Sunday 14th september,2003 11308العدد الأحد 17 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

كنت في «أفغانستان».. كنت في «أفغانستان»..
من هنا تنطلق «دبابير التكفير»..؟!!
حمّاد بن حامد السالمي

*مرت ذكرى الحادي عشر من سبتمبر، وهي كما عرفناها، ذكرى نكرة قبيحة على كل حال، إلا أن فيها من الدروس والعبر، ماهو حري بالالتفات إليه، وخاصة من جانبنا نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فالمؤمن الحق، لا يلدغ من جحر مرتين، على أن اللدغات التي تلقاها عالمنا الإسلامي من عقاربه واحناشه، هي أكثر من تلك التي جاءته من عقارب واحناش غيره، ولهذا.. فإن مرور أكثر من عامين على حادث العدوان على المدن الامريكية في 11 سبتمبر، هو زمن كاف للغاية، لعبور مرحلة الاندهاش والصدمة، وتجاوز الكلام على الحادث المشئوم نفسه، والانتقال من ذلك مباشرة، إلى الكلام على ما ترتب عليه من مآسٍ، وما سوف يلحق بنا في المستقبل من مآس أخر، هي أشد وطأة مما بان وظهر حتى اليوم.
* إن مما هو حقيقة واقعة بعد يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، ان هناك معتدياً ومعتدى عليه في هذا الحادث، ولكن كذلك، هناك كاسب كبير وهناك خاسر أكبر منه، ومما يؤسف له حقاً، أن الكسب الكبير، كان من نصيب الصهاينة المعتدين، سواء كانوا في أرض فلسطين المحتلة، ام في أمريكا وأوروبا، بينما كانت الخسارة الكبيرة، هي في صف المسلمين وحدهم، في كافة قارات العالم، فمن هنا ينبغي أن ننطلق في مراجعتنا لما حدث، ثم نربط في ذلك كله، ربطاً موضوعياً بأمرين مهمين.
الاول:« تحديد مسئولية الجرم الذي وقع»، وهذا يرتبط بالأسباب ابتداءً.
والثاني:« إفرازات هذا الجرم في حاضرنا ومستقبلنا»، وهذا يرتبط بالنتائج المهولة، التي لم يظهر منها حتى اليوم، سوى النزر اليسير الذي ينبئ بكارثة.
* الحقيقة المرة - ونحن نسترجع مشاهد القتل والدمار، سواء في 11 سبتمبر او فيما تلاه من ايام سود، ان حماقتنا أعيت من يداويها..! فهي مروعة للغاية، لم تتوقف عند حد العدوان على المدن الاميركية، بل تجاوزتها الى عقر دارنا.. ! وبذلك فان مآسينا هي الأخرى، لن تتوقف عند حد معين، وان شراذم الشر التي تنطلق من بين ظهرانينا، هي التي تقدم الذرائع تلو الذرائع كل مشرق شمس ومغربها، للمزيد من اذلالنا وتقزيمنا في هذا الكون، وهي التي ترسم بدماء الأبرياء من ابنائها او ابناء الامم الاخرى، خارطة مشوشة لعالم إسلامي هائج مائج غير مستقر، بل امة إسلامية تضطر صاغرة، لرهن نفسها مقابل بقائها حية الى أمد.
* إن من الدروس والعبر التي نحتاجها في مناسبة مشئومة كهذه، ما نجده في افادات وشهادات بعض شبابنا، من الذين وجدوا انفسهم ذات يوم، في أعشاش «دبابير التكفير» في الكهوف الافغانية..
ما الذي دفع بهؤلاء الى هناك؟ ومن الذي أغراهم وأغواهم وحفزهم، ورمى بهم إلى تلك الديار البعيدة، التي كانت مختطفة من قبل جماعات إرهابية مارقة، كل جماعة منها، تسعى للبحث عن مكان ودور لها في هذا الكون، حتى لو جاء على جسور من جماجم الابرياء..؟ كيف تعامل هؤلاء الشباب الغض، مع الواقع الجديد، الذي وجدوا أنفسهم فيه..؟ وماذا كانت ردة فعلهم..؟ وكيف يفسر من نجا منهم، هذه التجربة المؤلمة، على ضوء الحوادث المؤسفة، التي ارتكبها من وقع منهم في الفخاخ هناك..؟
* من بين تجارب كثيرة في هذا الخصوص، اعرض عليكم تجربة الشاب «عبدالرحمن بن محمد» من عنيزة، الذي نقلها إلي مشافهة ثم مكتوبة بخطه، وفيها ماهو مفيد وجيد، فقط لمن اراد ان يستفيد حقيقة.
* يقول الأخ «عبدالرحمن بن محمد»: كان العدوان العراقي على الكويت عام 1990م، مفاجأة فاجعة، فقد حدثتني نفسي، وآخرون غيري، ماذا لو وصل جنود صدام حسين الى بيوتنا..؟ كيف ندافع عن انفسنا واهلينا، ونحن لا نعرف حتى مجرد شكل السلاح..؟! ثم صرنا نسمع عن معسكرات في افغانستان، تدرب على الاسلحة الخفيفة، ثم ان هناك جهاداً إسلامياً كما يقولون، وان بعض الشباب ذهبوا إلى هناك لهذا الغرض، فعزمت على الرحيل، بعد إذن ممن له علي حق الصلة والبر والإحسان.. ذهبت في ربيع الاول من عام 1411هـ، ضمن مجموعة من الشباب، وكان هناك رجال يعنون بهذا الامر، هم حلقة وصل في تلك الفترة بين المملكة وافغانستان، ومهمتهم توجيه الشباب وترحيلهم، بعد اعطائهم فكرة عن المعسكرات هناك، وإلى أي معسكر يذهبون، وفي اي بيت للضيافة ينزلون، وقد حثني احدهم على الذهاب الى بيت «الأنصار» في بيشاور، ولم اجد عنده رغبة، في ذهابي الى ضيافة الشيخ «جميل الرحمن» رحمه الله.
* ثم يقول: اردت أن اكشف لك هنا، ما وقفت عليه من فكر تكفيري شائع هناك، فبعض شبابنا، ربما تأثر بذلك من اختلاطه بالقوم، او من قراءاته لكتبهم التي توزع، مثل كتاب:« الكواشف الجلية، في كفر الدولة السعودية»، وهذا الكتاب، يتضمن تكفير ولاة الامر في بلادنا اعزها الله، من امراء وعلماء وغيرهم، وعلى رأس هؤلاء جميعاً، هيئة كبار العلماء، حفظ الله الاحياء، ورحم الاموات منهم.
* ويقول: اول ما وصلنا إلى بيشاور، نزلنا في بيت «الانصار»، للضيافة ، فقد استقبلنا شاب من المملكة العربية السعودية من محافظة عنيزة، وهو شبه مستقر هناك، وفي صباح اليوم التالي، جلست معه، وكان يتكلم على إنكار المنكر، ويتحدث عن غيرة بعض الشباب، حيث ذكر أن منهم من كان راكباً في إحدى الطائرات - اظنه قال - الاوروبية، وفي الطائرة، شاشات تلفزية تعرض الافلام والاخبار وغيرها، فقام بالانكار باللسان، لكن لم يُستجب له، فقام بتكسير هذه الشاشات..!!
* يضيف : كان محدثي معجباً بهذه الغيرة، وقد شعرت من خلال حديثه، انه لا مانع عنده، من تفجير محلات المنكر - كما يراها هو - وتكسيرها كمرحلة اخيرة ونهائية لانكار المنكر، اذا لم يفد النصح، وذلك من باب «بلغ السيل الزبى»..!!
نسأل الله الهداية والتوفيق لكل من تاب واناب.
* ويقول: في مساء ذلك اليوم، جلست مع هذا الاخ مرة اخرى فأعطاني كتاب:« الكواشف الجلية» آنف الذكر، وقال لي: إن هذا الكتاب، جيد في الجملة، وعليه بعض المؤاخذات اليسيرة. ثم اخذت الكتاب، وقلبته ونظرت فيه، واذا به ينضح بالتكفير لولاة الامر في هذه البلاد، بغير دليل شرعي، ولا حجة بينة، ولا برهان جلي.. ثم اعدت اليه الكتاب.
* ثم يقول صاحب هذه التجربة من أرض الأفغان: هذا ما رأيته في أفغانستان في تلك الفترة، مما يخص ظاهرة التكفير، التي ظهرت وانتشرت في السنوات الاخيرة، ولا اريد ان اقول، بأن افغانستان كبلد وشعب، هي السبب في انتشار هذه الظاهرة، بل هي من جملة اسباب معروفة. لقد قال الشيخ «محمد بن عثيمين» رحمه الله، في احد دروسه التي كان يلقيها في الجامع الكبير بمحافظة عنيزة بعد صلاة المغرب، وقد سمعته بأذني، وذلك في أواخر حياته.. قال:« الساحات الجهادية في هذا الزمن، يكون فيها أناس من اجناس شتى، هذا من البلاد الفلانية، وهذا من الدولة الفلانية، وبعض هؤلاء، يكون عنده افكار منحرفة كأفكار الخوارج، وشبابنا يذهبون من هذه البلاد، ويختلطون بأولئك، فتتلاقح الافكار، ثم تكون العصارة حنظلاً» ولذلك كان رحمه الله، لا يحبذ ان يذهب كثير من الشباب الى تلك الأماكن، لهذا السبب ولغيره. انتهى كلامه.
* أخيراً.. اعتقد أن ما تقدم من افادة عن تجربة شخصية معاشة، فيه كثير افادة، وفيه ما يشجعنا على معرفة المزيد من هذه التجارب المهمة، لأن رصد مثل هذه التجارب وفحصها، سوف يعزز من قناعات شخصية صائبة في هذا الاتجاه، ويحلحل من أخرى غير صائبة، ويدعم كافة الجهود المخلصة، لسد الفجوات والثغرات الخطيرة، التي يتسلل منها الباطل الأهوج، إلى حياض الحق الأبلج. وسيبقى الحق حقاً، لأنه أصل الحقيقة، ويبقى الباطل باطلاً، لأنه ضد الحقيقة.

fax:027361552

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved