لقد استحسنت كلمة العنوان الأجنبية، بالرغم مما قد يثير اختيارها من اعتراض، لأنّ فيها التعبير الأدق لما أرغب البوح به في هذا المقال القصير.
فإبراهيم بن عبدالرحمن التركي، الذي اكتشفتُ قدراته الفكرية والبلاغية من خلال احتفال هذه المؤسسة الصحفية بتدشين مقرها الجديد قبل نحو سبع سنوات، لم يكن في الواقع ذلك الفنان المبدع ا لذي يحرّك قلمه فيستجيب له بأجمل التشكيلات اللغوية واللفظية والتعبيرية، لكنه الحائز على ما هو أبلغ وأثمن، المتمثل في خلقه الرفيع، وقدراته الإدارية والتنظيمية النادرة.
كلام أكثر وأوقع يمكن أن يقال بحق أبي «يزن»، لكن المرء يحاول أن يحسب كلماته، عندما يكون الموقف موقف إطراءٍ أو تزكية، مع الاقتناع بأن الاختلاف بشأنه قد يندر أو يتواضع أمام التوافق.
أكتب هذه الكلمات، والمكتبة العربية تستقبل هذه الأيام مصنّفين من إبداعاته الرائعة التي احتوت مقالات سابقة نشرها على صفحات هذه الجريدة في مساحات ومناسبات مختلفة، وهما سِفْران يضافان إلى عدة كتب سابقة أهداها للمكتبة الثقافية.
وأمام هذا الاقتصاد المقصود في الثناء والعاطفة بحق مؤلّفهما، فإنني أركّز في هذا المقال على نقطتين:
الأولى: الإشادة بالعمق اللغوي والمعرفي عند الكاتب، فهو وإن لم يتخصص في دراسات اللغة العربية والأدب، قد اكتسب حساً لغوياً وتعمقاً يفوق في حجمه وتمييزه ما لدى الكثير من المتخصصين، وهو عندما يختار عبارته أو جملته، فإنه يعرف ما وقع عليه اختياره، ويمتلك تسويغاته ومبرّراته، أي أن كتاباته وكلماته، وإن بدا عليها شيء من التصنُّع، فهي لا تصدر عن فراغ، وبالتالي فإن على من يقرأ جملته أن يعرف أنها اختيرت عن علم و خبرة وفهم، ولا أعرف، فيما قرأتُ، كاتباً آخر حَرَّك الكلمات تحريكاً موسيقياً بالمقدرة التي حظي بها كاتبنا القدير.
الثانية: والإشادة كذلك، بتكامل المواهب والقدرات الخُلقية والصحفية والأدبية والإدارية في شخصه، فالمرء قد يجد إعلامياً مبدعاً في مهمته، لكنه فوضوي في إدارته أو تعامله، وقد يجد إدارياً لا يُحسن الكتابة، أو لا يتقن لغته الأم، وهكذا.. لكن المعنيُّ في هذا المقال نسيج خاص، حباه الله ذوقاً أدبياً رفيعاً، وخبرة صحفية متميزة، وقدرة فائقة في إدارة الوقت، ودماثة مخجلة في اللطف والتعامل والعلاقة الإنسانية مع الآخرين.
إنني أشكر مناسبة صدور كتابيه: «ما لم يقله الحاوي، وكان اسمه الغد»، لأسجّل هذه المشاعر، بكلمات قد لا تفي بكل ما يستحق خلقه الرفيع وكفاءته التربوية والإدارية والإذاعية والأدبية أن يقال عنها.
هنيئاً ل«الجزيرة» وهي «تعضُّ» بالنواجذ على كفاية بهذا الوزن تعدل مجموعة من القدرات، وتستطيع أن تفاخر بها بين المؤسسات الثقافية الأخرى.
وهي كلمات تأخّرت سبع سنوات قبل أن يتمكن هذا القلم من البوح بها، حتى صار الوقت أنسب، والمناسبة أوجب.
زاده الله ألقاً وخلقاً وصدقاً.
|