متابعة: تركي إبراهيم الماضي -عبدالله الهزاع
مدينة الرياض هي عاصمة المملكة العربية السعودية حيث تحتل موقعاً مميزاً تستمده من موقع المملكة الجغرافي الذي يتوسط قارات العالم، ويكتسب هذا الموقع بعداً آخر لكونها تقع في وسط المملكة في الجزء الشرقي لقلب الجزيرة العربية.
تبلغ مساحة نطاقها العمراني بمرحلتيه الأولى والثانية 1781 كيلو متراً مربعاً، وتصل مساحتها المطورة إلى حوالي 800 كيلومتر مربع، وهو ما يعكس التوسع الكبير الذي تشهده المدينة لتصبح ضمن أكبر ثلاث مناطق حضرية في المملكة، وحاضرة من حواضر العالم البارزة.
كما تعد الرياض واحدة من أسرع مدن العالم نمواً حيث يبلغ عدد سكانها حوالي أربعة ملايين نسمة وبمعدل نمو بنسبة 8% سنوياً، ويتوقع أن يصل عدد السكان إلى 5 ،10 ملايين نسمة في عام 1442هـ.
ولقد تطلب النمو السكاني والعمراني الذي شهدته مدينة الرياض في السنوات الماضية إعداد أول مخطط توجيهي للمدينة حظي بموافقة المقام السامي الكريم عام 1394هـ، ثم استوجبت سرعة النمو والتغيرات في المدينة تعديل وتنقيح هذا المخطط فجرى إعداد مخطط توجيهي آخر اكتمل العمل فيه عام 1401هـ. وقد عانى المخطط الأخير أيضاً من سرعة النمو والتغيرات التي شهدتها المدينة في جميع المجالات مما أفقده القدرة على توجيه التنمية المستقبلية للمدينة.
وكان من أهم الأعمال التخطيطية خلال الفترة الماضية دراسات النطاق العمراني الذي اعتمد من مجلس الوزراء عام 1409هـ ليكون على مرحلتين تغطيان الفترة حتى عام 1425هـ ووضع حدود لحماية التنمية. وقد حققت سياسات النطاق العمراني هذه الكثير من أهدافها حيث حصرت النمو المتصاعد للمدينة في إطار جغرافي محدد، وساهمت في تقليص الفراغات داخل البنية العمرانية، والحد من التشتت العمراني، والاستغلال الأفضل لشبكات المرافق والخدمات العامة.
وبعد مضى حوالي خمس عشرة سنة على إعداد آخر مخطط توجيهي للمدينة أصبحت الحاجة ماسة لمخطط شامل حديث يوجه نموها المستقبلي ويحدد متطلباتها الرئيسية حاضراً ومستقبلاً عبر نظرة شاملة لجميع جوانب التنمية ويحدد محاور النمو وأنماط التطوير المناسبة في جميع المجالات.
وسيكون هذا المخطط مختلفاً عن المخططين اللذين سبق إعدادهما للمدينة، حيث سيتميز عنهما بأنه مخطط مستمر ومتجدد يتعامل مع القضايا والمستجدات المتعلقة بالمدينة بحركية مستمرة كما يتسم بالنظرة الشاملة لجميع جوانب التنمية والتطوير في المدينة، كما يمثل محطة رئيسية في عملية التخطيط المستمر لمستقبل التنمية في هذه المدينة.
وفي ظل مسؤوليات الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض نحو التخطيط والتطوير الشامل للمدينة فقد أقرت توجه جهازها التنفيذي مركز المشاريع والتخطيط بالهيئة نحو إعداد مخطط استراتيجي شامل لمدينة الرياض يهدف الى إعداد خطة بعيدة المدى لقيادة وتوجيه التنمية الحضرية المستقبلية لمدينة الرياض وتوفير بيئة عمرانية مناسبة للجيل الحالي، والأجيال القادمة. وسينتج عنه رؤية للمدينة للخمسين سنة القادمة، وإطار استراتيجي يتكون من خطط وسياسات للتنمية للخمس والعشرين سنة القادمة، وبرنامج تنفيذي لعشر سنوات.
منهجية العمل في المخطط الاستراتيجي
يهدف هذا المخطط الاستراتيجي الشامل إلى مراجعة وتقويم الوضع الراهن للمدينة، والنمو المتواصل الذي تشهده في جميع المجالات، وتبعات هذا النمو على حاضر المدينة ومستقبلها في مختلف الجوانب، ووضع تصورات عامة للتنمية المستقبلية، ومعالجة مختلف قضايا التنمية الحضرية.
وفي سبيل ذلك سعت الهيئة إلى بناء نظام متطور للمعلومات الحضرية يتم من خلاله جمع وتحديث وتحليل جميع المعلومات المتعلقة بالمدينة ليكون رافداً وسنداً لأعمال التخطيط ولما تتخذه الهيئة من قرارات وما ترسمه من سياسات بشأن تنمية المدينة، كما سعت إلى إعداد الكوادر الوطنية المتخصصة في مختلف جوانب التخطيط التنموي وبناء المشروعات الحضرية بالإضافة إلى ما اكتسبته الهيئة من خبرة متراكمة في تنمية وتطوير المدينة عبر ما يزيد على ربع قرن من تاريخها.
ومنذ إقرار الهيئة العليا توجه جهازها التنفيذي مركز المشاريع والتخطيط بإعداد مخطط استراتيجي شامل لمدينة الرياض بدأت الخطوات الإعدادية في اتجاهين: الأول اختيار المجموعة الاستشارية التي ستشارك المركز في العمل لوضع هذه الاستراتيجية، والثاني إجراء عدد من الدراسات الأساسية الضرورية لإعداد هذه الاستراتيجية.
وقد تم في إطار الاتجاه الأول إعداد نطاق العمل المتعلق بالاستراتيجية والمشتمل على ثلاث مراحل كالآتي:
المرحلة الأولى: مراجعة وتقويم الوضع الراهن للمدينة والنمو المستمر الذي تشهده وتحديد التبعات المتوقعة للنمو السكاني والعمراني على حاضر المدينة ومستقبلها، ووضع تصورات عامة للرؤية المستقبلية للمدينة، وذلك من خلال جمع المعلومات المتوفرة عن الوضع القائم في المدينة وحصر المشكلات والقضايا الحرجة التي تعاني منها في مجالات التنمية المختلفة، وتعريف الإمكانات والفرص المتاحة لتطويرها.
المرحلة الثانية: إجراء الدراسات التفصيلية عن كل قطاع من قطاعات التنمية الحضرية والتطوير، وتحديد أهداف التطوير لكل قطاع، وطرح البدائل المتاحة لبلوغ هذه الأهداف وتقويمها ودراسة تكلفة كل منها، والخروج بالاقتراح الأمثل للإطار الاستراتيجي لتنمية المدينة الذي سيشتمل على السياسات الخاصة بالتنمية الحضرية للمدينة في جميع المجالات والمخطط الهيكلي العام وبعض المخططات الهيكلية التفصيلية.
المرحلة الثالثة: وضع آليات لتنفيذ المخطط الاستراتيجي من خلال السياسات والبرامج الضوابط والأنظمة.
كما تمت مخاطبة عدد كبير من المكاتب الاستشارية المحلية والعالمية المتخصصة في مجالات تخطيط المدن وأبدت 90 شركة محلية وعالمية رغبتها في المشاركة. وفي الخطوة التالية تم إرسال نطاق العمل إلى كل من هذه المكاتب وطلب منهم تقديم بيانات توضح إمكانات كل منهم وخبراتهم العملية، إضافة إلى تصور لأسلوب العمل في هذه الاستراتيجية، وخطة الإدارة المقترحة للمشروع، وخبرات المتخصصين المرشحين للعمل فيه، وقد تلقى المركز عروضاً من 25 مجموعة استشارية يمثلون المكاتب التسعين. وقد عملت خطوات تفصيلية في إطار اختيار الاستشاري.
بعض النقاط المهمة في هذا الإطار:
- جرى تحليل وتقويم خطوات اختيار الاستشاري من قبل فريق من المختصين من داخل المركز وخارجه ضمن معايير محددة لتقويم العروض من كافة الجوانب الفنية والمالية والإدارية.
- طلب من المجموعات الاستشارية أثناء التفاوض معهم القبول بأن يتم أداء الدفعات المالية على أساس نواتج كل مرحلة من المشروع وليس على أساس مدتها وذلك لضمان جودة المنتج فنياً.
- ساهم توفر المعلومات والدراسات الحديثة ضمن نظام المعلومات الحضرية كذلك توفر الكوادر البشرية المؤهلة والمدربة، وبالإضافة إلى التجهيزات المكتبية والمكاتب في مقر الهيئة في تخفيض تكاليف المشروع إلى الحد الأدنى الممكن.
وفي إطار الاتجاه الثاني من الخطوات الإعدادية لبدء العمل في الاستراتيجية تم تحديث خريطة الأساس لمدينة الرياض وذلك بحصر جميع المخططات المعتمدة بالمدينة وتضمينها في نظام المعلومات الحضرية لدى الهيئة.. بالإضافة إلى استخدام المسوحات والدراسات المتوفرة عن استعمالات الأراضي في المدينة والمسوحات السكانية للمدينة.
المبادىء الرئيسية لمنهجية العمل المتبعة في إعداد المخطط الاستراتيجي
استند العمل في هذا المشروع على منهج عمل يعتمد على ما يلي:
أولاً: المعلومات الحديثة والمتنوعة المتعلقة بجميع القطاعات المختلفة في المدينة سواء ما يتوفر منها لدى مركز المشاريع والتخطيط بالهيئة أو لدى الجهات الحكومية الأخرى.
ثانياً: الاعتماد على الكوادر الوطنية مع زيادة صقلها بالتدريب، سواء على رأس العمل أو في مؤسسات عملية، ومهنية داخل المملكة وخارجها للاستزادة في مجالات التخطيط الاستراتيجي. وكذلك الاستفادة من الخبرات المحلية من خارج المركز، من القطاعات الحكومية والأكاديمية والأهلية والاستفادة من بيوت الخبرة المحلية والعالمية التي سبق لها ممارسة التخطيط الاستراتيجي.
ثالثاً: الاطلاع على نماذج مختارة من خبرات بعض المدن العالمية في مجال التخطيط الاستراتيجي والاستفادة من التقنيات المستخدمة في هذه المدن.
رابعاً: المناقشة والتشاور مع جميع الجهات والفئات ذات العلاقة بجوانب عمل هذا المخطط وقد تم ذلك من خلال ما يلي:
- لجان المتابعة والتقويم على النحو التالي:
- لجنة الإشراف وتتكون هذه اللجنة من أعضاء يمثلون الإدارة المختلفة في مركز المشاريع والتخطيط بالهيئة وممثل عن أمانة مدينة الرياض، وتتولى هذه اللجنة المتابعة والتنسيق حول أعمال المخطط.
- اللجنة الفنية وتتكون من اثني عشر عضواً يمثلون الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، وتقوم هذه اللجنة بمهمة الربط بين أعمال المخطط الاستراتيجي والجهات الممثلة في هذه اللجنة.
- اللجنة الاستشارية تتكون هذه اللجنة من ثمانية خبراء سعوديين في مختلف التخصصات ذات العلاقة بالمخطط الاستراتيجي، وتقوم هذه اللجنة بتقديم المشورة المهنية في جميع التخصصات المختلفة للفرق العاملة في المخطط الاستراتيجي.
- حلقات النقاش وورش العمل: يجري خلال المراحل المختلفة للمشروع عقد حلقات نقاش وورش عمل لمراجعة وتقويم كل مرحلة من مراحل العمل وتبادل الأفكار والآراء حولها، ويتم في هذه الحلقات والورش دعوة عدد كبير من المختصين في المجالات المهنية المختلفة من الجهات الحكومية والقطاع الخاص وبعض فئات المجتمع وكذلك الأكاديمييين والمهنيين المتخصصين من داخل المملكة وخارجها.
- عرض نواتج العمل على الجهات ذات العلاقة: يتم خلال مراحل المشروع المختلفة عرض النواتج على جميع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة في مقراتها بهدف إطلاعهم على جميع نواتج مراحل المشروع المختلفة والاستماع إلى وجهات نظرهم.
سير العمل في المخطط الاستراتيجي الشامل
تم تقسيم العمل في هذا المشروع نظراً لضخامة حجم العمل فيه إلى ثلاث مراحل رئيسية وردت متطلباتها وخصائصها في نطاق العمل الذي تم إعداده لهذا الغرض.
حيث جرى بعد اختيار المجموعة الاستشارية التي ستشارك في إعداد هذا المخطط القيام بإعداد التقرير الابتدائي للمشروع وهو برنامج عمل مفصل يوضح الجوانب الفنية والإدارية والمالية لجميع مراحل المشروع وخاصة للمرحلة الأولى، على أن يتم تعديل هذه الخطة للمرحلة اللاحقة لتعكس أية متطلبات فنية أو مالية أو تعديلات تقتضيها المراحل التالية التي أصبحت واضحة في المرحلة السابقة لها بصورة أدق وأشمل.
المرحلة الأولى
بعد اعتماد التقرير الابتدائي بدأ العمل في المرحلة الأولى من المخطط الاستراتيجي التي تعنى بمراجعة وتقويم الوضع الراهن للمدينة، وتحديد القضايا الحرجة التي تواجه المدينة في الوقت الراهن والمستقبل، ووضع تصورات عامة للرؤية المستقبلية للمدينة.
ولقد بدأ العمل بواسطة فريق عمل مشترك يتكون من المجموعة الاستشارية المختارة ومختصين من مركز المشاريع والتخطيط وتم تقسيم الفريق إلى سبع مجموعات متخصصة تعكس مواضيع الدراسات التي تم تحديدها في المرحلة الأولى، وهذه المجموعات هي:
- فريق التخطيط والتصميم العمراني.
- فريق المرافق العامة
- فريق البيئة
- فريق الاقتصاد
- فريق النقل
- فريق الإدارة الحضرية
- فريق المساندة الفنية والمعلومات الحضرية
وقام فريق العمل بجمع المعلومات اللازمة سواء من داخل المركز أو خارجه، والاتصال بالعديد من الجهات الحكومية للحصول على المعلومات اللازمة، وعقدت العديد من الاجتماعات واللقاءات بين أفراد فريق العمل وتلك الجهات على جميع المستويات، كما تمت الاستعانة بمختصين وخبراء من خارج المركز للمشاركة في تقديم نواتج وتقارير هذه المرحلة وذلك بهدف ضمان الجودة الفنية لتلك التقارير.
كما قام فريق العمل بعرض نواتج العمل على الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة في أوقات مختلفة خلال المرحلة الأولى والاستفادة من مرئياتهم وملاحظاتهم.
وكجزء من العمل في المرحلة الأولى من المخطط الاستراتيجي تم تنظيم وعقد ثماني حلقات نقاش خلال هذه المرحلة، وذلك في المواضيع التالية:
- الأنظمة والتشريعات الحالية والقضايا الحرجة في إدارة العمران والتنمية.
- المشاكل والقضايا الحرجة المتعلقة بشبكة النقل والمواصلات في مدينة الرياض.
- مستقبل المياه بمدينة الرياض.
- الشكل العمراني والتكوين الهيكلي لمدينة الرياض.
- القضايا الاقتصادية في نظرة مستقبلية لمدينة الرياض.
- التلوث البيئي في مدينة الرياض.
- المرافق العامة بمدينة الرياض.
- الرياض... رؤية مستقبلية.
وقد صممت هذه الحلقات لتعكس مواضيع الدراسات التي تم تحديدها في المرحلة الأولى، وتهدف هذه الحلقات إلى إحاطة الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة بأهداف وغايات المخطط الاستراتيجي، وسير العمل فيه، بالإضافة إلى التعرف على ملاحظاتهم وتصوراتهم في المواضيع المختلفة.
حيث جرى في كل حلقة دعوة أساتذة من الجامعات وخبراء ومختصين، وبعض المسؤولين في الجهات ذات العلاقة الذين تقوم أجهزتهم بأعمال لها علاقة بتلك المواضيع وذلك لتقديم أوراق عمل والاستفادة من وجهات نظرهم في قضايا متخصصة تتعلق بالتنمية العمرانية للمدينة، ثم خصص وقت لجلسات عمل فرعية لمناقشة موضوع الورقة المقدمة واستخلاص النتائج والتوصيات منها ودمج ذلك في تقارير المرحلة الأولى التي جرى إعدادها.
وكان لهذه الحلقات أثر إيجابي، ومردود مميز وتميزت بحضور جيد من المشاركين بلغ من 100 إلى 150 شخص في كل حلقة.
وبلغ مجموع نواتج دراسات هذه المرحلة عشرين تقريراً وهي ما يلي:
1- الخصائص الاجتماعية لمدينة الرياض.
2- المنظور الاقتصادي.
3- استعمالات الأراضي.
4- الشكل والهيكل العمراني.
5- تحديد مناطق الدراسات التفصيلية.
6- الإسكان.
7- التطوير الصناعي.
8- المصادر البيئية.
9- الخدمات العامة.
10- المناطق المفتوحة.
11- البنية التحتية.
12- النقل والمواصلات.
13- الإطار الإقليمي.
14- الإنسان والعمران.
15- مواصفات نظام المعلومات.
16- علاقة نظام المعلومات الحضرية بمتطلبات الاستراتيجية الحضرية.
17- الرياض: رؤية مستقبلية.
18- الأنظمة والتشريعات الحالية ونظم العمران.
19- الأنظمة التخطيطية المقترحة والهياكل التنظمية.
20- التقرير النهائي للمرحلة الأولى.
وقد مكنت نتائج المرحلة الأولى من المخطط الاستراتيجي الشامل من التعرف على الوضع الراهن لمدينة الرياض، وتحديد المشاكل والقضايا الحرجة التي منها المدينة، ووضع تصور أولي للرؤية المستقبلية.
وقد تم عرض نتائج المرحلة الأولى على الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض حيث تمت الموافقة على تلك النتائج والإيذان ببدء المرحلة الثانية من المخطط الاستراتيجي الشامل.
|