المتتبع للواقع المعاش، للانطباع العام والمتداول عن التدريب.. يجد أنه دائماً يوجه إلى الشباب وإلى الخريجين الجدد.. وهناك برامج تدريبية للمديرين التنفيذيين.. ولكن ليس هناك برامج تدريبية للوكلاء والوزراء في الحكومة ومن في صفهم في القطاع الخاص.
هل الوكلاء والوزراء.. وهم من يستقرون على قمة الهرم الوظيفي في جهاتهم يحتاجون إلى تدريب؟.. هل سمعتم بالوزير الذي يراجع كشف الحضور والانصراف بنفسه.. والوزير الذي يعتمد بنفسه خروج السيارات الخاصة بالوزارة لأعمال التعقيب أو النقل.. والوزراء الذين يقيسون انجازاتهم بعدد المعاملات التي وقعوها وهم في «أغلبها» لا يعرفون تفاصيلها بل مجمل ما ورد فيها.. ويوقعون اعتماداً على تأشيرة الوكيل الذي هو بدوره اعتمد على تأشيرة المدير.
وفي آخر النهار وقد امضوا قرابة الأربع عشرة ساعة عمل مضنية.. يبتسمون بانشراح على ما تحقق!.. في عمل غير مهم؟.. ولا يحق لهم القيام به؟!.. لأنه أخل بما كان واجباً عليه عمله فعلاً وهو تحديد الأهداف وتجنيد الوسائل لتحقيقها.. وعندما يقوم القيادي بعمل الإداري فهذا يعني أن القيادي يفتقد القدرة على التفويض.. وهذه مهارة أساسية.. بدونها لا يمكن أن يكون قائداً.
هذا الخطأ الهائل في حق النفس والوطن ليس بقصد.. فالطبيب أوالمهندس أو الاقتصادي أو غيرهم حين يصبح وزيراً مثلاً يحتاج إلى أن يتعلم كيف يدير نفسه مهنياً في مجال عمله الجديد حتى تتحقق له القدرة على إدارة الوزارة.. فليس كل وزير تدرب وهو في طريقه للوزارة على التخطيط الاستراتيجي ورسم الأهداف وتحديدها.. الخ.. التي هي مجال عمل الوزير الحقيقية.
أن تكون مديراً للإدارة المالية يلزمك معرفة معقولة بالأمور المالية والمحاسبية.. كذلك أن تكون وزيراً فيلزمك معرفة معقولة بالتخطيط الاستراتيجي وتحديد الرؤية والأهداف ووضع الخطط لاستنهاض الهمم وتحفيز الجهود ووضع أنظمة المتابعة والإشراف والرقابة.. إلخ.. وإذا كان الوقت لا يتسع ليتعلم الوزراء كل هذا، فعلى الأقل لابد أن يعرفوا المطلوب.. وبالتالي يسعون لتهيئة الكوادر القادرة على القيام بذلك.. ودفعها لتحقيق الواجبات المطلوبة والمحددة في مجال عمل الوزير الفعلية.
إذاً ألا يلزم أن يتدرب كل وزير.. القديم فيهم والجديد؟.. هؤلاء جميعاً يجب أن يتعرضوا إلى برامج محددة تساعدهم في تحديد الرؤية.. أو تزيل اختلاط الرؤية. لابد من تدريب كبار الموظفين على تحديد مهماتهم المطلوبة منهم فعلياً.. فالعمل المطلوب من مدير الأمن العام في المملكة ليس هو العمل المطلوب من مدير شرطة منطقة وهو الموقع الذي ترقى منه.. وكذلك العمل المطلوب من وزير الصحة ليس هو العمل المطلوب من مدير عام الشؤون الصحية في منطقة ما.. وقس على ذلك كافة الوزراء ونواب الوزراء والوكلاء.. كلهم بحاجة إلى التدريب.
حدثني صديق أن مجموعة من كبار مسؤولي الدولة كانوا في اجتماع.. وسأل أحد المسؤولين آخر قائلاً: كيف استطعت أن تجد المسوغ النظامي لاعتماد وتنفيذ المشروع الفلاني.. بينما البقية لم يستطيعوا أن يجدوا الوسيلة النظامية لتحقيق ذلك؟!! فكان جواب المسؤول الآخر: إنني حينما أرى أن لجهتي الحكومية مصلحة وطنية في تحقيق شيء ما.. فإني استدعي مدير الشؤون المالية ومدير الشؤون القانونية وأخبرهم أني قررت أن أفعل كذا وكذا.. وأطلب منهم أن يوجدوا لي مسوغاً أو مخرجاً قانونياً ومالياً.. بينما الآخرون يسألون مديري المالية والقانونية.. هل يجيز النظام ذلك؟.. وكأنهم يحثونهم على سد باب التفكير والابتكار من باب سد الذرائع.
هذه القصة ليست دعوة لليِّ ذراع النظام أو البحث عن ثغراته..بل دعوة للتفكير الايجابي تجاه الأشياء..
رسول هذه الأمة -صلى الله عليه وسلم - دعانا إلى طلب العلم من المهد إلى اللحد.. كما أن الدولة التي نتطلع أن نصل إلى مستواها أوجدت برامج تدريبية للقياديين فيها.. راعت ظروف الزمان والمكان الوظيفي للقيادي.. كما حددت المعارف والمهارات التي يجب أن يتدرب عليها.. كل ذلك جُدول بطريقة تتيح لكل قيادي يرغب في زيادة معارفه ومهاراته في القيادة الانتساب إليها.. دون تأثير على مسيرة عمله ومهامه الرسمية.
الوزراء قياديون كبار..وهم يحتاجون للتدريب وبشكل ملح.. فكلما صدر الخطأ عن مستوى إداري أعلى كان تأثيره على المنشأة والمجتمع أشد، ولا يجب أن يقلل تلقي التدريب من شأنهم.. فهم في رأينا بشر ولا نظنهم يدّعون معرفة كل شيء.
والآن مَن من الوزراء يتجرأ ويقول.. نعم أنا وزير وأحتاج أن أتدرب أيضاً؟.
|