Sunday 21st september,2003 11315العدد الأحد 24 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيء من شيء من
التنمية الاقتصادية والعرب
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

في ظل التدهور الاجتماعي الذي تعاني منه أغلب الدول العربية، الذي هو في تقديري أحد أهم أسباب المشاكل التي يُعاني العرب منها، ابتداء من تجارة المخدرات وانتهاء بالإرهاب، يأتي تقرير نشرته الأمم المتحدة قبل عام تقريباً حول التنمية البشرية في المنطقة العربية بنتائج مخيفة تؤكد ارتفاع مستويات الأمية، وتدهور أوضاع المرأة، وتردّي السياسات الإنمائية في غالبية البلدان العربية. فقد أشار مثلاً إلى ارتفاع مستويات الأمية في المنطقة العربية، إذ تصل معدلات الأمية إلى نحو 50% في المغرب على سبيل المثال، وتمس الأمية المرأة بشكل خاص. فهناك أكثر من 50 مليون امرأة عربية أميات، أي لا يفقهن القراءة والكتابة تماماً، كما يشير التقرير إلى صعوبة نيل المعرفة في المنطقة العربية، ودلل على ذلك بضعف نسبة العرب الذين يستخدمون شبكة الإنترنت. فلا تتجاوز النسبة 2% من إجمالي بني يعرب، وهي نسبة تتساوى فيها المنطقة مع معدلات البلدان الفقيرة في الساحل الإفريقي. وتلك حقائق كافية بمفردها لتفسير حال المأزق الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي انتشار الظواهر الإجرامية في العديد من البلدان العربية. وفي تقديري أن مثل هذا التقرير قد وضعَ الكثير من النقاط على الحروف، الأمر الذي يُفسر لنا بقدر كبير من العلمية، أين نحن الآن، وإلى أين نحن متجهون في المستقبل، وهي نتائج مرعبة بكل المقاييس، وسنستمرُ نحن العرب نئنُ من آلامها إذا لم تتدارك الأسباب، ونعمل بكل جدية على القضاء عليها، بدلاً من محاولاتنا العابثة اللاهثة لمعالجة «الأعراض» متجاهلين حقيقة أن القضاء على الأعراض، لا يعني القضاء على أصل الداء، الذي ستظهرُ أعراضه حتماً ثانية وربما ثالثة ورابعة طالما أن «الداء» مازال يكمنُ في الجسد.
وقد أكّد تقرير نشره البنك الدولي مؤخراً بأن مستوى «الإدارة الحكومية» في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو دون المستويات نفسها في بقية أنحاء العالم. ويعتبرُ تقرير البنك الدولي هذا سوء الإدارة أحد أهم الأسباب الرئيسية لتدني النمو الاقتصادي، ويستشهد في ذلك بالفوارق الإنمائية التي تفصل بين المنطقة العربية ومنطقة جنوب شرق آسيا. ويعتبر التقرير أن سوء الإدارة في هذه المنطقة من العالم هو سبب خوف رؤوس الأموال من الاستثمار في تلك الدول. بينما نجدُ أن الازدهار الاقتصادي الذي تشهده دول جنوب شرق آسيا ومعدلات النمو الاقتصادي المرتفعة التي تشهدها اقتصاديات تلك الدول يعودُ في الدرجة الأولى إلى رؤوس الأموال الأجنبية التي تتدفقُ على هذه الدول من كل حدب وصوب. وقد لخّص المستشار في «مركز السياسة الأوربي في بروكسل»، اربيهاريد رهاين، تعاطي حكومات البلدان العربية مع المتغيرات في الساحة الدولية وإدارة الشؤون العامة بالقول «إن الحكومات العربية تبدو وكأنها تدير الشؤون اليومية في انتظار المجهول». كما جاء في أحد التقارير الصحفية.
مشكلتنا كعرب هي في تقديري مشكلة إنمائية اقتصادية في الدرجة الأولى، ونتيجة مباشرة لسوء الإدارة. وهذا ما تؤكده كل الدراسات العلمية والمحايدة كتقرير الأمم المتحدة، وتقرير البنك الدولي، الآنف ذكرهما. لذلك فإن كل اتجاه إلى الإصلاح والتغيير يجبُ أن ينطلقَ من هذه الحقيقة. فالإصلاح السياسي يجبُ أن يكون هدفه الإصلاح الاقتصادي، والإصلاح الإداري يجبُ أن يصب في مصلحة توزيع الثروة بين المواطنين والمناطق والأرياف بشكل عادل، والإصلاح الثقافي يجبُ أن ينطلق ويتبلور لخلق ثقافة من شأنها الارتقاء بقيمة العمل، والتفاني فيه، والحرص على التقيد بأهدافه، والالتزام بأخلاقياته.ففي هذا العصر يبدو أن شرعية بقاء الدول، ناهيك عن الأنظمة، هي شرعية اقتصادية في المقام الأول. ولا يمكنُ في تقديري أن نبرح مكاننا قيد أنملة حتى نبدأ في الإصلاح الاقتصادي الذي هو الأس الأول الذي تتكئ عليه بقاء الدول واستمرارها.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved