نقلة درامية كبرى تلكَ التي أحدثها المسلسل الخليجي الرائع «دمعة عمر» الذي كادت شخوصه وحواره وإخراجه وحبكته الدرامية أن تخرج عن دائرة التسلية وتزجية الوقت ومألوف المتابعة الرتيبة للمسلسلات العربية التي أمطرتنا بالملل وأدخلت في نفوسنا الضجر وحرمتنا خاصية تحريك الوجدان ودغدغة المشاعر وتلمس الأحاسيس وأشبعتنا بطبطبة الكتوف وانتظار المجالسة والنقد البارد على قهوة المؤانسة وصوالين المدح المعدة لتطييب الخواطر واقتسام الكعكة البائرة في سوق الدراما المشتعل الأوار.
لقد تابع الناس كلهم أو جُلهم ما تبقى من الحلقات الساخنة التي اقتبسها المؤلف من واقع حياتيّ مُعاش في وطننا العربي الكبير وقذف بالكرة إلى داخل ملعب الأسرة وترك مساحة التحرك للتفكير الجاد ومعالجة القضايا وممارسة فضيلة النقد الذاتي وكشف المستور والمحجوب في خبايا الفلل الأنيقة وما خلف جدران الغرف المظلمة وما تحت الأريكة وستائر العمران الفاخرة.
«دمعة عمر» تمثل حالة واقعية لمجتمعاتنا التي سيطرت عليها شهوة المادة القاتلة وأبعدتها عن روحانية الوجدان وعادة القبيلة وألق الشيم ونزاهة التعاملات المنبثقة عن تعاليم الدين الحنيف واستبدال كرائم الخصال وما توافقت عليه الفطرة السليم بحقدٍ، وأنانيةٍ، وعجرفةٍ، وتسلطٍ كانت كلها عبارة عن نتاج طبيعي لخروج الأسرة عن جادة الصواب وانتهاجها مسلكا مُخالفاً للدين، والإجماع، والعرف، والعادات الأصيلة التي جُبل عليها العرب وأقرها الإسلام وطبعها بطباع الرحمة والمعاملة الحسنة والقول الفاضل.
من يُصدق ان تكون في مجتمعنا مثل هذه الأسرة التي تفككت وضاع شملها واحترقت بنيران أذكتها لتحرق بها الآخرين، لكن انقلب سحرها على ساحرها، وليس من الغرابة ان تدب الخلافات بين امرأة وحماتها في محور النزعة البشرية الهادفة للاستئثار بكل شيء والتنازع وغيرة الوالدة على ابنها وغيرة الزوجة على زوجها في إطار المألوف والبعيد عن الحقد والكراهية وتصفية الحسابات القديمة، لكن أن يقف الزوج ضد أمه التي حملته وهنا على وهن ويناصر زوجته بكل صفاقةٍ وتجرد من أدنى مقومات الأخلاق فهذه هي الفجيعة والكارثة.
«دمعة عمر» جسَّدت لنا ما انطوت عليه النفس البشرية من شرور حينما تآمر الرجل على أمه وسمح لزوجته ان تذيق والدته أشد أنواع العذاب ويترك لها الحبل على الغارب لتعطي من تشاء وتحرم من تشاء من ميراث الأسرة، وترمي بشقيقه في غياهب السجون، وتسوم أمه أنكى أنواع العذاب وأقساه وتحرمها من متعة الحياة، ثم تلفظها أخيراً خارج المنزل وتشيع خبر رحيلها وموتها بعد ان تتفق مع زوجها العاق على ابعاد المرأة العجوز عن وجهيهما لتتركهما وحيدين يتلذذان بميراث والد الأسرة الذي غادر الدنيا ولم يكن يدري ان أحد أبنائه سيؤول إلى عاقبة سيئة كالتي جسَّدها «محمد» وزوجته «مشاعر» في دمعة العمر الأخيرة التي تحولت إلى سرطان حرق أحشاءها ومزق شملها وعادت أخيراً الأم المبعدة وطلال المسجون ظلما لتعود معهم الطمأنينة وتبقى القصة عبرة ودرساً لمن أراد الاعتبار يا سادتي الكرام!.
* عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
الرياض فاكس 014803452
|