متابعة: تركي إبراهيم الماضي - عبدالله هزاع العتيبي
الحي السكني أهم عنصر
يعتبر الحي السكني أهم عنصر في تكوين المدينة وحياة الناس حيث إنه يركز على أساسيات مقومات الحياة، ولذا يأتي على قائمة أولويات التخطيط.
ويشمل هذا الجزء من هذه الدراسة التي أعدتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.. الحي السكني والعلاقات الاجتماعية والأحياء المتجانسة وغير المتجانسة والأحياء المغلقة والبلكات العائلية والشقق والأدوار ومقارنة بين تلك الاتجاهات السكنية ودرجة الرضا والاستقرار..
اتجاهات سكنية
تتأثر علاقة الإنسان بالبيئة المبنية بدرجة مفهومه ووعيه بوظائفها ومعانيها وبيئته الطبيعية وإمكاناتها ومدى تجاوب النسيج الفراغي مع دورة حياته. وهذه تتراوح بين علاقة جوهرية وعميقة وإيجابية أو علاقة وسيلية وسطحية وسلبية.
إن المرحلة العمرانية الحالية وهي التي مازالت تعتبر تأسيسية جعلت هنالك ردود فعل من السكان بصورة اتجاهات سكنية متنوعة لكنها محدودة في إطار الأنظمة الحالية. وتشمل هذه الأنماط السكنية الأحياء «البلدية» غير المتجانسة السكان والأحياء المغلقة والمخططة والبلكات العائلية والدوبلكسات والشقق.
الحي المتجانس
ينتشر الحي البلدي المتجانس في جميع مستوطنات المملكة ويعتمد غالباً في تخطيطه وضوابطه العمرانية على مستوياته التفصيلية وخدماته، وتقع متابعة تنفيذ عناصره ومسؤولية صيانته ونظافته على الأمانة او البلدية.
ويعود تجانسه إلى نوعية سكانه بحكم وجود خلفية مشتركة إقليمية أو عرقية..
ويرى الذين يرغبون أن يسكنوا في هذا الحي أنهم يشعرون فيه بالأمان والتكافل والتعاون وأن الأقارب والجماعة يمدون يد المساعدة عند الحاجة.. وان اختلاف المفاهيم وتفاوتها يضعفان العلاقة مع الجيران.
الحي غير المتجانس
ويختلف هذا الحي عن الحي المتجانس ان السكان فيه يكونون مختلفين من ناحية الدخل والعرق وغيرها والذين يفضلون السكن فيه يرون ان المعيشة في بيئة متنوعة تولد الاحتكاك الحضاري وتساعد على تعارف السكان من جميع المناطق للتقليل من الفروقات ورفع درجة الاندماج تحت المبادئ الدينية الجوهرية التي تحض على القضاء على القبلية والاقليمية والتفرقة بين المسلمين.
الأحياء المغلقة
هي الأحياء المخططة والمنفذة بشمولية من قبل احد القطاعات الحكومية او الخاصة وغالباً ما تكون لمنسوبي جهة حكومية او شركة أهلية، وهذا النوع من الأحياء يكون ذاتي الخدمات بما في ذلك المدارس والمحلات التجارية.
ومن أمثلة هذه الأحياء سكن أعضاء هيئة التدريس بجامعة الملك سعود وسكن موظفي وزارة الخارجية وحي الجزيرة.. والذين يرغبون السكن في هذه الأحياء يرون انها توفر لهم الخصوصية في المساكن والشوارع والحدائق والمدارس والمحلات التجارية.. والحصول على أعلى درجة من السلامة والأمان، والهدوء والحماية والبيئة الصحية.
البلكات العائلية
وهي عبارة عن مجموعة من الفلل او الدوبلكسات تشترك غالباً بسور واحد يحيط بالبلوك وبالخدمات كالحدائق والملاعب والمسابح..
ويرى الذين يرغبون في السكن فيها انها تحافظ على وحدة العائلة وتحميها وتوفر الخدمات لجميع اعضائها والترفيه وسهولة الاتصال.
الشقق والأدوار
الشقق ليست مقبولة من قبل المجتمع السعودي من حيث المبدأ خاصة بوضعها الحالي من ناحية عدم قابليتها للخصوصية ولاستقبال الضيوف ولتربية الأطفال وكذلك للوجاهة الاجتماعية. فالوضع الراهن لنظام الشقق غير ملائم من حيث موقعها على الطرق الرئيسة الخطيرة وبعدها عن خدمات الحي وعزل سكانها عنه ونظراً لحاجة فئة من السعوديين لهذا النمط من الاسكان بسبب اوضاعهم المادية وتركيبة أسرهم الصغيرة، فقد برزت وانتشرت في السوق السكني ظاهرة تأجير الأدوار من الفلل حتى ان كثيراً من ملاك الفلل، خاصة ذوي الدخل المحدود والمتوسط المنخفض، يصممون وينفذون مساكنهم باعتبار احد الدورين كمصدر دخل.
إن الأغلبية تفضل الاحياء المفتوحة والشوارع المفتوحة وانه كلما قل الدخل والمستوى التعليمي ارتفعت درجة الرغبة في السكن في الأحياء والشوارع المغلقة.
ومن أهم ما يعجب به السكان في الحي اللقاء بالمساجد يومياً والذي يمدهم اضافة الى الشعور الروحاني والراحة النفسية بالاحتكاك واللقاء الاجتماعي.
اختراق الخصوصية
ان ابرز المشاكل المزعجة والعامة في جميع الاحياء بغض النظر عن فئات الدخول المختلفة هي سيطرة حركة المرور عليها وتهديدها لسلامة السكان يومياً خاصة الأطفال وكبار السن.
ونظراً لازعاج لعب الاطفال وكثرته في الشوارع خاصة في احياء الدخل المتوسط المنخفض والمحدود فإن بعض السكان يلجأون الى وضع شبك يسقف الاحواش لمنع سقوط الكرات عليهم. وهنالك مشكلة ضعف العلاقات مع الجيران، ووجود كثير من الاستخدامات التي تتعارض مع ما يجاورها كوجود عمائر شقق ومكاتب متعددة الأدوار على حدود الأحياء التي تخترق خصوصيتها وضيق الشوارع الفاصلة بينها.
تنقل وتأسيس
إن درجة الاستقرار في الحي ترتبط طردياً مع الاستقرار في المستوى المعيشي وكذلك درجة الرضا السكني فيلاحظ ان اغلبية السكان مازالوا في حركة تنقل وتأسيس، ويعود ذلك الى أسباب تغيرات الدخل والبحث عن أعلى مستويات معيشية ولعدم الرضاء بالاحياء السكنية الحالية. وهذه التنقلات تشمل لبعضهم الهجرة من مواطنهم الأصلية وكذلك التنقلات داخل مدينة الرياض، حيث إن غالبية سكان العاصمة وعلى مدى السنوات العشرين الماضية تقريباً تعرضوا لتغيرات اقتصادية متسارعة اثرت في تنقلاتهم وصعودهم السلم الاجتماعي الاقتصادي بسرعة.
من أكثر المجتمعات قبولاً
إن دواعي تكوين الحي الاجتماعي العمراني في البيئة السعودية يعتبر من أكثر المجتمعات قبولاً نظراً لقوة تأثير الدين الإسلامي وتوحيده للمبادئ الجوهرية في الحياة والتعايش معاً.
ولتعزيز ذلك فإننا نحتاج الى تطويع العناصر الفراغية وانظمتها في الحي للرفع من دورها في تقوية النسيج الاجتماعي.
دور أكبر
لقد اصبح المسكن يقوم بدور أكبر من الماضي وذلك بمحاولته استيعاب انشطة يفترض فيها ان تكون خارجه ومشتركة مع الجيران، وهذا لضعف الخدمات وعدم ملاءمتها في الحي السكني كالملاعب والحدائق وأماكن الأنشطة الترفيهية والثقافية.
لذا يحاول كثير من السكان وخاصة القادرين مادياً الحصول على قطع أراض كبيرة لتستوعب مساحات لحدائق وملاعب ومسابح.
هذا الوضع مع تركيز الأنشطة داخل المساكن وانحسار الحيوية الى الداخل عمل على حدة العزل بين الجيران والازعاج داخل المسكن.
خيمة في المسكن!
يلاحظ ايضاً في السنوات الأخيرة إحياء درجة الاحساس والارتباط الفطري الانساني والتقليدي لمحاولة اقتناء الخيمة سواء في المسكن العادي او الاستراحات حيث انها بدأت تشكل بعداً ترفيهياً في مجتمع مدينة الرياض.
ولذا توجد حالة من عدم الاستقرار عن ماهية المسكن السعودي الذي يرتبط بترسيخ مفاهيم اجتماعية معينة، فمثلاً في المستقبل هل سيكون هناك اتجاه للتأقلم مع المفردات العمرانية الغربية السابقة والتأكيد عليها أم أن هنالك احتمالاً افضل وهو ابتكار مفردات عمرانية ملائمة لطبيعة سلوكنا كالتجاوب مع نسيجنا الاجتماعي المنطلق من اننا «شعب تواصل» ولدينا مبادئ جوهرية إسلامية تنسق سلوكياتنا وحياتنا.
أقل الكثافات في العالم
كل ما سبق ذكره كالخصوصية وتركيز الانشطة داخل المسكن اوجد الاحتياج المؤقت الى مساحة كبيرة للمسكن. وهذه تتراوح بما معدله حالياً 650 - 900م2 مقارنة بـ150م2 في التقليدي وفي بلدان أخرى 67م2 في اليابان و200م2 في أمريكا.
وذلك بالطبع ينعكس على حجم المدينة ومساحتها لذا نجد ان الكثافات في الأحياء السكنية السعودية من أقل الكثافات في العالم وهي تتراوح بين 10 - 15 مسكن/ هكتار مقارنة ب 20-80 مسكن/ هكتار في البلدان الغربية كأمريكا وفي المدن الصحراوية 35- 40 مسكن هكتار والمحصلة الفعلية ان سكان مدينة الرياض يمكن ان يعيشوا على مساحة اقل بكثير من المساحة الحالية وبفعالية أفضل.
يركز ذوو الدخل المحدود على استخدام المدارس الحكومية والمستوصفات الصحية والحدائق والملاعب والمسجد بحيهم أما بالنسبة للمحلات التجارية فإنهم يذهبون الى مواقع الأسواق التي تحتوي على بضائع ذات أسعار مخفضة كالديرة والبطحاء.. بينما ذوو الدخل المتوسط والمرتفع والعالي نادراً ما يستخدمون الخدمات السابقة بحيهم ولكنهم يستخدمون المحلات التجارية بدرجة أكثر من غيرهم.
مفعم بالحيوية
عندما كان الشارع مقصوراً على سكانه ويحتوي على أماكن ملائمة لكل سلوك تقريباً لأنشطة الاطفال بأعمارهم المختلفة وكبار السن والنساء، كان الشارع مفعماً بالحيوية والأنشطة المتنوعة والمتكاملة ويخلف ترابطاً ايكولوجياً وفطرياً في العلاقات بين الأعمار والأجناس من حيث الاحتكاك والتعلم بين الأطفال الصغار والأكبر منهم، ومع كبار السن ومن خلاله تتم الاستمرارية في المحافظة على العادات والتقاليد، وحالياً تغير تصميم الشارع ووظيفته في احيائنا واصبح يغلب عليه وظيفة واحدة فقط وهي مرور السيارات. وهذا طبعاً تسبب في انحسار أغلبية الأنشطة الحضارية التقليدية والمشتركة مع الجيران من الناحية الاجتماعية والتربوية وانتقالها الى داخل المساكن الحديثة.
وكل ذلك شارك في نشوء سلسلة من المشاكل من حيث ضعف العلاقات الاجتماعية والضعف التربوي للأطفال وانخفاض مستواهم الثقافي في علوم الحياة والعادات والتقاليد..
لكن بالمقابل نجد ان اغلبية الشوارع في الأحياء المغلقة لها دور ايجابي في حياة السكان الأمنية والسلامة الاجتماعية والتعاون والشعور بالمسؤولية المشتركة.
إعادة الدور الجوهري
أما بالنسبة لدور الشارع السلبي في احياء ذوي الدخل المحدود فمرده ان مساكنهم أصغر، وحجم العائلة أكبر والمستوى التعليمي اقل وفقدانهم لسبل الترفيه المنزلي الحديث الموجود في الأحياء الأخرى.. دفع بهم الى الشارع وبأعداد كبيرة للعب مما جعلهم يتعرضون للاختلاط الخطير مع حركة المرور.
وهناك امثلة حديثة وجيدة توضح امكانية إعادة الدور الجوهري للشارع في حياة سكانه وهذه موجودة في احياء جامعة الملك سعود ووزارة الخارجية والجزيرة.
عنصر أساسي
ونظراً لتباعد المسافات على مستوى المدينة وداخل الحي فإن الفرد السعودي يقضي وقتاً طويلاً داخل سيارته التي تكون عنصراً أساسياً في حياته.
لذا كل حركة في العاصمة اصبحت غالباً مقصورة على استخدام السيارة الخاصة.
وتشكل حركة المرور داخل الأحياء أكبر المخاطر التي تهدد حياة السكان يومياً خاصة الاطفال خلال انتقالهم للمدارس او اللعب في الشوارع او الذهاب الى محلات التموينات.
خصوصية
الخصوصية من أهم المبادئ الإسلامية لحماية حرية الإنسان واعطاء الفرصة لازالة جميع الأقنعة التي تفرضها البيئة والضغوط المحيطة لذا نلاحظ ان الخصوصية من أهم العناصر التي اثرت في النسيج الفراغي للبيئة العمرانية السعودية التقليدية وشكلت معايير من حيث مراعاة الجيرة.. وخصوصية المرأة في تصميم المساكن والشوارع.
لقد تغير وانكمش نطاق المرأة الفراغي في المخططات الحديثة وانحسر غالباً داخل المنزل.. بينما كان دور المرأة وحقوقها الفراغية بارزاً في النسيج العمراني التقليدي ولذا كان له دور ايجابي على حياتهم، حيث كان من ضمن الاستعمالات الخاصة بها محلات تجارية خاصة وساحات صغيرة مغلقة تفتح عليها أبواب النساء ومسجد صغير مرتبط ببئر الماء..
توازن وارتباط
ايضاً يوجد توازن في التوجيه بين الخصوصية والعمومية الفراغية من ناحية اتصال المسكن بالحي بحيث ان مقابل الجزء والاتصال الخاص بالمرأة وتسلسل ذلك الى الخارج يوجد نظام مشابه وخاص بالرجال من الجهة الأخرى للمسكن، حيث ان المسكن عادة يفتح من الجهة الأخرى العامة على الشارع العام مع انفتاح صريح الى الخارج وموجه الى الارتباط مع الجيرة.
الاختراق المتبادل!!
إن نظم تصميم المنازل الحالية عملت على عزلها اجتماعياً وايجاد نوع من درجة التوتر أحياناً بين سكان هذه المنازل وذلك عن طريق الاختراق المتبادل للخصوصية من خلال توجيه الشبابيك باتجاه غرف بعضها واحواشها تجاه الآخر.
ونظراً للإحساس المستمر بفقدان الخصوصية فقد لوحظ ميدانياً ان اغلبية السكان يغلقون ستائر بعض الغرف او جميعها وشبابيكها باستمرار لدرجة ان بعضهم ينسى احياناً وجود الشبابياك، والبعض الآخر نادراً ما يفتحها ويكون التركيز على استخدام المكيف.
هذا الوضع من جراء اغلاق الشبابيك المستمر، وحجب الضوء والهواء واستخدام المكيف في كثير من الحالات اوجد بيئات مظلمة وكئيبة وغير صحية، وربما ان ذلك ساهم في انتشار الأمراض الصدرية والحساسية والصفار لدى المواليد نظراً لعدم تعرض المرأة خاصة للهواء وكذلك للشمس في بلاد الشمس. ايضاً للسبب نفسه في اختراق الخصوصية لا تستطيع المرأة ان تكون في فراغات الارتدادات والفراغات الخارجية للمنزل وكذلك الاطفال والرجال لا يخرجون.
هدف جماعي
يشمل موضوع الخصوصية النسيج العمراني للحي السكني والشوارع، والعلاقة بين المساكن والمباني الأخرى وتوجيه الفتحات والخصوصية في الاماكن العامة، ودرجة الخصوصية ربما تختلف بين فئات الدخل المختلفة بحيث تكون أقل في الدخل المحدود نظراً لأن درجة الترابط الاجتماعي أعلى، بينما في الدخول المرتفعة يكون هناك رغبة في الانعزال والاستقلال عن الجيران وتركيز الارتباطات خارج الحي.
إن الخصوصية في المملكة هدف جماعي يهم جميع سكان الحي لانه ينطلق من مبدأ واحد بدلاً من ان يكون اختياراً فردياً كما في الغرب.
لذا فإن أي نظام خصوصية يشمل كامل الحي السكني سيكون مقبولاً من الأغلبية.
درجة التقابل
يلعب النسيج العمراني دوراً مؤثراً على العلاقات الاجتماعية فلنمط تقسيمات الأراضي وأنواع الشوارع وتوجيه المساكن تأثير قوي على طبيعة العلاقات بين الجيران وكميتها.
يتضح ان الاغلبية من الأسر لا يوجد بينها اتصال عميق والذي يتمثل بإعطاء أهمية أكثر للقاء وجداني يتخلله معرفة اخبار كل شخص وشعوره في كل يوم. وترتفع درجة التقابل بين افراد الأسرة بين فئات الدخل المرتفع والمحدود مقارنة بأقل مع فئة الدخل المتوسط لانشغالهم أكثر.
مساجد ومساكن
وبالنسبة لقوة علاقات الجيرة فإنها تعتمد على اللقاء في المسجد بين الرجال حيث ينفرد المسجد باللقاءات الاجتماعية لعدم وجود فرص أخرى في الحي. ولا يوجد هنالك اختلاف كبير في دور المسجد في الأحياء المختلفة الدخول إلا انه يلاحظ من المراقبة الميدانية ان عدد الاشخاص الذين يجتمعون بالمسجد في احياء الدخل المحدود اعلى من الأحياء الأعلى دخلاً.
ويأتي بعد المسجد وبمرتبة متأخرة اللقاء بالمساكن وبالشوارع.
أما بالنسبة للنساء فالمكان الوحيد الذي يتقابل به الجيران هو احد منازلهن، ويشكل تقابل الشباب في الحي النسبة الأقل بين الفئات العمرية الاخرى وربما ان هذا احد الدوافع التي تزج بهم في شوارع المدينة الشريانية خارج الأحياء والأراضي الفضاء والمخيمات خارج المدينة حيث ان الأغلبية لديهم سيارات ويختارون اصحابهم واجتماعاتهم من مواقع مختلفة وخارجية.
دور أكبر للمسجد
فلو قارنا بما تمت مناقشته في الجزء الخاص بالنسيج العمراني التقليدي والتوازن الفراغي الذي كان موجوداً بين الخصوصية والعمومية «علاقات الجيرة» لوجدنا أن هناك اخلالاً بهذه العلاقة في الأحياء الشبكية المفتوحة ومما اضعف العلاقة الحالية مع الجيران هو الشد العصبي الناتج عن محاولة المحافظة على الخصوصية المخترقة وعدم وجود الدعم الفراغي لتكوين علاقات اجتماعية افضل.. وعند المقارنة بين المخططات الشبكية والاحياء السكنية المغلقة وجد ان علاقات الجيرة في الأخيرة أقوى بكثير.
لذا نلاحظ تاريخياً وحالياً ان للمسجد دوراً كبيراً في قوة العلاقات الاجتماعية وربما ان دوره الحالي أكبر مما مضى نظراً لانحسار الفراغات الاجتماعية الأخرى وغيابها في الأحياء البلدية الشبكية.
ومن المعلوم ايضاً ان صحة النسيج الاجتماعي وقوته تشكلان احد المبادئ الإسلامية.
إن قوة العلاقة مع الجيران والرغبة فيها تبدو من أضعف الارتباطات الاجتماعية تقريباً، وكلما انخفض الدخل ارتفعت درجة قوة العلاقة مع الجيران، وكلما ارتفع الدخل ارتفعت درجة العلاقة مع الأصدقاء وقلت مع الجيران.
ويعزو كثير من السكان عدم رضائهم عن الأحياء والمساكن الحالية الى المشاكل العديدة.. ومنها نواحي السلامة والأمان والخصوصية وتغيير بعض الاستعمالات السكنية الى أخرى غير ملائمة ولعدم تجاوبه مع عاداتهم وتقاليدهم وطموحاتهم وأيضاً لتغير في تركيب العائلة والنسيج الاجتماعي ونمط المعيشة وغيرها.
ويوجد تقارب بين نسب السفر والاطلاع بين الدول العربية والغربية، وهذا الانفتاح الكبير في الاتصال الخارجي لا شك ان له تأثيراً في تشكيل تصورات السكان واتجاهاتهم البيئية، حتى ان بعضهم يربط معيشته المحلية بتلك الأماكن التي له اتصال بها بعدة طرق، والتي تتراوح بين ايجاد سكن في تلك الأماكن او مكتب تجاري او غيره.. ايضاً لا نستطيع التغاضي عن تأثير الأسلوب المعيشي للجالية الاجنبية الكبيرة في الرياض على وجهات نظر السكان في التفضيل البيئي وذلك عن طريق الاحتكاك معهم، خاصة بين الطبقة المتوسطة والعالية الدخل وما يوازيها من الجالية الاجنبية عن طريق علاقات العمل.
الاتجاه الجديد
لقد مرت فترة الثمانينيات بنوع من التشكك والريبة والتخبط حول الطابع العمراني لكل من العمرانيين والمستخدمين وقد احدث هذا الأمر عدم الثقة بينهم واصبح العمرانيون مجرد ناقلين لأفكار خارجية بدون أدنى حد من الإبداع.
ومن ثم بدأ بعض السكان، وخاصة الطبقة المثقفة، «متوسطي الدخل» يحسون بابتعاد البيئة العمرانية الحديثة عن واقعهم واحتياجاتهم واحاسيسهم.
وهو ما أوجد نوعاً من الاتجاه الجديد للبحث عن طابع معماري وعمراني اقرب ما يكون الى شخصيتهم.
فظهرت بعض الاجتهادات من جانب المهنيين والتقبل من قبل المستخدمين في ظهور طابع عمراني اقرب الى التعبير المحلي.
وجرت محاولات لمحاكاة الماضي وتقليد الطابع المحلي ولكنها ما تزال بعيدة عن استمرارية النمو والتطوير الصحيح للنسيج العمراني المحلي حيث انها غالباً ما ركزت على القشور كالديكور والفتحات والألوان التقليدية والتفضيلات مع استمرار الاسلوب الانفرادي المستقل وعدم التطرق الى الجوهر والمضمون لهذه العناصر العمارية ونسيجها العمراني. فمثلاً اغفلت عملية تطوير صيغة المنزل العربي والمدينة العربية الإسلامية مع مراعاة استمرارية بعض المقومات وتطوير بعضها..بتقويم هذه المعلومات تبرز أهمية التركيز على هذا الجانب والتعمق في تحليله وربطه مع متغيرات أخرى.وكذلك متابعة هذه الدراسة بدراسات أخرى لمعرفة الاتجاهات الاجتماعية والانماط المعيشية المستقبلية، هل سيكون هناك اتجاه اقوى او كلي لأحد الاتجاهات المذكورة سابقاً وهي إما نمط المعيشة العالمي «الغربي» وإما أن يكون هناك أهداف وسياسات لابتكار نمط معيشي أصيل ومحلي على جميع اوجه الحياة العمرانية.
|