من أقدار الكبار في كل بيتٍ ومنشأة أن يتحملوا العبء الأكبر من المسؤولية وعليهم ألا يركنوا للدعة وتسليم الأمور للسافلة من القوم وصغار السن وقليلي التجارب وقصيري النظر وعديمي المعرفة، بل عليهم أن يتجلمدوا بأعباء الأمة ويصوموا على مآلاتها الحزينة ثم يفطروا كل يوم بحل عقدةٍ ومعضلةٍ وعقباتٍ كؤودة ألقيت في المنعطفات شديدة الميلان وذلك لكيلا ينفرط العقد وتتشتت حبات الأمة ويروح دمها هدراً وينمحي موقعها عن دائرة المعرفة وحصاد السنين وإعمار الأرض وبقاء النسل لأداء الدور المنوط به في هذه الحياة الدنيا.
هكذا حالنا اليوم كأمة عربية ممزقة كادت أن تفقد الدليل والهادي وحادي الركب الذي يقود القافلة إلى الوجهة الصحيحة حتى لا تتوه في مضارب الصحراء ووهاد الجبال وتلال الرمال، لكننا أمة جبلت على التفاؤل وقال رسولها الكريم «تفاءلوا بالخير تجدوه»، «ولا يغلب عسر يسرين»، فمن تحت الحطام والركام والرماد الذي حجب بصائر الشعوب تلوح في الأفق القريب بيارق الأمل وعلامات استعادة الصف العربي المشروخ وإعادة إعمار البيت الذي أتلفته رياح الخماسين وخناجر العدو المسمومة التي انغرزت في وجدان الأمة وظلت حبيسة الأضلع وتركتنا نتلوى من شدة الألم، وإزاء هذا الاستسلام والوضع المريب والعداوة المحرقة ينهض الكبار عندنا دائماً بدورهم الذي كتبته عليهم الأقدار، حيث جاءت الجولة التي قام بها سمو ولي العهد للشقيقة سوريا كأقرب محطة له في جولته الميمونة التي شملت جمهورية مصر العربية ثم المملكة المغربية ليختم ذلك بزيارة إلى موسكو حاضرة الدولة الروسية في إطار رتق الثوب الممزق الذي نتحدث عنه، وفي محاولة لحلحلة العقد وإزالة النتوءات والخدوش وقطع واستئصال الخيوط الزائدة التي أصبحت بعبعاً وشوكة حوتٍ تعارضت في حلق الأمة.
والمملكة وسوريا وبحكم أنهما من الكبار أدركتا متطلبات المرحلة القادمة التي تتوجب ترميم الصف وبناء الثقة ومقارعة الخطوب النازلة ومداواة الجراح العميقة كل ذلك يتم بحكمة وتؤدة وبفكر الكبار حتى لا يجد العدو ضالته التي يبحث عنها بين ثنايا الأمة العربية، لذا جاء اجتماع زعيمي الأمة العربية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي ودولة رئيس الجمهورية العربية السورية سيادة الدكتور بشار الأسد للمحافظة على قلاع الأمة والبقاء على حصونها وخطوط دفاعها التي مازالت ورغم أنهما من الرصاص الكثيف تبشرنا بوقفةٍ وصمودٍ ما دمنا نحن على الحق والفضيلة ولهذا فإنه ما اجتمع قادة البلدين إلا من أجل قضايا العرب المصيرية ومن أجل البحث عن أفضل السبل للنهوض بواقعنا العربي وكيفية تجاوز مواقع الضعف في الوضع العربي الراهن وصولاً إلى الحد المناسب من التضامن والتنسيق والعمل العربي المشترك، حيث لن تضيع حقوق خلفها مطالب أبداً ولا تسقط الحقوق كما نعلم بتقادم الزمن لنجد فلسطين الأرض مسلوبة، والعراق الدولة مسلوبة، وإرادة الأمة في تنازع، وأرض لبنان وهضبة الجولان في أيدي العدو، وجنوب السودان أوشك على الانفصال من ساحة الأمة العربية، والإرهاب أضحى خطراً يتهدد مصيرنا، والمغرب العربي غارق في هموم الزلازل والتقاط المتطرفين لأرواح الأبرياء، وشارون تعهد بتمزيق الخارطة ورميها في وجه راسميها إن أعطت القدس للمسلمين والعالم من حولنا يتفرج على المآسي والضعف الذي نعيشه ونلوم زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا.
دعونا نتفاءل بما نراه من ارتقاءٍ للعلاقات بين المملكة وسوريا لتصل إلى أعلى مستوياتها من حيث التنسيق والتضامن الحقيقي وتبادل الآراء والأفكار ودعم العمل العربي المشترك والوقوف جنباً إلى جنب لدحر العدوان الصهيوني الغاشم، ولقاء المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية في هذه الظروف الحساسة يجمع بين قوة الفعل العربي وروحه وينطلق من العلاقة التاريخية للبلدين الشقيقين ومن الحكمة والتوازن التي تسعى لإحياء التضامن العربي والإعداد لتحرك عربي ينسق الأدوار ويوظف الفعاليات ويشع في كيان الأمة كوجدان موحد وروح مصممة وقوية مما ينفخ الروح في الكيان العربي لاتخاذ موقف مواجه لإسرائيل وعدوانيتها.
ثقتنا كبيرة جداً في أن تكون جولة ولي العهد سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولقائه بأخيه فخامة الرئيس الدكتور بشار الأسد قد اختصرت المسافات ووضعت الحصان أمام العربة لا العكس كما يفعل أعداء الأمة، فهو لقاء الأمل الكبير كبر القائدين، هو لقاء الرجال بالرجال في مواجهة متطلبات الواقع والمستقبل وهو لقاء المسؤولية وفعل عربي إسلامي يتسم بأهمية تاريخية ويشع في كيان الأمة لتقوى على مواجهة ما يتهددها من أخطار ورجاؤنا ألا ينقطع التواصل وتظل اللحمة العربية ندية طرية متماسكة قادرة على طرد بكتيريا السياسة الخبيثة وتحصين نفسها في وجه الطوفان القادم لمواجهة تحديات الأحداث الأخيرة التي تعصف بالمنطقة، وتدفعها إلى أتون الانفجار والتشظي.
(*) عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
الرياض- فاكس 014803452
|