تسربت الحيرة لدي ورحت اغرق في التفكير بعدما صار المشهد يشد الذهن ويغرس مخالبه في داخلي فأخذ اهتمامي ينجذب بشكل جارف لذلك المشهد فصارت الافكار والاسئلة تتوارد من غير انقطاع.
حاولت جاهداً أن افك قيدها لكن بدون جدوى فأصبحت اسيراً لها تحيط بي من كل اتجاه تحفر في رأسي نقشاً حاداً من الصعب ازالته واشتدت المعركة والنزال فرحلت في دائرة الصمت والسكون الذي اطبق علي من الخارج لكن بقيت في سجن التفكير مكبلاً جسماً عراه الزمن وحفر اخاديد وشقوقا فيه فصار كأرض اصابها الجدب، الضعف والهزال يرسم معالم بارزة والهرم والكبر قد تمكن منه فرحل في طي النسيان كمتاع اصابه البلى ينتظر ان يتخلص منه يحتل زاوية من غرفة فوق سرير خشبي متآكل قد كسرت احدى قوائمه بغطاء جزء منه ممزق ومتسخ عند اسفل قدميه بهيكل نحيل اختفى خلف ثوب رث غزاه الترقيع في جانبيه فاقد القيام والحركة بالقرب منه مجموعة من الاطباق في بعض منها بقايا طعام تنبعث منها رائحة عفنة الى جانبها اقمشة بالية.
وفي الزاوية الاخرى وعلى مقربة من نافذة الغرفة كان هناك طاولة صغيرة بنية اللون يكسوها الغبار وضع عليها مجموعة من الادوية الطبية هي مصدر سلاح ذلك الجسد في المقاومة والتعلق بالحياة الذي بدا وكأنه لن يصمد كثيراً امام زحف الزمن.. فيما كان نظري يرسم المشهد مزق السكون ذلك السعال الحاد الذي خرج بشكل متقطع مع تصاعد الزفير والشهيق فتسرب الى داخلي شعور بالخوف الممزوج بالشفقة على حاله.. بقيت مسمرا نظري اليه اترقب ما سوف يصدر منه لكن معركة السعال انهزمت فرجع الى وضع الجمود ورحل في سبات عميق وتحول الى تمثال مسجى فاقد الحركة إلا من آخر ما يعتبر رمزاً للحياة وهو التنفس.
دفعني الفضول الى الاقتراب منه شيئاً فشيئاً بخطوات حذرة حتى قصرت المسافة الى حد بعيد فلاحظت ان هناك قدراً كبيراً مفتوحاً كان بجانب سريره من جهة الجدار تقدمت لأرى ما بداخله فانقض علي قط اسود جعلني ارتد الى الوراء وبسرعة في حالة من الفزع والرعب مطلقاً ساقي للهرب.
|