Wednesday 17th september,2003 11311العدد الاربعاء 20 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مركاز مركاز
منذ ربع قرن!
حسين علي حسين

كنت أتألم عندما أقرأ في الصحف العربية عن الإهانات التي يلقاها مواطنوها، الذين يرغبون السفر، إلى بعض الدول الأجنبية، وفي نفس الوقت، كان بداخلي ارتياح برجوازي، باعتباري مواطناً مطلوباً، وبدون ضمانات في أي دولة، بل إن بعض الدول كانت ترسل مندوبيها إلينا، لحثنا وترغيبنا، في زيارة بلدانهم، وأعرف أن ذلك ليس لسواد عيوننا، أو لكرمهم وحبهم للغرباء أو الأجانب، ولكن لأننا قوم نصرف ما في الجيب، وما في جيوب أهلنا وأحبابنا، وفوق ذلك نحن طيبون.. طيبون جداً، مشوارنا من الفندق للمطعم والشارع والمسرح، وإذا زادت الرغبة في الوناسة، فإننا لا نتورع عنها، لكننا بشكل عام لا نؤذي أحداً، حتى إذا تعرض لنا أحد أوباشهم في الشارع أو المطار، فإننا نرفع شعار أجدادنا، والذي يحثنا على فضيلة: بات مغلوب ولا تبات غالباً!
أما الآن فنحن من المطارَدين، بتنا أخطر من أبناء الدول الأخرى، الذين يدوخون السبع دوخات حتى يحصلوا على تأشيرة إلى الفردوس الأمريكي أو البريطاني، لأن هؤلاء جل همهم من التأشيرة - في الغالب الأعم - كسب القوت أو التعليم، وليس شم الهواء والوناسة، كما نفعل نحن، ولذلك فإنهم يعاملونهم مثلما يعامَل أي شخص، طلاب الحاجات، الكثير من الذل والمرمطة، حتى يعطوهم التأشيرة، يحدث هذا وهؤلاء قد يكونون من أصحاب المؤهلات العالية، والأخلاق الفاضلة، لكن هكذا هم أصحاب اليد العليا، أما نحن فإن بلوتنا أخطر، فنحن من الممكن «هكذا يعتقدون» أن نقوم بتفجير مطار، أو محطة قطار، وربما أحدثنا الهلع والرعب، في مدينة ألعاب أو ملهى أو دار سينما، كل شيء منا بات وارداً، لذلك يلطع الواحد منا أمام السفارتين البريطانية والأمريكية، في الشمس الحارقة وبالساعات، وإذا أخذ الطلب، فعلى الواحد منا الانتظار أياماً طويلة، حتى يتم الإنعام عليه بتأشيرة أو نصف تأشيرة، بل إن بعض الأسر قدمت أوراقها لسفارة أوروبية، فجاءت التأشيرة للنساء والأطفال في الحال، أما الأب فقالوا إن عليه الانتظار ثلاثة أسابيع في المتوسط، وهو ونصيبه فربما سمحوا لعائلته بالدخول، وأبقوه هو واقفاً أمام الشباك! وإذا سلمت من شبابيك التأشيرات، فإن الخطوة التالية تكون هناك، على بوابات الدخول، فقد تتقدم بجوازك أنت وأفراد عائلتك، وفجأة يأتيك صوت موظف الجوازات باتراً، يمنعك أنت أو أحد رفقائك من الدخول، حتى وإن كانت تأشيرتك أو تأشيرة رفيقك سليمة، يحدث هذا حتى في بعض الدول العربية.. للأسف!
من الذي حوّلنا من سائحين فئة خمس نجوم، إلى سائحين فئة نجمة واحدة؟ من الذي جعل نقودنا وقدرتنا على الصرف أو كرمنا حجة علينا، ومن الذي حوّلنا من أناس يفترض جميع الناس بأننا طيبون ومسالمون، إلى شعب كله مشكوك في أمره، أو أنه قابل في أي لحظة إلى أن يتحوّل إلى قنبلة أو خنجر، بهدف تحويل العالم، وبالنبوت، إلى مدينة فاضلة، تدين لنا بالولاء والطاعة - كما يشاع الآن في الخطاب المحلي لدى الكثير من الدول - التي أصبحت تخشانا أكثر مما تخشى أولئك القادمين لطلب الرزق والعلم. نحن نعرف هؤلاء الناس جيداً، لكننا نعرف أن المعدن مهما علاه الصدأ، سيظل نظيفاً.. ليس لأننا نملك النقود أو الأخلاق الفاضلة فقط، ولكن لأننا ومنذ القدم سافرنا، وجبنا العالم، دون أن نتعرض لما أصبحنا نتعرض له، في المطارات وعلى أبواب السفارات وفي نفس الدول التي نزورها من مضايقة ومتابعة، وبات يحصل هذا منذ ربع قرن بالضبط، فجأة أصبح سلوكنا استهلاكياً، بعضنا يعتقد أن بإمكانه شراء البلد بمن فيه، و بعضنا يعتقد أننا «حماية» تماماً كما كان المواطنون الإنجليز في الدول التي كانت تستعمرها بريطانيا العظمى! نحن كنا نعتقد ذلك، مع اننا وعلى مدى التاريخ، كنا نذهب إلى هناك باعة ومشترين وطالبي رزق، لكننا كنا نحمل معنا أخلاق أبناء الأماكن المقدسة، هذه الأماكن التي منها انطلقت السماحة والرفق والوسطية، فقد خلقنا أمة وسطاً!
لقد تغيرنا في ربع القرن الأخير، نحن نعرف ذلك ونتألم لهذا التغيير، فقد غير الناس علينا، حتى اننا لا نملك توجيه اللوم لهم، وهم يستقبلوننا بفتور ويلطعوننا أمام شبابيك سفاراتهم في الشمس الحارقة.. وبالساعات!
إن الأمم العريقة، مثلما تحرص على النظر إلى الأمام، يتعين عليها، أن تلتفت بين وقت وآخر، إلى الخلف، لتصحيح المسار، وهذا ليس عيباً أو حراماً، ولكنه ضروري، للدخول إلى عالم اليوم، بكل ما فيه من منافع ومزايا، نحتاجها ولا يمكن أن تتم، إذا مسكنا العصا من طرفها!!

فاكس: 4533173

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved