* لندن - أ.ش.أ:
يأتي اعتراف المراسل العسكري لهيئة الإذاعة البريطانية أندرو جليجان مساء الاربعاء بارتكاب أخطاء في تناول القصة الاخبارية التي اتهم فيها الحكومة البريطانية بالمبالغة في الادلة الاستخبارية الخاصة بأسلحة الدمار الشامل كمبرر لشن الحرب على العراق ليعطي بعدا جديدا في تحقيقات اللجنة القضائية المستقلة التي يرأسها اللورد برايان هاتون.
ويبدو ان التراجع النسبي على جانب ال «بي بي سي» يأتي في الوقت الذي قدمت فيه حكومة رئيس الوزراء توني بلير تنازلات ملموسة في مباراة كانت تبدو في بدايتها صفرية الطابع يصر طرفاها على المكسب الكامل أو الخسارة التامة، فالحكومة تتمسك«ولاتزال» بانها لم تضخم ملف أسلحة العراق الذي قدم للبرلمان في سبتمبر وهيئة الإذاعة البريطانية تصر على التمسك بحرفية ونزاهة مراسلها العسكري وحياديتها واستقلاليتها في التناول.
ولكن المراقب للاوضاع في بريطانيا يستطيع ان يرصد بين آلاف الكلمات و مئات السطور وعشرات التفاصيل ملامح واضحة لتراجع تكتيكي بين الطرفين لانهاء الازمة دون مزيد من التأثيرات الضارة والخطيرة على «النظام» العام في بريطانيا وعلاقات المؤسسات داخل النظام الذي يعتبره البريطانيون أهم دائما من أية مؤسسات أو أفراد مهما علت قيمتهم حتى وإن كانوا في أعلى قمة الهرم السياسي والاجتماعي بما في ذلك العائلة المالكة ذاتها وبالطبع رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة.
الاعتراف الخطير الذي جاء به جليجان الى لجنة هاتون هو قوله ان ما نسبه الى كيلي باعتباره «مصدراً استخبارياً واسع الاطلاع» كان مجرد «زلة لسان» أو «زلة قلم» ودلالة ذلك هي نفي شبهة عمل الدكتور ديفيد كيلي مع أجهزة الاستخبارات البريطانية لانه من المفترض ان كيلي طوال فترة عمله كمراقب دولي على أسلحة العراق كان يقدم تقاريره للامم المتحدة وليس لاجهزة الاستخبارات البريطانية.
وبالتالي يمكن القول ان تفجر الموضوع بمثل تلك الطريقة يمكن ان يكشف عن معلومات وأشياء ربما تتعلق بالنظام في بريطانيا ويفرض ضغوطا على اللاعبين الاساسيين وهما هنا الحكومة وال «بي بي سي» ان يقدما مزيدا من التنازلات.
وبالفعل فقد أقدم بلير على تنازل كبير بموافقته على استقالة أليستير كامبل صديقه المقرب ومستشاره الاول الذي يوصف بانه كان «نائب رئيس الوزراء» الحقيقي والذي يتمتع بسلطات تتجاوز هذا المنصب ولكنه فقط لايحضر اجتماعات مجلس الوزراء لكونه مدير الاتصالات في داوننج ستريت وهو في النهاية موظف عام في حكومة جلالة الملكة. وجاءت استقالة كامبل بمثابة رسالة من جانب الحكومة لهيئة الإذاعة البريطانية لتقليل حدة التوتر في الموقف بين الجانبين بعد ان أعلن مسئولو بي بي سي على كافة المستويات ان شهادة كامبل أمام لجنة التحقيق البرلمانية «التي استجوبت ديفيد كيلي قبل يومين فقط من وفاته» كانت أعنف هجوم تتعرض له بي بي سي من مسئول حكومي بريطاني على مدار تاريخها.
وكانت تلك التصريحات من مسئولي هيئة الإذاعة البريطانية تعكس لغة متشددة إزاء الحكومة كرد فعل على اللغة العنيفة التي استخدمها كامبل في شهادته أمام اللجنة البرلمانية وفي تصريحاته لوسائل الاعلام البريطانية المختلفة ضد بي بي سي.
كما أقدم بلير على مناورة كبيرة بقبوله شخصيا المسئولية أمام لجنة هاتون عن تصرفات أعضاء حكومته في إشارة واضحة الى وزير الدفاع جيفري هون فيما يتعلق بقضية الانتحار المرجح لخبير الاسلحة الدكتور ديفيد كيلي.
وجاء اعتراف هيئة الإذاعة البريطانية بارتكاب أخطاء في قصتها الشهيرة في اعقاب تنازل مرير من جانب وزير الدفاع جيفري هون الذي اعتذر عن تجاهله في شهادته أمام اللجنة البرلمانية قيام بعض المسئولين في استخبارات وزارة الدفاع بإبداء تحفظاتهم على ما جاء في تقرير الحكومة حول أسلحة الدمار الشامل العراقية خصوصا الفقرة المتعلقة بقدرة النظام العراقي السابق على نشر وتركيب أسلحة بيولوجية وكيماوية خلال خمس وأربعين دقيقة.واضطر هون لابداء أسفه أمام البرلمان في الاسبوع الماضي بعد ان كشف مسئوولان يعملان في جهاز استخبارات وزارة الدفاع النقاب أمام لجنة هاتون انهما قدما تحفظاتهما على ما جاء في الملف في رسالتين منفصلتين الى وزير الدفاع جيفري هون شخصيا.
وبدا خلال اليومين الماضيين من المرحلة الثانية والاخيرة في تحقيقات لجنة القاضي هاتون ان الخلاف يضيق تدريجيا بين الحكومة وهيئة الإذاعة البريطانية خصوصا بعد الشهادة المهمة التي أدلى بها السير ريتشارد لاف رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية / إم أي 6 / يوم الاثنين والتي أكد فيها ان معلومة الدقائق الخمس والأربعين بنيت على أدلة استخبارية ذات مصداقية.
وقال لاف في شهادته أمام اللجنة والتي تمت من خلال شبكة اتصال عبر الصوت فقط ان تلك المعلومة التي ضمنتها الحكومة في ملف أسلحة الدمار الشامل العراقية في سبتمبر الماضي جاءت من ضابط عراقي رفيع المستوى كان في موقع يؤهله بالتأكيد لمعرفة هذه المعلومة الخطيرة.وفي إدانة ضمنية لهيئة الإذاعة البريطانية اعترف رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية الذي لم يظهر في تحقيق علنى مطلقا بأن معلومة الدقائق الخمس والاربعين قد حظيت باهتمام أكثر من اللازم رغم كون الادلة الاستخبارية بشأنها كانت دقيقة وانها استخدمت بصورة مشروعة في ملف سبتمبر الذي يتعلق بأسلحة الدمار الشامل العراقية.وكانت تحقيقات اللورد هاتون قد بدأت مرحلة جديدة بالاعلان عن استدعاء وزير الدفاع البريطاني جيفري هون للمثول مجددا أمام اللجنة للاجابة عن المزيد من الاسئلة المتعلقة بدوره في الكشف عن اسم ديفيد كيلي للصحفيين بوصفه المصدر المحتمل لتقريرهيئة الإذاعة البريطانية الذي اتهم الحكومة بتضخيم الادلة الاستخبارية بشأن العراق.
ومن بين المسئولين الذين تم استدعاؤهم للشهادة مجددا أمام لجنة هاتون مدير الاتصالات السابق برئاسة مجلس الوزراء اليستير كامبل ورئيس مجلس ادارة هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» جافن ديفيز.
وكان جريج دايك مديرهيئة الإذاعة البريطانية قد أدلى مجددا بشهادته هذا الاسبوع حيث أكد ان العلاقة بين الحكومة وال «بي بي سي» غالبا ما تمر بفترات صعبة خلال الحروب التي تخوضها بريطانيا في الخارج ابتداء من حرب السويس «العدوان الثلاثي على مصر عام 1956» مرورا بحرب الفوكلاند أوائل الثمانينات وفي حرب الخليج عام 1991 وكوسوفو وأفغانستان وغيرها.
وأكد دايك ان الحرب الاخيرة على العراق كانت موقفا صعبا للغاية وبدرجة متميزة عن بقية الحروب الاخرى التي خاضتها القوات البريطانية في الخارج مشيرا الى انه كان في إجازة في اليوم الذي بثت فيه ال «بي بي سي» تقرير أندرو جليجان الذي اتهم الحكومة بتضخيم ادلة امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل.
ووصف مدير هيئة الإذاعة البريطانية الهجوم الذي شنه مدير الاتصالات المستقيل في رئاسة الوزراء أليستير كامبل بانه هجوم يمكن القول تقريبا بانه لم يكن مسبوقا من قبل ضد هيئة الإذاعة البريطانية على مدار تاريخها.
|