Wednesday 17th september,2003 11311العدد الاربعاء 20 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الذاكرة...! الذاكرة...!
إبراهيم عبدالرحمن التركي

(1)
**يروي «الدكتور محمد رجب البيُّومي» في كتابه (من أعلام العصر) أن قارئاً نشر في صحيفة (الأهرام) مطلباً بتغيير اسم شارعه من شارع (إبراهيم الجبالي) الذي لا يعرفه واقترح اسم أحد الفنانين الراحلين من «المشهورين»..!
**عاب «البيومي» على الأستاذ «أحمد بهجت» نشر هذا الطلب في عموده (صندوق الدنيا) عن رجلٍ من أعلام عصره..فقد كان عضواً بهيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، وشيخاً لكلية اللغة العربية، وعضواً بمجلس الشيوخ المصري، وصاحب تآليف دسمة في التفسير والحديث والتشريع الإسلامي..!
(2)
** لن يتوارى صاحبكم عن خجله من عدم معرفته بهذا «العلامة» الذي روى عنه «البيومي» كثيراً من حكايات فضله.. وسعة أفقه.. وتعدد معارفه.. وقدرته على «المناظرة» التي ارتحلَ من أجلها إلى العراق والحجاز والهند، وكان حجةً في «النحو» و«الصرف» و«فقه اللغة» و«التاريخ» و«الأدب».. وتميّز بمنهجه المختلف في تفسير بعض سور القرآن الكريم، وأشرف تسع سنوات على بابي التفسير والحديث في مجلة الأزهر..
**لن يتوارى خجلاً وإن أسف حقاً لجهله.. وسوف يأسى أكثر حين يجد مَنْ يسعى ليستبدل «الذي هو أدنى بالذي هو خير» ليتصدر واجهة النجوميّة والثراء والوجاهة والتأثير «هوامشُ» تدّعي.. وجماهيرُ لا تعي..!
(3)
**لم ينل «الرافعي» و«منصور فهمي» و«محمد إسعاف النشاشيبي» و«محمد فريد وجدي» و«زكي مبارك» و«محمود تيمور» و«محمد الأسمر» و«محمود غنيم» و«محمود خفيف» و«محمد فريد أبو حديد» و«علي أدهم» وغيرهم ما ناله «شوقي» و«طه حسين» و«حافظ» و«العقاد» و«جبران» و«نعيمة» و«خليل مطران» من أضواء استحقّوها فطار بها نتاجُهم.. وتكاثر «مريدوهم».. وليسوا وحدهم.. فكثيرون سواهم ممن لا يُنكر جهودَهم إلا جاحدٌ أو جاهل..!
(4)
**هل كان رافعيّ «وحي القلم» و«تاريخ آداب العربية» و«رسائل الأحزان» و«السحاب الأحمر» و«أوراق الورد» و«تحت راية القرآن» أدنى في «لغته» و«بلاغته» و«علمه» من مجايليه..!
**وهل كان الباحث المتبحر وعالم الفلسفةِ الفذ «منصور فهمي» ورئيس لجنة مناقشة درجة الدكتوراه التي تقدم بها «زكي مبارك» عن «الأخلاق لدى الغزالي» نكرةً..؟ وهل زهدُه في الظهور مبرِّر لنا كي ننساه أو نتناساه..؟
**وماذا عن «أديب العربية محمد إسعاف النشاشيبي» الذي وصفه البيومي في كتابه (ص37) أنه: «علاّمة فلسطين ووارث علم سيبويه والمبرد والأصمعي».. وقال عنه «أحمد حسن الزيات»:
*«كان آيةً من آيات الله في سعة الاطلاع وتقصي الأطراف وتمحيص الحقائق.. لا تذكر مسألةٌ إلا كان له عنها جواب، ولا تثار مشكلة إلا أشرق فيها برأي، ولا تروى حادثة إلا وورد عليها بمثل، ولا يحضر ندوته أديب مطَّلع إلا جلس فيها جلسة المستفيد فهو من طراز أبي عبيدة والمبرّد».. إلخ..؟
**وهل «محمد فريد وجدي» صاحب «دائرة معارف القرن العشرين» ورئيس تحرير مجلة الأزهر عشرين عاماً، ورجل الفكر «المنير» «المستنير» أقل شأنا كي نجهله أو نتجاهله..؟
**وكيف يصبح «زكي مبارك» وهو حامل ثلاث درجات دكتوراه وأحد نوابغ الفلسفةِ والأدب وصاحب الأسلوب المبدع والمعارك الصاخبة اسماً عادياً نجحده بعد وفاته كما جحد في حياته وضنوا عليه حتى بالتدريس الجامعي فوصف نفسه بأنه «شهيد الحق»، وهل في «حِدّته» أو «شدّته» ما يأذن بهضم «مكانه»، وإغفال «مكانته»..؟
(5)
**لن تأذن مساحةُ «الأربعاوية» بإكمال استعراض بقية أسماء «المظلومين» من الرعيل السابق مِمّن جاء كتاب الدكتور محمد رجب البيومي الصادر عام 1996م لينصف بعضهم.. فنقرأ نحن المتأخرين شيئاً يسيراً عنهم.. ثم نأسى إذْ نشارك في تظاهرة «الجهل» و«التجهيل»..!
**نعوذُ «بالوفاءِ» من «العقوق»، ومن «الوهم» أن يختلط في أذهاننا «الشحمُ» و«الورم»..، ومن التشاؤم أن نردد مع «شوقي»:
*دارُ النِّيابة قد صُفَّتْ أرائكُها
لا تُجلِسوا فوقها الأحجارَ والخشبا
(6)
**هكذا نحن أمام «رموز» تُصنّم»، وسفوحٍ تتسنّم، وأرقام تصغّر.. وقمم تنحدر.. لتمثل المشكلة «الأخلاقية» «الأزلية» التي عبّر عنها «محمد الأسمر»:


وكم كاتبٍ همُّه كسبُه
ولو كسبَ العار فيما كسبْ
يُرى أبداً مُسرجاً ملجماً
رهينَ الإشارة تحت الطلب
فيا ضيعة الحق بين العبيد
عبيد الهوى وعبيد الذهب

**إنها «المعادلة» التى ترقى بأسهم الكلمة وتهبط بها لفترةٍ من «الزمن» قد تطول.. وحين يتضامن «التاريخ» الساهي مع «الواقع» الواهي لا يصبح «البروز» و«الاختفاء» قابلين لقياسٍ مجردٍ خالٍ من «الهوى» و«المصلحة» و«التوجيه» و«الإرادة» السياسية والاجتماعية..!
(7)
**الأمثلة تتجاوزُ «مصر» في الخمسينيات والستينيات إلى كل الوطن العربي إذ ذاك وفي هذا الوقت.. بل إن ذاكرتنا لا تتسعُ حتى للأحياء بيننا إذا آثروا أو اضطروا إلى الانزواء.. وكنا نراهم قبلها ملء السمع والبصر..!
**وإذ «الأقربون أولى بالمعروف» فهل نحن أوفياء مع: إبراهيم فوده، وإبراهيم علاف، وأحمد الغزاوي، وإبراهيم فلالي، وأسامة عبدالرحمن، وحسن كتبي، وحسين سراج، وحسين سرحان، وحمد الحجي، وسباعي عثمان، وسعد الجنيدل، وهاشم الزواوي، وأحمد وصالح محمد جمال، وصالح العثيمين، وإبراهيم الدامغ، وضياء الدين رجب، وعبد القدوس الأنصاري، وطاهر زمخشري، وأحمد عبدالغفور عطار، ومقبل العيسى، ومحمد حسن عواد، ومحمد حسين زيدان، وضياء الدين رجب، ومحمد سعيد العامودي، ومحمد سعيد المسلم، وعبد العزيز المسلم، ومحمد بن علي السنوسي، ومحمد علي مغربي، ومحمود عارف، وهاشم الزواوي وعشرات غيرهم ممن قضوا نحبهم وممن ينتظر..! فهل عرفناهم..؟ وهل عرّفنا بهم..؟ وهل وجدوا ما يستحقونه من رعاية نتاجهم.. ومتابعة أوضاعهم.. وتقديمهم للأجيال الجديدة التي لا تكاد تذكر سوى عازفي «الأنغام» و«الأقدام»..!
(8)
**لو لم يُنشأ «مركز ابن صالح» لما عرف أحدٌ من المتأخرين فضل «جهبذٍ» من «المتقدمين».. ولو لم يبرز اسم «الشيخ عبدالرحمن السعدي» وينشر نتاجُه عن طريق الجمعية الخيرية الصالحية وأبنائه وأحفاده لربما نُسي عالمٌ رباني ندر مثلُه في زمنه وقبله وبعده.. وشارع «الشبيلي» فكرةٌ طيبة لتخليد ذكرى رجل خير وسخاء أعاد سيرةَ «الطائي».. وهذا مثل واحد من «مدينة» واحدة.. وهكذا في (مؤسسة حمد الجاسر) و(مجلة المنهل) و(جائزة محمد حسن فقي) و(مركز سعود البابطين) و(ندوة الوفاء) ونحوها مما يتواصل به ذكر أصحابه..!
(9)
**نزر من غَمْر إذ نحتاج في كُلِّ قرية ومدينة مرّ هؤلاء وسواهم بها ووضعوا بصماتٍ على ملامحها أن تحتفي بهم حتى لا نجد جيلاً بلا ذاكرة.. وأمة دون تاريخ..!
**ما الذي يريده هؤلاء منا..؟.. ليس أكثر من طباعة أو إعادة طباعة نتاجهم، وتسمية مدارس وشوارع ومؤسسات ثقافية بأسمائهم، والعناية بقيمهم ومبادئهم التي بذلوها.. وتقديمهم نماذجَ «مورقة» حتى لا تتكثّف لديهم أحاسيسُ «عدم الجدوى»، وربما انتهى الحال بهم إلى «الاعتزال» أو «الضياع» أو الدخول في دوائر «الزيف» و«التطبيل» و«الدجل»..ونحن نعرف إلام آل مصير «زكي مبارك» و«جمال حمدان».. وهما مثلان ذائعان من أمثلةٍ كثيرة بعضُها لا يزالُ في مدارات «مغلقةٍ» لا يُتاح لها الذيوع..!
*الوفاء قيمة..!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved