* لندن خاص ب«الجزيرة»:
تشكل مسألة الهوية الإسلامية للأجيال الجديدة في ديار الغرب هاجساً مؤرقاً للآباء والأمهات والمفكرين الإسلاميين بحكم ما في تلك المجتمعات من قيم مختلفة عن القيم الإسلامية، وفي هذا السياق يرى د. أحمد بن محمد الدبيان المدير العام للمركز الإسلامي الثقافي في لندن بأن الجيل الجديد في صراع بين هويتين، كما لا يوجد في الغرب مؤسسات تربوية إسلامية ذات شمولية واستراتيجيات فكرية تعليمية لحفظ التوازن المطلوب في عملية الهوية، كما يتطرق د. الدبيان في هذا الحوار إلى ما يقدمه المركز الإسلامي الثقافي في لندن من خدمات تربوية واجتماعية وفي مجال العمل الثقافي الإسلامي وغير ذلك من المسائل المهمة في علاقة الإسلام بالغرب.
بعد السبعينيات الميلادية أصبح الوجود الإسلامي في الغرب وجوداً مستوطناً ثابتاً، وتخلت كثيرة من الأجيال السابقة عن فكرة العودة إلى أرض الوطن بعد أن نشأ الجيل الجديد الذي يتكلم اللغات الغربية ويدرس في المؤسسات الغربية... على أن المشكلات التي تواجه الوجود الإسلامي في الغرب كثيرة، ومن أهم هذه المشكلات:
1 ضعف التعليم الإسلامي وقلة وجود المدارس الإسلامية مما يفقد الجيل الجديد فرصة الارتباط بالأصول الإسلامية.
2 الانعزال عن المؤسسات الغربية وعدم الاستفادة كثيرا منها في الجوانب الثقافية والاجتماعية.
3 كثرة الخلافات بين الجماعات الإسلامية وعدم التنسيق بين مؤسساتها الإسلامية وجالياتها في أمورها المشتركة.
4 عدم حضور المسلمين في الإعلام الغربي والأوروبي مما يجعل فهم الإسلام غير صحيح ويفسح ذلك مجالاً لكثير من الظنون والتفسيرات التي يستفيد منها أعداء المسلمين. وعدم وجود إعلام بديل.
***
أما من حيث الفكر والمنهج فإن المشكلة الكبرى هي مشكلة الهوية الإسلامية للأجيال الجديدة، ذلك ان الجيل الجديد يتعلم بلغة الغرب، وينهل من مصادره الفكرية وفلسفاته العملية ويستفيد من وسائله الإنتاجية، وهو في النهاية مرتبط على نحو ما بهذا المجتمع مما يجعله قد لا يحس بالانتماء التام إلى المجتمع الإسلامي أو القيم الإسلامية السامية، وقد يبدأ صراع بين الهويتين وهذا له جوانب إنسانية ونفسية خطيرة على الفرد، ولا يوجد في الغرب مؤسسات تربوية إسلامية ذات شمولية واستراتيجيات فكرية تعليمية في الغرب لتحفظ التوازن المطلوب في موضوع الهوية، وهي عملية تحتاج الى جهد تربوي وموجه بصورة صحيحة ومدروسة.
***
للمركز الثقافي الإسلامي في لندن دور كبير في خدمة الجالية المسلمة وخدمة غير المسلمين كذلك، إذ يستفيد من برامج المركز المسلمون وغيرهم ويمكن إيجاز أهم البرامج والمناشط على النحو التالي:
أ في مجال العمل التربوي:
يقدم المركز في برامجه مجموعة من الخدمات التربوية، وأهمها ما يلي:
1 مدرسة نهاية الأسبوع «WEEK-END SCHOOL» :
وهي مدرسة تضم 200 طالب وطالبة في الوقت الحاضر، وتهدف الى تقديم تعليم تكميلي إسلامي، ولها فرعان:
الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية.
والدراسات العربية باللغة العربية. وقد تمكنت هذه المدرسة بحمد الله من تقديم شهادة «GCSE» حسب النظام البريطاني، ولقيت اعترافاً بذلك لدى الجهات الرسمية. ويبلغ عدد الذين استفادوا من المدرسة منذ إنشائها سنة 1980م حوالي 000 ،20 طالب من أبناء المسلمين في لندن.
2 روضة الأطفال «NURSERY»:
وهي روضة إسلامية يومية تحظى باعتراف الجهات الرسمية المختصة وتشرف عليها، ويبلغ عدد الأطفال فيها الآن 30 طفلاً.
3 دورات التربية الإسلامية للأطفال:
«ISLAMICEDUCATIO N COURSES FOR CHILDREN»
وهي دورات تقدم دروساً تربوية في الأخلاق كالصدق وبر الوالدين وأساسيات العبادة التي تهم الطفل كالوضوء والصلاة مع حفظ مجموعة سور من كتاب الله الكريم. وهي أربعة مستويات حسب العمر.
ب في مجال العمل الاجتماعي والتعاوني:
1 برنامج الخدمات الاجتماعية:
وهي خدمة يوفرها المركز لمدة يومين في كل أسبوع يقدم فيها استشارات قانونية للمشاكل الاجتماعية خاصة، ويشرف عليها اثنان من المحامين المسلمين.
2 صندوق الزكاة:
لدى المركز صندوق خيري لجمع الزكاة يهتم بإيصالها الى مستحقيها من المسلمين ومساعدة المحتاجين. وتسهم أموال الزكاة كثيراً في دعم العمل والنشاط الاجتماعي في المركز.
3 صندوق الإغاثة:
وهو صندوق خيري يقدم مساعدته للجمعيات والمؤسسات الإغاثية بالدرجة الأولى في المناطق المنكوبة في العالم.
ج في مجال العمل الثقافي الإسلامي:
1 إصدار مجلة إسلامية فصلية باسم: ISLAMIC QUARTERLY:
وهي من أقدم المجلات الأكاديمية الصادرة من جهات إسلامية في الغرب، ونشرت حتى الآن آلاف البحوث والدراسات لمسلمين ومستشرقين وخبراء في شؤون الدول الإسلامية من غير المسلمين وأكاديميين وغيرهم على مدى يقارب الخمسين سنة.
2 في مجال الدورات والمحاضرات والدروس:
جرت العادة ان يوجد في المركز بصورة مستمرة عدد من الدروس والمحاضرات يقوم بها أئمة المركز، كما يزوره بصورة مستمرة مجموعات أخرى من العلماء والمشايخ والأساتذة والدعاة من المملكة العربية السعودية.
ولدى المركز مجموعة دورات علمية في كل عام لرفع مستوى العلم الشرعي للدارسين وتقوية الجانب العقدي. ومن أبرز الدورات الدورة الشرعية التي تتفضل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالتنسيق مع المركز بعقدها كل عام. ودعمت الوزارة مشكورة كذلك برامج الدورات المخصصة للمسلمين الجدد وهي منشط جديد يهتم به المركز.
3 في مجال النشر:
يقوم المركز بطباعة كتب دعوية وفكرية عديدة كل عام، وهنا أذكر وأشكر جهد الوزارة الكريم ودعم معالي الوزير الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ للمركز في هذا الجانب. ومن إصدارات المركز الجديدة الآن نشرة شهرية اسمها «Remider» وهدفها نشر المعلومات الصحيحة عن الإسلام وبعض أخبار المركز.
وفي مجال خدمة غير المسلمين يقدم المركز مجموعة من الخدمات الدعوية والثقافية منها مثلاً:
1 زيارات المدارس البريطانية للمركز الثقافي والمسجد المركزي:
يزور المركز والمسجد يومياً مجموعات من طلاب المدارس البريطانية من غير المسلمين، ويتم تعريفهم خلال الزيارة بالإسلام وتعاليمه، وتزويدهم بمطبوعات ونشرات حول ذلك ويبلغ عدد طلاب المدارس سنوياً أكثر من 11000 طالب من المدارس الإنجليزية.
2 توزيع الكتب والمطبوعات:
يوزع المركز الكتب والمطبوعات، ويبلغ عدد ما يوزعه من مواد مقروءة في العام الواحد: 000 ،50 مادة مقروءة في المتوسط.
3 برنامج التوعية الصحية:
ويتم بدعم وتعاون مع وزارة الصحة البريطانية. وهدفه تنظيم برامج توعية صحية كمكافحة التدخين والمخدرات وزيادة الوعي حول البيئة ونوعية الطعام والإجراءات الوقائية.
4 لجنة الحوار الديني «إنتر فيث»:
وهي مجموعة من المنظمات والهيئات الدينية المسلمة والمسيحية واليهودية والهندوسية. تجتمع دورياً للنظر في القضايا التي تهم جميع الأطراف الدينية ومحاولة التنسيق فيما بينها لذلك كتشجيع الحوار والاحترام المتبادل، وغير ذلك برامج كثيرة يطول ذكرها.
أسباب انتشار الإسلام في الغرب كثيرة تحدث عنها كثير من المفكرين ومنها ان الإسلام دين متكامل من الناحيتين الروحية والمادية، بخلاف الحضارة الغربية التي تركز على الجانب المادي ويضعف فيها الجانب الروحي الذي يحتل هامشاً صغيراً فقط. هناك أيضا الطمأنينة النفسية التي يشعر بها المسلم الجديد. هناك كذلك الشعور الاجتماعي للشخص الغربي في العلاقات مع المسلمين، إذ يشعر بروح الأسرة الواحدة، هناك الإعجاب بالتاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ويعتنق الإسلام عدد من المفكرين والمثقفين دخولاً من هذا الجانب المهم، مع انه للأسف لا يلقى الاهتمام الكافي من جانب المؤسسات الإسلامية.
هناك أمور عامة ومسؤوليات تقع على الجالية المسلمة في كل وقت وحين ومن أبرز المهمات التي تقع على عاتق الجالية الاهتمام بالمدارس والجانب التربوي، إذ يعتمد عليه مستقبل الجيل الجديد. ومنها الاهتمام بالقدوة الحسنة لأنها أفضل طريق لنشر الدعوة الإسلامية. ودائماً تتخذ ممارسات المسلمين وأخطاؤهم حججاً على الدين الإسلامي وهذا ما يراه ويفهمه الشخص الغربي أحياناً.
ومن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م صار من الضروري بصورة أكبر التنسيق بين المؤسسات الإسلامية في مجالاتها المختلفة لكثرة المشكلات المتعلقة، بهذا الجانب خاصة ان هناك من يفسد عمل المؤسسات الإسلامية بتصرفاته الفردية وغير المسؤولة. ومن المسؤوليات هنا ضرورة التخصص في العمل المؤسسي، وهذا في غاية الأهمية. ولا يزال المسلمون في بداية الطريق في هذا الجانب، لأن كثيراً من المؤسسات تحاول ان تقوم بعدد كبير من المناشط الإسلامية ذات التعدد المتنوع مما يقتضي التخصص في العمل. ومنها ضرورة الوضوح والشفافية في الجوانب الإدارية والمالية، وطالما كان الغموض وعدم الوضوح مصدر إزعاج ومشكلات للمسلمين وفيما بينهم حتى قبل أحداث 11 سبتمبر، ولا شك ان هذه المشكلات تستغل كثيرا من جانب بعض الدوائر المعادية في إظهار المؤسسات الإسلامية وكأنها مؤسسات تعمل وتخطط في الظلام.
***
هناك علاقات جيدة بين الجهات الرسمية البريطانية والمؤسسات الإسلامية في بريطانيا، بل ان هناك مشروعات منوعة ومختلفة يشترك فيها الطرفان مثل: برنامج خدمات المسلمين في السجون البريطانية، ومثل برامج الخدمات الصحية التي ترعاها المؤسسات الحكومية، ومن أمثلة ذلك أيضا برنامج وفد الحج البريطاني الذي ترعاه وزارة الخارجية البريطانية ويقوم المركز الثقافي الإسلامي فيه بدور السكرتارية العامة، وغير ذلك، وهناك اهتمام بصورة عامة بالجالية الإسلامية لاعتبارات عديدة منها: ان هذه الجالية صارت الآن جزءاً من المجتمع البريطاني ولها حقوق قانونية يكفلها النظام، كما ان عليها واجبات لا بد ان تنهض بها كذلك. وأنا أعتقد ان من الأفضل لمستقبل الإسلام والمسلمين في كل المناطق التي يعيشون فيها ان يكون لهم وجود على المستوى الرسمي وبرامج مع الجهات الحكومية، لأن هذا يبعد عنهم وعن دينهم كثيراً من الظنون والأفكار التي يروج لها دائماً أعداؤهم.
***
الحمد لله لقد أنجز المسلمون في السنوات الأخيرة عددا من الإنجازات، ومنها ان الدوائر الرسمية الغربية بدأت تنظر الى الإسلام على انه وجود أوروبي وغربي وليس ديناً وافداً فقط. ومنها ان للمسلمين عدداً من التجارب الجيدة على المستوى التعليمي والتربوي وان كانت قليلة، بل دخل المسلمون المجال السياسي في بعض الدول مثل بريطانيا حيث يوجد مسلمان في البرلمان البريطاني وأربعة في مجلس اللوردات، وفي ألمانيا دخل أحد المسلمين الأتراك البرلمان في إحدى الولايات الألمانية، ويتوقع المزيد من الإنجازات القادمة على مستويات أخرى بإذن الله.
***
دعم المملكة للبرامج الثقافية الإسلامية النافعة معروف ومشهود وما الأمثلة التي ذكرت لك إلا نماذج من ذلك وتعداد هذه الجهود المشكورة لخادم الحرمين الشريفين ولحكومة هذه البلاد الطيبة يطول. وحسبها ان فيها قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ومتعلق قلوبهم، والمراكز الإسلامية والمساجد التي ساهمت المملكة في إعمارها كثيرة في أوروبا وغيرها، ولذلك ينظر المسلمون الى المملكة دائماً بعين المتابعة لدورها الرائد العظيم هذا. وهذا هو السبب الذي يجعلها هدفاً لبعض الحملات الإعلامية الموجهة في الإعلام الغربي لتحقيق أهداف لبعض الدوائر الصهيونية التي تسعى لإضعاف دور المملكة وتحجيم هذا الدور البارز المشهود. وهم حينما يعملون ذلك يعلمون تماما ان تراجع دور المملكة لو حدث هو تراجع للمد الإسلامي في الغرب بصورة عامة وتقلص للإنجازات الإسلامية في كل صعيد، وهذا أحد الأهداف الذي ينظر إليها بعض المحللين الغربيين وخاصة الصهيونيين بشيء من القلق: لأنهم يتوقعون ان يؤلف هذا المد الإسلامي عمقاً أكبر في الغرب للمسلمين في البلاد الإسلامية، وانه حينما يصل المسلمون في هذه البلدان الى مواقع سياسية مهمة، وهذا متوقع مستقبلاً بإذن الله، فان المد الإسلامي يزداد كما ان علاقتهم بدولهم الإسلامية أو بالمملكة نفسها ستكون ذات تأثير كبير، ولذلك فبعض الأهداف المقصودة من الهجوم على المملكة الآن هي استباقية كما يصفها بعض الغربيين. هذا مع اعترافنا بان بعض ما يقال عن الإسلام في الإعلام الغربي هو سوء فهم أحياناً. وتغذيه هذه التصرفات الخاطئة التي يقوم بها بعض المسلمين للأسف الشديد.
***
على المؤسسات الإسلامية مسؤولية كبيرة تجاه دينها وعقيدتها. وهي يجب ان تعرف ذلك جيدا، وان تعي ان من أهم العمل الصالح نشر دين الله تعالى، وهذه مهمة الأنبياء والرسل الكرام.
ومن أهم المطلوب الآن تكثيف برامج العمل للتعريف بالإسلام على المستويين الشعبي والرسمي في الغرب لإبطال تصورات وتهم أعدائه،
ومن البرامج النافعة:
المعارض الثقافية والحضارية، والندوات والمحاضرات والمناقشات، ودعوة بعض المفكرين للمحاورة وإقامة برامج الحوار والتبادل الثقافي والفني الإسلامي والحضاري، ويجب الا نخشى شيئاً من ذلك فلدينا فكر عظيم وحضارة عظيمة جدا، تأخذ بلب ووجدان من يتعرف عليها. كما ان في مبادئ الإسلام وعقيدته من الحق ما هو أبلج كالصبح الساطع. ونحن نحتاج في كل ذلك الى العمل وتأييد هذه البرامج ودعمها.
وكل مؤسسة مسؤولة في مجالها أيّا كان ذلك، فإن العمل مطلوب والمسؤولية عظيمة.
|