Monday 15th september,2003 11309العدد الأثنين 18 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المرّ والأمرّ المرّ والأمرّ
عبدالله الصالح العثيمين

عنوان هذه المقالة هو عنوان رائعة من روائع شعر المرحوم عبدالعزيز المسلَّم. وما كان شعره إلا عُرُباً أتراباً من العرائس كل واحدة منها تنافس الأخرى؛ روعة وجمالاً وانطلاقاً غير محدود في فضاء الإبداع. وكانت الفيحاء مسقط رأس كاتب هذه السطور مسقط رأسه ومهد صباه. ثم أصبحت مهبط الوحي وأم القرى أحد مراتع شبابه. وكان ذلك الشاعر الفذّ مع الأسف الشديد ممن لم يفه الباحثون والكتّاب حقه؛ دراسة وإضاءة إعلامية، لا في حياته ولا بعد وفاته. وكان أحد المعبرين باقتدار عن آلام من جرَّعهم الدهر ما جرَّعهم من مرارة كؤوسه، كما كان أحد المعبِّرين عن هموم وطنه وأمته بصدق وإخلاص. وما أقدره وأروعه في التعبير عن تلك الآلام وهذه الهموم!
أما مطلع القصيدة الرائعة التي اقتُِبس عنوانها عنواناً للمقالة فهو:


مرٌّ بأن تخشى منازلة العدا
ويضجّ سيفك.. هل وُلدت محطّما؟
وأمرُّ منه أن كفك أدركت
ماذا ستفقد لو حسامك أقدما

على أن روعة القصيدة وما لها إلا أن تكون رائعة وهي مما جادت به قريحة ذلك الشاعر الملهم من إبداع تستهويني لأسترسل متمتعاً بإتحاف القارىء
الكريم بما حفظته منها؛ وهو:


مرٌّ بأن تظما وكلٌ يرتدي
وأمرُّ أن لا ترتجى حتى الظما
مرٌّ إذا ما الداء أنشب ظفره
وأحال في فمك الحلاوة علقما
وأمرُّ أنك لو أردت علمته
وتموت صبراً خشية أن تعلما
مرٌّ بأن يعشى عيونك بارقٌ
أدلجت خلف سرابه متوهِّما
وأمرُّ منه أن عينك أرمدت
ويظلّ ثغرك ضاحكاً متبسِّما
مرٌّ إذا سخر السحاب بقفرةٍ
يبست على فمها لعلّ وربما
وأمرُّ أن تهوي وتقضي نحبها
وعيونها متعلّقات بالسما
مرٌّ إذا ارتدت حروفك طعنة
تقضي عليك وكنت ترويها دما
وأمرُّ منه أن حرفك ما درى
في تيهه أيّ اللغات لها انتمى

رحم الله ذلك الشاعر العبقري، وهيَّأ الأسباب التي تمهِّد الطريق لترى إبداعاته كلها النور مرتدية ما يليق بها من جمال ثوب الإخراج، ومصحوبة بما هي جديرة به من تحليل ودراسة.
أما بعد:
مرٌّ أن يرى المرء دولة من الأشرار لا يتجاوزون بضعة ملايين قادمين من كل حدب وصوب تحتلّ واسطة العقد من الوطن العربي والعالم الإسلامي الذي تنيف أعداده على ألف مليون، ويراها تشن حرب إبادة ضد الشعب الذي احتلت أرضه؛ مستخدمة كل أنواع البطش والإرهاب؛ تقتيلاً للبشر صغيرهم وكبيرهم.. ذكرهم وأنثاهم، وتدميراً لمنازل الشرفاء المقاومين والأبرياء، وإتلافاً لمزارع الجميع.
وأمرُّ من ذلك كله أن يرى المرء دول العالم القويّ المدَّعية أنها تناصر حرَّية الشعوب وإحقاق الحق مؤيِّدة لما يرتكبه قادة الأشرار الصهاينة من جرائم حرب الإبادة، أو صامتة صمتاً مريباً في أحسن الأحوال.
وأشدّ مرارة من رؤية مواقف هذه الدول أن يرى المرء العالمين العربي والإسلامي وبين زعاماتهما:


قادة باعت كرامتها
لأعاديها بلا ثمن
جعلت منهم لها أملاً
يرتجى في السرِّ والعلن
أنكرت ما كانت يربطها
بثرى الأقصى مدى الزمن
ما لها إن يستبح علناً
طهره باغٍ وإن يهن
همُّها إرضاء سيِّدها
باتخاذ الموقف المرن
كل ما يرضي به شرفٌ
عندها لو كان من درن

وهي إن استنكرت تلك الجرائم علناً فإنها لا تستنكرها سراً، بل ربما مالأت مرتكبيها ومؤيِّديهم في جرائمهم ومواقفهم. أما شعوب العالمين المذكورين فضربت عليها الذلة والمسكنة من شدَّة وقع السهام على السهام، فأصيبت بالشلل شبه التام عن القيام بأيِّ عمل مؤثِّر وإلا فأين النقابات المختلفة، التي تغيِّر مواقفها موازين القوى، من استعمال ما يفترض أنها تملكه من قوة تجعل القيادات المستخذية، أو الممالئة للأعداء المجرمين ومؤيديهم تعيد النظر في مواقفها الذليلة المشينة؟
كان غاندي من أعظم قادة التحرير الوطني إن لم يكن أعظمهم لأنه كان مخلصاً لأمته، صادقاً في تعامله معها، بارعاً في معرفة سبل تحريرها. وبتلك الصفات من الإخلاص والصدق والبراعة انتصر على أعتى امبراطورية في زمنه تحلّى قادتها بالمكر والخداع. لكن من المؤسف والمرّ جداً ان الأمة الإسلامية التي يتجاوز عددها الآن ألف مليون من البشر لا يوجد فيها من يتحلَّى بما كان يتحلَّى به غاندي من صفات عظيمة. وما دام هذا هو الواقع فما قيمة ذلك البليون من الناس الذين هم غثاء كغثاء السيل؟
ومرٌّ أن يتمكّن الصهاينة، الذين برهنت ومازالت تبرهن أعمالهم أنهم أعداء للإنسانية، من الإمساك بخناق قادة الدول المتقدمة، اقتصادياً وتقنياً، بحيث لا يستطيع واحد منهم إلا أن يدافع عما يرجونه من أباطيل ويرتكبونه من جرائم. ومن أدلة ذلك ما حدث في فرنسا، التي كانت ثورتها في طليعة الثورات المدَّعية بأنها نصيرة حرية الفكر. فقد منحت إحدى جامعاتها قبل سنوات درجة الدكتوراه لطالب درس قضية ما ارتكبه هتلر وزبانيته ضد اليهود، فتبيَّن له أن هناك مبالغة في الأعداد التي قيل إنها أبيدت، وكتب ما تبيَّن له مدعماً بالوثائق. لكن بعد أقلّ من شهر أتى وزير التعليم الفرنسي إلى تلك الجامعة، فعنَّف المسؤولين فيها على منحهم ذلك الطالب تلك الدرجة، وأمر بسحبها، فسحبت. ومن أدلته، أيضاً، أن بلجيكا غيَّرت مادة في دستورها لئلا يتعكَّر مزاج شارون، المجرم الصهيوني الذي سبق أن أدين بمجزرة صبرا وشاتيلا؛ وذلك بضغط من الإدارة الأمريكية التي تصفه بأنه رجل سلام، وتصف المقاومين لجرائمه الحالية بأنهم إرهابيين.
وأمرٌّ مما تقدَّم أن يوجد بين قادة العرب والمسلمين من يتزلَّفون إلى شارون المتطرِّف في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني المهين لمقدَّساته أملاً في كسب رضا الإدارة الأمريكية المناصرة له بكافة الوسائل!وذلك لئلا تفقد ما استمرأته من فتات المعونة المشروطة بالاستخذاء، أو لتتفادى ما يمكن أن تقوم به تلك الإدارة من كشف لسوأتها أو تفكير للإطاحة بها. والأشدّ مرارة أن يوجد بين شعوب اولئك القادة أناس من المحسوبين على الفكر والثقافة ينافقون في تمجيد مواقفهم المتزلِّفة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved