Tuesday 16th september,2003 11310العدد الثلاثاء 19 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
إلى الأفق الجميل
عبدالرحمن صالح العشماوي

إلى ذلك الأفق البعيد الذي لم تزل تهفو إليه كواكب حبي، وتتمنى ان تنتقل من مدارات قلبي إلى مداره البعيد، البعيد هناك في أعماقي.
أيها الأفق الجميل، البعيد القريب، ما تزال المشاعر تتطلع إليك، وما زال صاحبها يغرس شتلات أحلامه في أرض أشواقه لعلَّها تنتج ثمار لقاءٍ جميل، لقاءٍ يحقق للكواكب التائهة آمالها في أن تصل إليك، أيها الأفق الجميل.
هل أنت أفق قريب؟ كلاَّ، وهل أنت أفق بعيد؟ كلاَّ، عجباً كيف يمكن أن نفهم هذا الجواب عن سؤالين متناقضين؟، لا عجب فأنت برغم البعد قريب قريب، في متناول نبضات القلب، وومضات الذهن، ونظرات العين، أنت في متناول بصري الذي يمتدُّ إليك خيوطاً ضوئية صافية ترسلها سويداء القلب إليك، كلَّما خيَّم ظلام ليل، وشعَّ ضياء نهار، ومع ذلك فإنك ما تزال بعيداً بعيداً، وما يزال المشتاق إليك يسرج خيول أشواقه لعلَّها تستطيع أن تجتاز ميادين اللهفة، وحواجز اللَّوعة لتصل إليك.. نعم إليك أيها الأفق الجميل.
حينما هَتَفَتْ بالمشتاق هواتف الذكريات، ووطَّأَتِ الذكرى له أكنافها، وخَفَضَتْ له جناحيها، كتب بحروف من نور على ورقة من شوق، بقلمٍ من حنين رسالة ليست ككلِّ الرسائل، مشحونة بمشاعر ليست ككلِّ المشاعر، ضمَّنها ما يمكن أن يقرِّب منك خيول شوقه، أو يقرِّب منه مدارات أفقك الجميل، هل أحَلْبتَ فيها عينيك، وحرَّكت بحروفها شفتيك؟؟ أنا على يقين أن مراكب الذكرى قد أوصلتها إليك.
سلام عليك.. تمادت الأيام والليالي في طولها، وأسرفت في وحشتها، وتجاوزت ذلك إلى ما هو أبعد أثراً في نفسي، وحسِّي، لقد علَّمت ساعاتي ودقائقي أسلوب الوحشة، وجعلتها تتقن لغة التثاقل حتى تفنَّنتْ في ذلك، وفعلت بقلبي الأفاعيل... لم تعد الدقائق التي تمرُّ من الزمن على ما كنتَ تعهد أيُّها الأفق الجميل كلاَّ.. فقد أصبحت زمناً آخر خارج الزمن المعتاد.. حتى عقارب الساعة التي أحملها في يدي أصبحت - على غير عهدي - بطيئةً واهنةَ الخُطى، لم تعد تقفز في دائرتها ذلك القفز المتوازن الذي تعرف، ولم تَعُدْ تتحرك تلك الحركة المتوازنة التي تَعْهَد، سلام عليك.. إنَّ في النفس هموماً كبيرة، وفي الذهن خواطر كثيرة، وإنَّ في القلب لأشواقاً عميقة، وإن في حنايا الروح لمشاعر رقيقة، وإنَّ في محاجر العين لدموعاً غزيرة.
سلام عليك أيُّها الأفق الجميل.. إني لأنتظر يوماً ضاحكاً مبتسم الفجر، صافي النور، يمكن أن أبوح لك فيه بما تحمل النفس، وما يشعر به القلب، وما يدور في الذهن، وإني لأتساءل، أين موقع ذلك اليوم الضاحك من مركبة الأيام المقبلة؟
وإني لأجيب نفسي بقولي: ما دام يوماً منتظراً فهو - بمشيئة الله - قريب، ولكنَّ السؤال الذي يقفز إلى الذهن يقول: ماذا ستصنع أيُّها المشتاق حتى يأتي ذلك اليوم الضاحك المنتظر؟
هل يمكن للصمت أن يسعفك بالصبر؟ هل يمكن أن تنزوي حتى ما تراك عين شمس، ولا تبصرك أجفان كوكب، ولا ترفرف على صورة وجهك رموش قمر؟
كلاَّ، أيها السؤال العزيز، فالأفق الجميل الذي يتوق إليه القلب، وترنو إليه العين، وتهفو إليه النفس، لا يمكن أن يسمح للصمتِ إلاَّ أن يكون ناطقاً، ولا للنطق إلا أن يكون صامتاً، وإنَّ هذا النطق الصامت، وذلك الصمت الناطق، هما اللّغة الخاصة التي لا يفهمها إلا الذين يرفرفون بأجنحة الحنين في مثل هذا الأفق الجميل، ويدركون من أسرار نبضات القلوب، وهمسات الشفاه، ونظرات العيون، ما لا يدركه الغافلون.
سلام عليك أيُّها الأفق الجميل.
رسائلي إليك ستظل ترسم بالحروف والكلمات صوراً ملوَّنةً ذات جمال بديع، لذلك الشعور الكامن في الأعماق، إلى أن يأذن فجر اللقاء بالإشراق، وإلى أن يعيد الربيع الطلق إلى الغصون خُضرة الأوراق، وإلى أن تكتحل برؤية أبعادك المتناسقة الأحداق..
أيُّها الأفق الجميل.. ما قيمة اللقاء لولا لذَّة الانتظار، فاسمح لي أن أغرس خطواتي على درب الانتظار الجميل، وأن أجعل رسائلي إليك جسراً ممتدَّاً يصلني بأطيافك الآسرة، ويقرب ما بيننا من مسافات الحرقة والألم، والفرحة والأمل.. وينقش في كلِّ ناحية حروف سلامٍ وشوق أصيل، إليك أيُّها الأفق الجميل.
إشارة


تعب المشتاق من أشواقه
فمتى يمحو التلاقي تعبَهْ

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved