Sunday 14th september,2003 11308العدد الأحد 17 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيء من شيء من
الخلو من السوابق
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

من ضمن الشروط المبدئية التي تفرضها أنظمة وزارة الخدمة المدنية لقبول الموظف أو المستخدم للعمل في الوظيفة الحكومية يأتي هذا الشرط: (إقرار منه - أي طالب الوظيفة - بأنه غير محكوم عليه بحد شرعي أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة خلال السنوات الثلاث الأخيرة). ولا أدري على أي أساس اشترط نظام الخدمة المدنية في المملكة مثل هذا الشرط كشرط ضرورة للالتحاق بالوظيفة الحكومية.
فالسجن - مثلاً - في حدٍ شرعي يُعتبر حسب هذا الشرط «سابقة» بإمكانها أن تحرم أي محكوم في قضية من العمل الحكومي بعد خروجه منه. في حين أن السجن في المجتمعات الحديثة يُنظرُ إليه على أنه «مدرسة إصلاحية»، من أهم مهامه الوظيفية أن يُعيد تأهيل المحكوم عليه بالسجن اجتماعياً من جديد، وإعادته إلى المجتمع بعد انقضاء محكوميته أكثر انضباطاً واستقامة وحرصاً على الانخراط في العمل الاجتماعي بعيداً عن الجريمة. فإذا نحن حرمنا «المسجون» في حد شرعي بعد خروجه من السجن من فرصة «العمل الحكومي» الذي هو أوسع مجالات العمل لدينا مثلما ينص نظام الخدمة المدنية، فنحن في الواقع نضيق عليه، ونحد من فرصه لإيجاد مصدر رزق كريم، ومن قدرته على الانصهار في المجتمع من جديد، في الوقت الذي هو أحوج ما يكون فيه لأن نقف معه ونعينه على التكفير عن ماضيه من خلال تهيئة الفرصة له لممارسة حياته كعضو مجتمع مستقيم. وعندما نعتبر أن «السابقة الجنائية» جريمة لا تغتفر في السجل الاجتماعي، حتى وإن كان ذلك بصفة مؤقتة كما هو نظام الخدمة المدنية، فإنها ستكون بالنسبة لمقترفها بمثابة «وصمة العار» التي ستلاحقه ردحاً من الزمن، وتلقي عليه بظلالها سلبياً أينما طلب الرزق؛ والخطورة هنا تكمن في أننا نهيئ الأسباب والدوافع لهذا الانسان لأن يعود إلى الجريمة تحت ضغط البحث عن لقمة العيش. وبدلاً من أن يكون السجن وسيلة إصلاح واستقامة كما يفترض أن يكون، يصبح بالنسبة للسجين بعد خروجه منه تاريخاً اجتماعياً أسود لا فكاك منه، وبالتالي قد يكون دافعاً لعودته إلى الجريمة من جديد.
صحيح أن هناك بعض «الوظائف» الحساسة، والتي يجب فيها الحذر، وتوخي الحيطة في من يضطلع بمسؤولياتها، غير أن مثل هذا الشرط يجب أن ينحصر في هذه الوظائف على وجه التحديد، ولا يمتد ويتسع ليصبح «شرطاً مبدئياً» لكل من يرغب في الالتحاق بالوظيفة الحكومية بغض النظر عن مدى حساسية هذه الوظيفة من عدمها.
وفي تقديري أننا بمثل هذه الشروط، وبالذات بالنسبة للمسجونين في حدود شرعية، نجعل من حياتهم ما بعد السجن سجناً أكبر، ربما أكثر ضغطاً وأقسى معاناة من حياة السجن نفسه، في الوقت الذي يعتبر فيه السجين من وجهة نظر العدالة قد أنهى عقابه الذي ترتب عليه قضائياً، لذلك فإن فكرة «الردع» التي جاءت مثل هذه العقوبات لترسيخها اجتماعياً بالشكل الذي يحد من الجرائم والجنح في المجتمعات، كما في مثل هذه القضايا، يجب - رغم أهميتها - أن لا تنسينا أن التمادي في تنفيذها إلى مثل هذه الدرجة، قد تكون له ردود فعل وعواقب وخيمة من شأنها في المحصلة النهائية التشجيع على الجرائم بدلاً من تحجيمها وتضييق نطاقها.
أملى أن يجد مثل هذا الموضوع الهام من المسؤولين آذاناً صاغية لإعادة التفكير في هذه القضية، أو على الأقل تقييدها في مجالات وظيفية محددة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved