Wednesday 17th september,2003 11311العدد الاربعاء 20 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الهجرة من الريف إلى المدينة وسلبياتها الهجرة من الريف إلى المدينة وسلبياتها

تعليقاً على ما ينشر في الجزيرة من مواضيع حول النمو السكاني المطرد في بلادنا اقول:
تعد الهجرة من الريف الى المدينة احدى المؤشرات والسمات الدالة على دول العالم الثالث او ما يطلق عليه مصطلح الدول النامية التي تعاني من مشكلات اقتصادية واجتماعية تتفاوت في حجمها من دولة لاخرى، وفي هذا الصدد تعاني جميع الدول العربية من معضلة عجز معدلات النمو الاقتصادي عن مواكبة النمو السكاني المتزايد الذي يعد الاعلى على مستوى العالم وضيق فرق العمل وقصور الخدمات في الريف مما ادى الى حدوث ظاهرة الهجرة غير المنظمة للمدينة.
وتعد المملكة من بين الدول التي ترتفع فيها معدلات دخل الفرد بيد أنها باتت تشهد في الآونة الاخيرة تزايداً في معدلات الهجرة الى المدينة حيث تشير الاحصاءات التي اعدتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ان عدد السكان قد تضاعف اكثر من 10 مرات ما بين العام 1388هـ الى 1417هـ ومن المتوقع ان يكون معدل الهجرة للرياض ما بين «4-8%» سنوياً. وهو رقم يجب التوقف عنده كثيراً والنظر في اسبابه التي اظهرتها الاحصائيات وهي العمل بنسبة 77% واكمال الدراسة بنسبة 2 ،12% والانضمام للاقارب بنسبة 7 ،6% اذ ان لهذه الهجرة اثار سلبية متعددة من ابرزها ضعف وتدني مستوى الخدمات المقدمة في المدن وعدم قدرة المؤسسات الخدمية مهما توافرت لها الامكانيات عن تلبية احتياجات السكان المتزايدة اعدادهم بشكل عشوائي وبوتيرة متصاعدة خاصة مع التوسع الافقي للمدن، ويتبع ذلك أن تدخل هذه المؤسسات في دوامة لا تنتهي من المحاولات اليائسة للقيام بأعمالها وخدمة هذا الكم الهائل من السكان ويصبح همها الاول هو ملاحقة متطلبات السكان مما يؤدي إلى تدني مستوى الخدمة وقصور في صيانة المشاريع القائمة وبالطبع ينتج عن ذلك ايضاً انخفاض مستوى الجودة النوعية لمن تم ايصال الخدمة لهم، ويتجلى ذلك بوضوح لمن يقطن مدينة الرياض فهناك الكثير من الاحياء التي نشأت في السنوات الاخيرة تفتقر او تنعدم فيها الخدمات الاساسية.. كما انه من المشكلات المزعجة الناتجة عن هذه الهجرة الازدحام المروري الذي ليس له اي مبرر واصبح سمة من سمات الرياض ناتجا عنه التلوث البيئي والتوتر النفسي الناتج عن سلوكيات خاطئة في القيادة والشعور بالقلق والتوتر والارهاق المستمر مما يفقد البيئة المثالية التي ينبغي ان يعيشها الانسان.
كما انه ينتج عن هذه الهجرة العشوائية نشوء صراع ثقافي يحدث نتيجة للتفاعل والتلاقح بين الوافدين الجدد والسكان، فالمملكة بلد شاسع المساحة متعدد البيئات والثقافات ولذلك من الطبيعي ان يصاحب هذه التغيرات الاجتماعية بروز قيم وعادات وتقاليد متعارضة قد تؤدي الى اخطار أمنية عديدة اخلاقية وجنائية ففي المدينة يتجلى التباين الطبقي ويتطلع المحروم ومحدود الدخل القادم الى تحسين اوضاعه بمختلف السبل المشروعة وربما يلجأ الى السبل غير المشروعة مما يزيد معدلات الجريمة ومظاهر الغش التجاري والممارسات المنحرفة بكل صورها واشكالها المختلفة ويجد فيها المنحرف ومعتاد الاجرام البيئة المناسبة لممارسة اعماله المنحرفة بعيدا عن اعين الاجهزة الامنية التي لا تستطيع تغطية حدود المدينة لاسيما في ظل غياب الرقابة الاسرية ووسائل الضبط الاجتماعي التي كانت تحكم ذلك المهاجر او الوافد في مجتمعه وبيئته الصغيرة والمحدودة حيث يشعر الفرد في المدينة بحريته وانه وحيد في عالم مزدحم ومشغول يبحث عن مكان له في هذا المجتمع، مما يؤدي به الى تغليب المصلحة الذاتية على كثير من القيم والمبادئ الانسانية.
ولا شك أن للهجرة اسباباً متعددة من اهمها تركز مؤسسات الدولة في المدن الكبرى كالجامعات والوزارات والمستشفيات وكافة المؤسسات الخدمية ويقابل ذلك افتقار الريف الى هذه الخدمات مما يشكل حافزا ودافعا قويا للهجرة فالانسان بطبعه يسعى نحو تأمين افضل سبل العيش لنفسه ولا احد يمكن ان يلومه على ذلك.
ولعل الكثير من القائمين على مؤسسات الدولة ممن درس او اقام شطرا من حياته بدول الغرب وعايش الحياة الريفية فيها على الواقع ولمس الراحة النفسية والهدوء والتطور الحضاري في ريف تلك البلاد خاصة وان الكثير من اشهر واعرق الجامعات والمراكز الصحية فيها تكون ضمن المناطق الريفية لتشكل معلماً ومحوراً يلتف حوله الناس في تلك الارياف، مما يؤدي الى نشوء هجرة عكسية من المدينة الى الريف الذي تتوافر به كل مقومات المدينة بل ويمتاز عنها بالهدوء حيث تنخفض معدلات الجريمة وتقل الامراض الناشئة عن حياة المدينة وهو ما نأمل حدوثه في المملكة.
ان مشكلة الهجرة من الريف الى المدينة ستشكل على المدى القريب خطورة جدية لذلك لابد أن تولى الاهمية التي تستحق من قبل القائمين على الوزارات ومؤسسات التخطيط من اجل وضع حلول جذرية لهذه المشكلة المتفاقمة والبعد عن تغليب المصالح الخاصة في المشروعات الحكومية والمخططات السكنية وإعادة النظر في توزيع او نقل المؤسسات الخدمية القائمة إلى مناطق اخرى اقل نموا ولعل الاسترشاد بتجارب الدول المتقدمة يمكن أن يسهم في القضاء على هذه الظاهرة او التقليل منها، سعيا نحو تحقيق الامن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

د. خالد بن سعود البشر
اكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved