Sunday 21st september,2003 11315العدد الأحد 24 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

وطني (الحبيب).. أنت دائماً على (حقّ)...؟! وطني (الحبيب).. أنت دائماً على (حقّ)...؟!
حمّاد بن حامد السالمي

* سبعة عقود ونيف، هي عمر الوثيقة الذهبية، التي توج بها المؤسس ثم الموحد، الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، كفاحه العتيد، ونضاله المجيد، من أجل لم الشمل المفرّق، ورقع الثوب المخرّق، وجعل ذلك كله، في كيان واحد، بهدف واحد، ومصير واحد، وأمة واحدة، على قلب رجل واحد.
* لم يأت إعلان توحيد البلاد في تلك الفترة، من باب نشوة النصر المبين، الذي حالف هذا الصقر المحلق، طيلة نصف قرن من الزمان، قضاه وهو يذرع أرض الجزيرة العربية، فيقطع فيافيها، ويعبر مفاوزها، بين جهاتها الأربع، مقاتلاً ومحارباً، فلا يفرغ من معركة، حتى يدخل في أخرى، وإنما الإنجاز الذي تحقق وقد كان من ضرب الاعجاز قبل الإنجاز هو الذي فرض نفسه على الحاكم والمحكوم معا، بعد حسم الأمر في معركة السِّبلة الشهيرة عام 1347هـ، فهؤلاء نخبة من الوطنيين الأحرار، الذين يتقدمون بمقترح إعلان التوحيد على بطل التوحيد، في مصيفه بالطائف عام 1932م، فتتحقق آمالهم، بصدور إعلان توحيد البلاد، في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر من نفس العام، أول الميزان.
* إنه بقدر ما نحمل من مشاعر وطنية فياضة تجاه هذه المناسبة السنوية المجيدة، إلا أن مشاعرنا الوطنية هذه، تظل ناقصة، إذا لم نعط هذا الوطن حقه المتوجب علينا كمواطنين، وسوف يلازمنا شعور بالذنب أو التقصير، إن نحن فرطنا أو تساهلنا لحظة في أمر مشين، يمس كياننا الوطني، أو يلحق الأذى بكله أو بجزء منه صغر أو كبر، ليس الأمر هنا بمقياس الجغرافيا المكانية وحدها كما قد يتخيل البعض ولكن الجغرافيا ذاتها، هي الرمز الوطني الكبير، لمعطيات ومفاهيم أبعد بكثير من المكان.
* إن كرامة الإنسان، هي في وحدة المكان الذي ولد وتربى وعاش فيه، وهي كذلك، في استقرار ونماء وعطاء هذا المكان... هذه حقيقة يجب أن لا تغيب عن أذهاننا، إذ لا يكفي أن نحشد لهذه المناسبة في كل عام، مزيد المدائحيات الشعرية والنثرية والغنائية، وإن كان من حقنا كمواطنين، أن نجعل من هذا اليوم الجليل، يوماً مبهجاً وسعيداً في حياتنا.
* مثلما تطلب من وطنك أن يعطيك، ينبغي أن تدرك وتعرف جيداً، أنه ينتظر منك أن تعطيه هو الآخر، إن وطنك لا يكلفك الكثير، ولا يطلب منك المستحيل، فقط أن تكون صادقاً في انتمائك، مخلصاً في حبك، وفياً في عطائك، أميناً على ما استأمنك عليه، معتزاً بفياضه، حامياً لرياضة، غيوراً على حياضه.. لقد ضرب الفلاحون في أرضنا الطيبة، أروع الأمثلة الوطنية وهم يقولون: (الأرض مثل العِرض)..!
إنهم لم يبالغوا أبداً، لأنهم أقرب الناس إلى الأرض، وأعرف الناس بأسرارها، وهم خلف بعد سَلف، ما زلنا نمتح من معين تجاربهم وعبرهم ودروسهم، في الحب والوفاء والتضحية والشهامة، حتى عندما يتعلق الأمر بأرض ولدوا أو عاشوا فيها، جعلوها في منزلة أبنائهم، بل بمنزلة أرواحهم، لأنهم لا يتورعون عن افتدائها بها رخيصة.
* أراد بعضهم أن يسخر من أعرابي قادم من الصحراء أو كأنه كان يمتحنه فسأله: كيف تبترد بالبادية إذا انتصف النهار، وانتعل كل شيء ظله..؟! قال: وهل العيش إلا هناك..؟! يركض أحدنا ميلا، ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساءه، وتقبل عليه الرياح من كل جانب، فكأنه في إيوان كسرى..!!
* قلت : بل أراد أن يقول: تقبل عليه الدنيا، مثل ما كانت تقبل على كسرى..!
* وهذا أعرابي آخر من عمق الصحراء، يضرب أروع مثال في حبه وعشقه لوطنه، فهل نعتبر من مثل هذا السلف، يا أيها الخلف، من أحفاد هذا الوطني العريق:


بلاد بها الحصباء درَّ.. وتربها
عبير، وأنفاس الرياح شمولُ
مسلسل منها ماؤها وهو مطلق
وصح نسيم الروض.. وهو عليلُ

* من أين لنا بمثل هؤلاء الحكماء من الأعراب، الذين ظلوا مع أرضهم على العهد..؟!
* قيل لأعرابي آخر ولعل ذلك من باب السخرية منه كذلك على ما يبدو: أتشتاق إلى وطنك..؟! فماذا كان رده..؟ قال: كيف لا أشتاق إلى رملة كنت جنين ركامها، ورضيع غمامها..؟!
* الله.. الله.. يا لهذه البلاغة في وصف العلاقة الرابطة بين الإنسان وأرضه: جنين في ركام، يرضع الغمام، كيف يتنكر لهذا الفضل العام..؟!
* أما الآخر، وهو شاعر، فهو الذي يجعل من عين المحب كليلة عن كل عيب في المحبوب، والمحبوب من هو عنده:


بلاد.. ألفناها على كل حالة
وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن
وتُستعذب الأرض التي لا هوى بها
ولا ماؤها عذب.. ولكنها.. (وطن)

* وفي يومنا الجميل هذا، لماذا لا نتذكر جيداً، أن من طبع الوطنية، أنها تعمل ولا تتكلم، وأن من مبادئها في الكون، أنها خدمات لا كلمات، وأن أولى الفضائل، هي خدمة الوطن، وأن الوطن عندما يكون في خطر، فإن أبناءه كلهم جنود، لا خيار في ذلك.
* إن من أجمل التضحيات التي نكثر من الكلام عليها عادة، بمناسبة ومن دون مناسبة، أن يموت الإنسان فداءً لوطنه.. إنها تضحية جليلة نبيلة.. نعم هذا صحيح، لكن ما هو أجمل من ذلك حقيقة، أن يحيا هذا الإنسان من أجل هذا الوطن، لأن بذله لحياته من أجل وطنه، فيه بقاء له ولوطنه، وفيه إسعاد لأهله وولده.
* قال (لنكولن) ذات مرة: (لا آسف.. إلا لأني لا أملك إلا حياة واحدة أهبها لوطني)..!
* وقريب من هذا المعنى، قال به (شارل ديجول): (تكون الوطنية، عندما يأتي حبك لوطنك، في المرتبة الأولى).
* والمواطن الصادق، هو الذي لا يحتاج إلى الكلام لكي يبرهن على حبه لوطنه، لأنه في شغل عن ذلك كله، بالعمل الجاد بكل جارحة فيه، فهو معني بأمر العطاء، ففي عطائه هذا، قمة الوفاء، ولكي يضيف شيئاً إيجابياً مذكوراً إلى صرح وطنه العظيم.
* الوطن ليس سلعة تباع وتشترى، وليس لعبة في أيدي اللاهين والعابثين والمزايدين... إنه قيمة أخلاقية عظيمة، تسكن النفوس الكبيرة، ولهذا.. فهو المنتصر دائماً، مهما تكالب عليه الأعداء، وتناكص عنه الفرقاء، وتسافه من حوله السفهاء، وتمارد عليه النكراء.
* إن الوطن الذي نتوسد ثراه، ونتلحف سماه، هو الوطن الحبيب.. وهو الذي دائماً على حق، والحق دائماً معه وفي ركابه، رضي من رضي وأبى من أبى.
fax:027361552

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved