسهم في اليوم الخامس عشر من سبتمبر وهل هو تصحيح أو انهيار، علينا أن ننظر أولا في الأسباب المباشرة التي أدت الى ارتفاع أسعار السوق بما يعادل 79% منذ بداية عام 2003م وحتى 14 سبتمبر والذي تركز معظمه في الستة أشهر الماضية، ثم نتبع ذلك بسؤال هام جداً هو: هل هذه الأسباب المباشرة التي دفعت بسعر السوق الى أعلى تلاشت وانتهت أم أنها باقية على حالها؟.
لنبدأ أولا بالتعرف بشكل سريع وموجز على الأسباب المباشرة التي أدت الى ارتفاع سعر السوق خلال الأشهر الماضية:
1- عدم تحقق نبوءة انخفاض أسعار النفط بشكل كبير، كما كان متوقعا قبل بدء الحرب الأمريكية على العراق حيث كان الاعتقاد سائداً بأن النفط العراقي سوق يأخد طريقه الى السوق بشكل كبير يؤدي الى انخفاض أو انهيار في أسعار النفط. لكن الأمور في العراق لم تستتب لقوات الاحتلال كما كانت تظن وتأجل وصول كميات كبيرة من البترول العراقي الى السوق. والى جانب عوامل اقتصادية وبترولية أخرى فقد تحسنت أسعار النفط، وتقدر الزيارة في الناتج القومي البترولي للمملكة عام 2003م بحوالي 16%.
2- زيادة السيولة النقدية في السوق السعودي حيث ارتفع عرض النقود بتعريفه الشامل M3 بنسبة 2 ،15 في عام 2002م، وارتفع حتى نهاية شهر يوليو من هذا العام بنسبة 1 ،4%. لقد دخلت أموال كبيرة الى السوق السعودي، سواء تلك القادمة من أموال سعودية في الخارج أو القادمة من دول الخليج العربي واتجهت هذه السيولة بشكل رئيسي الى سوق الأسهم وسوق العقار نظرا لقلة الوسائل الاستثمارية الأخرى المتاحة.
3- ارتفاع أسهم شركة الاتصالات بشكل قوي معطياً صورة تفاؤلية عن ارتفاع مستمر للسهم الذي تجاوز 400 ريال في طريقه الى 500 ريال، ومعبراً عن حجم السيولة المتوفرة للمتاجرة في سوق الأسهم.
4- انخفاض كبير في سعر الفائدة على القروض البنكية شجع الكثير من كبار ومتوسطي المتعاملين في سوق الأسهم على الاقتراض من البنوك لتمويل عمليات شراء الأسهم والمضاربة، إن معدل الفائدة على الودائع لثلاثة أشهر يبلغ 46 ،1% وهو معدل منخفض جداً.
5- اندفاع البنوك لتمويل عمليات المتاجرة للأسهم بعمولات منخفضة جدا ويساعد على ذلك الدور الذي تلعبه البنوك في منظومة التداول في سوق الأسهم وقدرتها على ابقاء الأسهم ضامنا لتلك القروض.
6- أرباح الشركات في الربع الأول والثاني من العام 2003م كانت جيدة، حيث ارتفعت أرباح الربع الأول من عام 2003م للشركات بمقدار 4 ،62% مقارنة بالربع الأول من عام 2003م، كما ارتفعت أرباح الربع الثاني من 2003م بمقدار 8 ،61% مقارنة بأرباح الربع الثاني من العام 2002م، كما ان أرباح الربع الثاني من هذا العام ارتفعت بنسبة 3 ،9% بالنسبة لأرباح الربع الأول من نفس العام.
كل هذه العوامل مجتمعة أدت الى الارتفاع الكبير في سوق الأسهم السعودي خلال الأشهر الماضية من العام.
والآن وبعد ان تعرفنا على الأسباب المباشرة لارتفاع السوق، دعونا نسأل عن طبيعة الانخفاض الذي حدث في سوق الأسهم السعودي يوم الخامس عشر من سبتمبر، هل هو انخفاض تصحيحي كردة فعل نفسية للارتفاع الكبير أم انه بداية لانهيار السوق؟.
للإجابة على هذا السؤال الأساسي؛ فإنه لابد من العودة الى الأسباب المباشرة التي أدت الى ارتفاع السوق والتعرف على حالها من حيث قوتها وحركتها واتجاهها «وهذا ما يجب على المحلل المالي والاقتصادي أن يقوم به قبل اصدار حكم على السوق سواء قبل الحدث أو بعده»، فإن كانت تلك العوامل قد انتهت وانتهى معها كل قوة للمحافظة على السوق في مستواه الأعلى فإن الأمر قد يوحي بانهيار في أسعار السوق نظراً لأن تلك الأسباب التي أخذت السوق الى أعلى قد تلاشت وانتهت وبالتالي لن يكون أمام السوق إلا الانهيار بعد غياب القوى الداعمة لارتفاعه.
أما إن كانت تلك العوامل الداعمة باقية على حالها فإن الانخفاض تصحيحي السمة واللون لأن سيكولوجية المتعاملين في سوق الأسهم تميل دائما الى مرحلة تصحيحية للأسعار تعقب كل ارتفاع ملحوظ سواء كان ذلك في السوق السعودي أو غيره من الأسواق الاقليمية أو العالمية. ولكي تبدأ الحركة التصحيحية فالأمر لا يحتاج إلا لحدث له أثر سلبي على نفسية المتعاملين في السوق أياً كان هذا الحدث سياسياً أو اقتصادياً محليا أو اقليمياً. ولقد كان خروج بنك سيتي جروب من ادارة البنك السعودي الأمريكي هو القشة التي أطلقت الحركة التصحيحية في السوق السعودي يوم الخامس عشر من سبتمبر، وليست السبب، لأن السبب كان من سيكولوجية التصحيح التي يجب ان تعقب كل ارتفاع كبير في السوق وهذه السيكولوجية جزء من مكونات آلية سوق الأسهم وحركته.
دعونا نستعرض الآن وبشكل موجز حال الأسباب التي أخذت بالسوق السعودي الى أعلى في الأشهر الماضي من هذا العام والتي ذكرناها سابقا لنرى إن هي تلاشت أو غابت أم أنها باقية بشكل عام كما هي:
1- أسعار البترول والدخل الحكومي: كل المؤشرات والتنبؤات تدل على ان أسعار النفط المتوقعة في عام 2003م وكذلك زيادة الناتج البترولي السعودي لم يطرأ عليها أي تغيير، بل ان هناك شيئاً من التفاؤل خصوصا بعد التقارب السعودي الروسي في مجال التعاون النفطي.
2- أسعار الفائدة لا تزال كما هي على حالها في معدلات منخفضة.
3- السيولة النقدية في السوق لا تزال مرتفعة ولا تزال البنوك تقدم تسهيلات ائتمانية لعمليات المتاجرة في سوق الأسهم بأسعار منخفضة.
4- أرباح الشركات الهامة في السوق المتوقعة في الربع الثالث والرابع لا يلوح في الأفق أنها ستكون بعيدة عن أرباح الربع الأول والثاني وتتجه سياسة الشركات الكبرى عامة على أن يكون أداؤها في نهاية العام أفضل من بدايته أو ألا يكون الفارق كبيراً.
5- لا تلوح في الأفق فرص استثمارية جديدة يمكن ان تبعد اتجاه السيولة النقدية عن الاستثمار في سوق الأسهم.
6- هناك تفاؤل بأن نظام سوق الأسهم الذي لم يبدأ تطبيقه سيؤدي الى زيادة فعالية سوق الأسهم ونشاطه.
إذن، فإن الأسباب الرئيسية المباشرة والتي رفعت سوق الأسهم الى مستويات عالية لا تزال قائمة، وهذا يجعلنا نبعد احتمال الانهيار، ونتبنى احتمال التصحيح بالنسبة لانخفاض أسعار السوق في الخامس عشر من سبتمبر ما دامت هذه الأسباب قائمة:
إن أي محلل مالي واقتصادي، لأي سوق للأسهم لا يمكنه القطع بعدم حدوث انخفاض أو انهيار في أسعار الأسهم في المستقبل، لأنه لا يمكنه بشكل قاطع معرفة ما يخفيه المستقبل من هزات مفاجئة سياسية واقتصادية تؤثر بشكل مباشر على أسعار السوق، لكننا نستطيع القول ان سوق الأسهم السعودي لم يتعرض الى عملية انهيار، وهذا أمر كشفت عنه حركة السوق في الأيام الثلاثة التالية لانخفاض الأسعار، أي 16، 17، 18 سبتمبر قبل تحليلنا، وان سوق الأسهم السعودي لا يقف الآن وهذا المهم على باب انهيار، وان ما حدث في الخامس عشر من سبتمبر من انخفاض في سوق الأسهم إن هو إلا حركة تصحيحية للأسعار. ولكيلا يكون رأينا هذا غناء مع السرب الحكومي الذي في كثير من الأحيان لا يكشف عن حقائق الأمور، نقول إن سوق الأسهم السعودي رغم انه لا يواجه في الوقت الحاضر انهياراً أو سقوطاً حاداً في الأسعار، إلا أنه وكما سبق لنا القول منذ مدة طويلة يحتاج الى إرادة فاعلة من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي ووزارة المالية وكل الجهات المعنية بسوق المال والأسهم للنظر في المشاكل البنيوية التي يعاني منها السوق سواء من حيث مؤسساته أو تنظيمه أو ادارته أو فك سيطرة مراكز القوى في السوق وأثرها على حركة أسعاره.. إلخ.
إن سوق الأسهم والسندات يجب ان يكون وعاء سليماً وجيداً ومناسباً لاستقطاب ادخارات كبار المستثمرين وصغارهم من المواطنين والمقيمين والأجانب وأن يكون داعما لحركة النمو الاقتصادي من خلال توجيه المدخرات والسيولة ليس فقط الى سوق الأسهم ولكن أيضا الى سوق مواز وشقيق لسوق الأسهم ألا وهو سوق السندات الذي ظل متخلفاً عن سوق الأسهم.
إن وجود سوق للسندات سواء الحكومية أو التي يمكن ان تصدرها كبار المؤسسات والشركات يخلق مجالات للاستثمار رديفا وبديلا في بعض الأحيان لسوق الأسهم. كما ان سوق الأسهم يساعد كثيراً في تقديم القروض المتوسطة وطويلة الأجل الى الشركات والمصانع والمؤسسات التي لا تستطيع البنوك التجارية التي تعتمد على الودائع القصيرة ومتوسطة الأجل على تلبيتها.

(*) رئيس المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved