Saturday 13th september,2003 11307العدد السبت 16 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قصة اقتصادي عربي قصة اقتصادي عربي
د. عبدالعزيز اسماعيل داغستاني*

كم كان ابن خلدون شامخاً، ولم يزل، عندما كتب مقدمته الشهيرة وأرسى في طياتها بعض قواعد الفكر الاقتصادي التي أسهمت في بنائه وأنفرد بها عن غيره من العرب، ليأخذ الغرب بعده في ريادة هذا الفكر فتسيطر النظرية الرأسمالية عليه ثم تحكم سيطرتها بانهيار النظرية الاشتراكية.
وإذا كانت الريادة العربية للكثير من العلوم قد آلت إلى الغرب، فإن ضياع ريادة الفكر الاقتصادي من العرب تعني للأمة العربية، التي تختزن أرضها الطيبة ثروات وموارد اقتصادية مختلفة وكبيرة، خسارة فادحة تتجسَّد في العقبات الكأداء التي تقف أمام تنمية الاقتصادات العربية والاستغلال الأمثل لثرواتها ومواردها الاقتصادية.
وعلى الرغم من هذا الكم، الملحوظ، من الأكاديميين والمتخصصين العرب في علم الاقتصاد، إلا أن تعثر مسيرة التنمية الاقتصادية العربية تشكّك في دورهم في بناء فكر اقتصادي خلاّق قادر على جبر عثرة هذه المسيرة، ذلك أنه يصعب عملياً أن نطبق فكراً اقتصادياً غريباً على اقتصاد يحمل مواصفات متميزة تشكل هيكله الاقتصادي العام بما يتضمنه من ثوابت وأيديولوجيات وأعراف وبيئة وممارسات خاصة.
هذه المواصفات المتميزة تتطلب تعاملاً خاصاً ليس في ممارسة الأنشطة الاقتصادية فحسب، وإنما في الفكر الاقتصادي الذي يحكم ويوجه تلك الممارسات، وهو فكر يتطلب أن يكون متميزاً ومنطلقاً من جذور المجتمع وخلايا تفكيره وتكوينه، والمتتبع لأطروحات الأكاديميين والمتخصصين العرب في علم الاقتصاد في الندوات والمؤتمرات الاقتصادية العربية لا يلحظ ذلك التميز، ولا يستمع فيها إلا إلى أوراق عمل تقليدية ترصد أرقاماً وتسرد معلومات وبيانات ولا تطرح فكراً يمثل رؤية شمولية لمسيرة التنمية الاقتصادية في العالم العربي، وهي رؤية يمكنها أن تستوعب كل المسائل الاقتصادية.
وفي المسائل الاقتصادية، يكون الانسان، بالضرورة، هو محور الاهتمام وهو ساحة التنفيذ، إذ يمثل الانسان أداة التنمية الاقتصادية وهدفها، والانسان العربي غير الانسان الغربي ديناً وفكراً وموروثاً، والنظرية الاقتصادية الفاعلة هي تلك التي تستطيع أن تستوعب هذه المتغيرات وتتفاعل وتتعامل معها بموضوعية حتى يكون تطبيقها سبباً لنجاحها ومكملاً له، وتكون قادرة على أن تشكّل فكراً اقتصادياً ذاتياً يحمل سمات الانسان المعني به.
هنا تكمن الخسارة في ضياع الريادة العربية للفكر الاقتصادي، ويباح اللوم الذي نلقيه على الأكاديميين والمتخصصين العرب في علم الاقتصاد الذين اكتفوا بنقل وترديد فكر الغرب وتقاعسوا عن الابتكار والتأصيل والتفرد.
حقاً.. كم كان ابن خلدون شامخاً، ولم يزل، عندما كتب مقدمته الشهيرة.. وكم هو مؤلم أن نتنازل عن هذا الشموخ.

* رئيس دار الدراسات الاقتصادية - الرياض

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved