جميل ونحن نشاهد، طموحات وعزائم، عالية الهمة والقدرة، تصاحبها دوافع داخلية، تسبق الدوافع الخارجية، التي غالباً ما تكون -هذه الأخيرة- بسبب تأثير الأهل أو الأقارب، وجميل أيضا حينما يحل ذلك بمن هم في مراحل عمرية شبابية، تلك المراحل الفوارة، بطبيعتها الاجتماعية، حينما تتأصل فيها الرغبة الشديدة، ناشدة صقلها علمياً ومعرفياً، خصوصاً عندما يكون توجهها صوب تخصصات يحتاجها سوق العمل.
من هنا لابد لنا أن نفتخر بهذا التوجه الوطني السامي، الذي يتجلى في نفوس أبنائنا وبناتنا، لكن القضية الكبرى التي تقود نحو تيار مضاد لتلكم الآمال والرغبات، التي ما لبثنا نعايش أو نتأمل فرحتها، ونطمح لها لمستقبل مشرق لبلادنا، إلا ونلاحظ ما يعيق تلك الآمال والتطلعات، وذلك حينما لا يجد هؤلاء الشباب أو الشابات فرصة الالتحاق بمؤسسة تعليمية يرغبون الانخراط فيها، في الوقت الذي يطالب فيه الجميع بضرورة التحاقهم بها، لسد حاجة البلاد بكوادر وطنية، سعياً لتحقيق أهداف متوخاة متعددة، تكمن في توطين العمل وكذا التقنية، والمشكلة تكمن في ان المجالات التعليمية المتوافرة لدينا محدودة العدد والطاقة الاستيعابية أيضا، فالمعاهد والمدارس التي تشرف عليها المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، مثل المعاهد والمدارس التجارية والصناعية والمساحة الفنية، والزراعية، يلاحظ أن لكل علوم دراسية تخصصية تتبع لكل واحدة من تلك المعاهد والمدارس، لا يتوافر لها سوى منشأة تعليمية واحدة فقط!!، وليست تلك المؤسسات التعليمية ذات الطابع النوعي حديثة التأسيس، لقلنا انها في بداية المشوار، وتحتاج إلى بعض من التجارب لمعرفة جدواها الاجتماعية والاقتصادية، والتعرف ملياً بما تحتويه من مخرجات تعليمية ومدى مواءمتها مع احتياجات سوق العمل من عدمه، لكن الأمر خلاف لذلك، فتلك المؤسسات مضى على تأسيس البعض منها قرابة ثلاثين عاماً، وأخرى أكثر من خمسة وعشرين عاماً، ومع ذلك لم يتم إنشاء مؤسسات مساندة لها.
وحينما نتحدث عن مدينة كبرى كمدينة الرياض، التي لا يتواجد فيها سوى مؤسسة واحدة لكل علم دراسي تخصصي، فتلك تعد قضية اجتماعية كبرى، وأعلم كما يعلم غيري أن للتخطيط دوراً في ذلك، وأن الاعتمادات المالية هي الأخرى سبب في نشوء تلك القضية، لكن لابد لنا من القول ان الأمر يتطلب هنا التحرك السريع والجاد، لإنشاء مؤسسات كهذه إضافية، حتى لو كان ذلك على حساب مشاريع أخرى ، بالإمكان تقليص الاعتمادات المالية نحوها أو التأجيل في تأسيسها، ودول مجاورة لنا يقع في احد مدنها عشرات المؤسسات التعليمية ولعلوم دراسية واحدة، يتأتى منها قبول كل المتقدمين إليها، دون النظر إلى مستوى نسبة النجاح في المرحلة المتوسطة، الذي بدأت معه هذه المؤسسات تفرضها على نمط سياسة الجامعات لدينا، فهل نجد تحركا جاداً نحو التوسع في هذه المؤسسات التعليمية المطلوبة من الجميع وطن ومواطنين؟ نأمل ذلك.
* الباحث في شؤون الموارد البشرية
|