* القريات - جريد الجريد
(همه الماء لبنه طينه) كلمات تشتم معها رائحة النخوة والفزعة تتناغم في ذاكرتك الحانها العذبة لتتذكر تلك الجباه التي تتقاطر منها حبات العرق.. وجوه مفعمة بالحب والتعاون والاخلاص فيما بينها بما يسمى (العونة) نعم فهي اسم على مسمى يحكي لنا الآباء والأجداد عن هذه الصورة التي يحق لهم الفخر والاعتزاز بها وهي المساعدة في بناء مساكنهم حيث يتعاون رجال وشباب القرية يدا واحدة لمساعدة من يرغب في بناء سكن يتعاونون في خلط الطين وضرب اللبن في موقع يسمى (المطينة) تبدأعملية البناء من بعد صلاة الفجر بكل همة ونشاط وكل ما أخذ منهم التعب انطلقت حناجرهم بالأهازيج وألحان الهجيني بقصائد تزيد فيهم الهمة والنشاط ولا تخلو من الطرافة وتعتبر هذه المرحلة الأولى من البناء وهي التي تسمى «ضرب اللبن» حيث تليها مرحلة أخرى متمثلة في البناء حيث يبنى اللبن على بعضه ويمرخ بخليط الطين حتى يتماسك وبعدها هناك مرحلة أخرى وهي وضع العتب والسقف حيث يجمع صاحب البناء (جذوع الأثل) و (سعف النخل) ليتم صفه وربطه كسقف للبناء ويخلط فوقه الطين وبعدها (يمرخ) بطبقة من رماد النار بعد خلطه وتوضع للبناء (المزاريب) لتصريف مياه الأمطار.
ومع هذه الصورة التي مازال آباؤنا وأجدادنا يتذكرونها ويشتاقون لها رغم بساطتها فهي لا تحتاج إلى مخططات ومهندسين ولا تحتاج إلى شهور وسنوات من البناء ولا تحتاج إلى مئات الألوف، فالمجتمع يدا واحدة متماسك يكمل بعضه بعضا ورغم صغر البناء إلا أنه يتسع للأسرة فليس هناك ما يسمى بغرف نوم للأبناء والبنات والخدم ولا مجالس للنساء ولا ما يسمى (مقلط) فالأكل يقدم للضيوف في مجلسهم (القهوة).
أما اليوم مع التطور والنهضة العمرانية الكبيرة التي تشهدها مملكتنا الحبيبة في شتى مناطقها ومدنها ومنها القريات التي نقلنا منها صورة من صور البناء بالماضي نجدها اليوم تزخر بالعديد من نماذج البناء المتطور بديكوراته الهندسية ومواده الراقية لتعكس مدى الوعي الذي وصل له المواطن وحرصه على بناء منزله على الطراز الحديث بشكل يخدم متطلباته ويضفي على البناء لمسات جمالية، فمن يفكر بالبناء اليوم تجده يبحث عن المخططات المميزة ويستشير أصحاب الاختصاص ويدفع المبالغ للحصول على مخطط نموذجي ما ان يتفق مع المقاول المنفذ يعمد على توقيع عقد مع مكتب هندسي اشرافي وقد كان لقرب القريات من الأردن الشقيق دور مهم تطور البناء ونوعيته ففي السنوات القليلة الماضية انتشرت بالقريات ظاهرة بناء الحجر في واجهات الفلل رغم كلفته العالية حيث ينقل من الأردن إلا أن الأغلبية ترى أهميته من حيث المنظر الجمالي ومن حيث تحمله لعوامل الطبيعة ويعتبر في نفس الوقت عازلاً ممتازاً للحرارة والبرودة، كذلك يحرص أهالي القريات على استخدام (الجبس) في ديكورات منازلهم الذي أصبح رائجا في البناء وله عدة أشكال ونقوش بالإضافة إلى النوعيات المميزة من الأبواب والشبابيك عالية الثمن...
هذه النقلة والتطور الفريد يجعلنا نحمد الله عز وجل دائما ونبتهل له سبحانه بالدعاء أن يحفظ لهذه البلاد أمنها واستقرارها ويديم علينا نعمه ويحفظ لنا حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني حفظهم الله الذين لهم الفضل بعد الله عز وجل فيما وصلنا إليه بدءاً من توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه الذي قيضه الله عز وجل لهذه البلاد لتنعم برغد العيش والحياة الكريمة.
|