Saturday 13th september,2003 11307العدد السبت 16 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

صدق السماري فيما قاله عن الراحل الفريان صدق السماري فيما قاله عن الراحل الفريان

وأنا أقرأ صباح يوم الاحد 10/7/1424ه العمود الصحفي المتميز المسمى ب«مستعجل» للأستاذ عبدالرحمن السماري، وهو يتحدث عن سيرة الشيخ عبدالرحمن الفريان - رحمه الله - بعد وفاته يوم الخميس الماضي وجدت نفسي حزينة، وعيني باكية في وقت واحد، وهو يستعرض بأسلوب رائع، وكلمات مؤثرة ما قام به من أعمال وأنشطة كثيرة، في أماكن عدة، بمنهج يتسم بالحكمة والمحبة والرفق، فكان له لأجل ذلك قبول منقطع النظير، والأثر القوي في نفوس الجميع.
وعندها تساءلت في نفسي، وأنا أقرأ تلك السطور المضيئة يا ترى أين بقية علمائنا عن مثل هذه السيرة؟ وأين كذلك طلبة العلم هنا وهناك، وأين أساتذة الجامعات الإسلامية ومدرسو المعاهد العلمية والتربية الإسلامية وغيرهم كثير؟ لماذا لم يبدعوا مثل ما أبدع هذه العلامة؟ أين ثمار جهدهم وعلمهم خلال هذه السنوات؟ أين تأثيرهم فيمن حولهم، وماذا قدموا لأمتهم من أعمال ومشاريع وإنجازات؟
نحن لا ننكر ان جهود بعضهم ولله الحمد واضحة ملموسة في ميادين شتى، ولكننا إذا قسنا أعدادهم ونتائج أعمالهم، وجدنا أن هناك مفارقة شتى، ومن هنا نقول: هل يجوز ان يقف مثل اولئك الذين نحسبهم قدوة ومؤثرين في المجتمع موقف المتفرج او المحوقل؟ او الذي لا يؤدي دوره الدعوي والتوجيهي إلا بحدود الواجب الوظيفي، والعمل الإداري المحدد بالساعة والدقيقة؟ فإذا انتهت انقطعت علاقته بتلك الوظيفة السامية؟
إننا نتمنى ان يخطو اولئك خطوات واسعة وشاملة نحو برامج توجيهية مؤثرة، ونشاطات دعوية عامة، وان يكون لهم دور في التوجيه، والتأثير الفاعل في المجتمع، وهذا لن يتم أبداً إلا من خلال صفات عالية، أحسب انها وجدت في ذلك العالم الجليل الشيخ عبدالرحمن بن فريان.
لست هنا بحاجة الى إعادة نقل ذلك العمود كله، فهو مداد يستحق ان يكتب كله بالذهب، لأنه تعبير حقيقي، بلهجة صادقة عن بعض ما يستحقه ذلك العالم من حب ووفاء، وتقدير وامتنان، ولكنني الآن بحاجة إلى أن أقف متسائلاً عن سرّ تلك العظمة، وأساب تلك الإنجازات التي قام بها ذلك العالم الجليل، والتي لم تكن في مجال واحد، وإنما تنوعت وتشكلت بأساليب مختلفة، ومواقع متعددة، ولكن لعلي انقل ما أعجبني من تلك السطور في وصف الأستاذ الأستاذ للشيخ حيث يقول: كان لا يستقر في مكان، تذهب لأقصى الجنوب فتجد ابن فريان محدثا في مسجد هناك!! وتذهب لأقصى الشمال فيقال: ان ابن فريان كان هنا يوم أمس، وهكذا في الشرق والغرب! ولك ان تتخيل رجلاً امضى أكثر من «سبعين عاماً» من عمره، كلها دعوة وارشاد وعمل شرعي لا ينقطع!
ثم يضيف ويقول: كنا في الرياض قبل ما يقارب نصف قرن نعرف الشيخ ابن فريان - رحمه الله - محدثاً وواعظاً ومعلماً وموجهاً، ورجل دعوة، ورجل هيئة وإنساناً طيباً خلوقاً، تجده في كل مكان، حتى يخيل لك ان ابن فريان «خمسون رجلاً وهو رجل واحد!!» وهكذا بركة العلم والدعوة، وحب الخير والصلاح والزهد والورع والتقى.
ولعلي بهذه المناسبة اذكر ما استحضره من أسباب كانت وراء عظمة ذلك العالم وسر تميزه وعمق أثره:
أولاً: الحرص على طلب العلم الشرعي، فقد كان - رحمه الله - من أسرة علم منذ القدم، ولا غرابة أن ينشأ محباً له، طالباً له، حفاظاً لكتاب الله منذ صغره، حيث صار تحصيله ودراسته هماً له في كل وقت وحال، مستغلاً كل فرصة سانحة لتعلمه وتعليمه، وهذه الركيزة من أهم الصفات التي يجب ان يتصف بها كل مسلم وداعية حتى تكون عبادته ودعوته وامره ونهيه، وكل اعماله على نور وبصيرة، بلا شطط او ضعف، او تجاف او شدة.
ثانياً: الاخلاص والتجرد، ونحسب ان هذه الصفة قد توفرت في الشيخ - رحمه الله - بصورة واضحة ملموسة، حيث تجدها في حرصه على الدعوة في كل مكان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسفر هنا وهناك لأجل نشر الخير، وتلاحظها في صدق لهجته، وبساطة حديثه، لأنه لا يريد بعمله جزاءً او شكوراً من أحد، او مغنماً او منصباً، او حباً لمحمدة، او خوفاً من مذمة، إنما أراد وجه الله عز وجل.
ثالثاً: الشعور بالمسؤولية العامة، فهو يحمل قلباً يشعر بأنه مسؤول ليس عن اصلاح نفسه وبيته فحسب، وإنما كأنه المسؤول الأول عن اصلاح هذه الأمة واستقامة أحوالها، وصدق توجهها، وأخذها بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، ومن هنا لمسنا كثرة انطلاقته، وتعدد أساليبه، وحرصه على البلاغ والبيان في كل مكان وزمان.
رابعاً: البذل والتضحية، فذلك الشعور بالمسؤولية ليس كلاماً في المجالس، أو أمنيات في الأحلام، إنما تجده واقعاً معاشاً لدى الشيخ، حيث تراه متمثلاً في بذله الوقت كله، والجهد كله، والمال كله والجاه كله، في سبيل نفع أمته واصلاحها في كل جانب من جوانب حياتها، وها هي إحدى تلك الثمار اليانعة التي قطفها - ولله الحمد - وهي تأسيسه لجمعية تحفيظ القرآن الكريم في الرياض ومحافظاتها، وما تضمها من آلاف الطلبة والطالبات والمدرسين والمدرسات.
خامساً: الصبر على مشاق الدعوة والعمل، وهذه صفة عظيمة امتاز بها الشيخ - رحمه الله -، فقد كانت بدايته في مجال الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتأسيسه لتلك الجمعية مهمة صعبة وشاقة لاعتبارات كثيرة بشرية ومالية وإدارية، ولكنه بصبره، ومصابرته مع من هو معه في هذا المجال، جعلهم بفضل الله عز وجل يقطعون خطوات مباركة نحو تحقيق الكثير من الأهداف والغايات التي أرادوها.
سادساً: مشاركة الناس أحوالهم، فالشيخ - رحمه الله - لم يعش في برج عاج كما يفعل كثير من طلبة العلم والدعاة، وينتظرون الناس ان يأتوا اليهم في مجالسهم! كلا، وإنما ذهب اليهم، واختلط بهم، واكل وشرب معهم، وتواضع لضعيفهم وفقيرهم، وسلم على صغيرهم وكبيرهم، ثم فتح باب بيته لحاجة كل محتاج، وسؤال كل مسكين، ومساعدة كل مضطر، وذلك في كل وقت وحال.
سابعاً: الزهد والبساطة، فلم تكن الدنيا عنده تساوي شيئاً، إنما جعل قلبه وهمه لله سبحانه وتعالي والدار الأخرى، وإنك لتجد الزهد والبساطة في مظهره، وأكله وشربه، وبيته ومركبه، وحديثه وتوجيهه، ولأجل ذلك اقبل الناس اليه، وارتاحوا بالقرب منه، وتأثروا به - رحمه الله -.
ثامناً: التعاون مع الجميع، فكان - رحمه الله - يمدّ يده للراغبين في كل خير، والمتعاونين على البر والتقوى، ويسعى لمدّ جسور التعاون لكل شخص، أو جهة، أو مؤسسة تسعى لخدمة الإسلام والمسلمين، في أي جانب، وبأي طريقة مفيدة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عبدالله بن عبدالعزيز الفاضل

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved