Saturday 13th september,2003 11307العدد السبت 16 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

السؤال الذي يربكنا دائماً..هل الإعلام وسيلة أم غاية ؟ السؤال الذي يربكنا دائماً..هل الإعلام وسيلة أم غاية ؟
د. علي بن شويل القرني(*)

بعد سنات وسنوات نعود دائماً إلى نقطة البداية، وقاعدة الأساسيات الأولى.. هل الإعلام وسيلة أم غاية؟ هذا سؤال جوهري، ينبغي أن ننطلق منه في كل لحظة وتاريخ، وفي كل حدث ومكان، وفي كل وقفة ودراسة.
من منا لم يخض تجربة الإعلام، أو يشارك في تقويم ممارسات إعلامية شتى على الصعيد الداخلي أو الخارجي؟ وكم منا من فسر الظاهرة الإعلامية، أو انتقدها؟ وكم منّا من دافع عنها أو هاجمها؟ والإعلام أصبح حديث المجالس بعد توالي الأحداث الكبرى في منطقة الزمن التي نعيشها.. وأصبح لغة الناس في التعبير عن حكاياتهم ورواياتهم لما يدور من تاريخ ومجتمع؟ والإعلام بات جزءاً لا يتجزأ من كل ما يحدث حولنا وخارجنا، وأصبح كذلك مشجباً نعلق عليه فشلنا وإخفاقنا، وكذلك وسيلة نستعرض عليها نجاحاتنا وتفوقنا.. وقد تنامى الاهتمام بالإعلام فأصبح مادة في كثير من الأنظمة، وفقرة في معظم اللوائح، ومجالاً للنقاش في الجلسات والندوات والمؤتمرات.. وما يتبع ذلك من أفكار وتوصيات ومقترحات.. وأصبح الإعلام أساساً في خطط الحروب والدعايات، والسلم و السلام، والأمن والاستقرار، وجزءاً من مشروعات التنمية والتغير والتعليم والثقافة.. وتحول الإعلام كمهنة من مجرد مواهب وخبرات تكسبها التجارب الحية، إلى حقول معرفية وتخصصات أكاديمية تمنح من خلالها شهادات وأوسمة وتقديرات.
وعلى الرغم من كل هذا، يظل الإعلام في المجتمع العربي عامة والخليجي والسعودي خاصة مجرد وسائل وأوعية تقذف داخلها مواد إعلامية من أفواه وأقلام وعقول مجتهدة في نيتها، لكنها بعيدة في معظم الأحيان عن مفهوم التخطيط الإعلامي للكلمة والتنظيم العلمي للنشر.. ولم تعد الكلمة التي تنشر عبر وسائل الإعلام المطبوعة أو التي تبث من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمرئية سوى مجرد واجبات وظيفية تحتمها المسؤولية وتستلزمها متطلبات العمل وممارسة الرتابة اليومية لهذه المهنة.. وبهذا يكون الإعلام غاية بذاته ينتهي بمجرد النشر ويتوقف فور اختتام البث.. وتتحقق أهدافنا بمجرد التلقين المباشر الذي تعكسه مخرجات الإعلام المتفرقة.. أما أن يكون الإعلام وسيلة فقط فهذا لم يتحقق بعد في مجتمعنا، لأن الغايات الكبرى غير مرتبطة بالإعلام، والأهداف الاجتماعية غير واضحة للمهنية الإعلامية.. ويظل الإعلام لدينا في أفضل صورة مجتهداً في زمن لا يقبل الاجتهادات أو يرضى بالعشوائية أو يستكين إلى الحد الأدنى من التقليدية الإعلامية المتناثرة في كل مكان.
الكثير منّا يتكلم ويكتب عن صناعة الإعلام وكأنها مطابع نشتريها من ألمانيا، أو استوديوهات نقتنيها من أمريكا، أو مبان فخمة نقيمها، أو كراسي وتجهيزات نزين بها مكاتبنا وغرف اجتماتنا.. أو هي بطاقات وظيفية أو انتماءات نقابية أو شهادات تقدير أو مراسم احتفالية.. هذا هو مفهوم الصناعة الإعلامية كما نقيسها نحن في مجتمعنا، وتظل هذه مجرد شكليات ربما تكون ضرورية ولكنها ليست كافية لبناء صناعة إعلامية متقنة، ذات تخطيط مدروس، وتمازج واع بالأهداف الاجتماعية الكبرى، والغايات التخصصية لكل مرفق من مرافق الإدارة الاجتماعية والشأن العام.
الإعلام كما نلاحظه في مجتمعنا والمجتمع النامي عموماً هو مسألة اجتهادية لدى كثير من القادمين إلى والقائمين على الإعلام، أو هو عملية محاكاة واسترجاع لما حدث في الماضي خاصة للقائمين الحاليين.. وفي كلتا الحالتين يظل الإعلام رهن الجمود الذي لا يفضي لجديد، والقوالب التي لا تنفك عن نمطية التقليد. وماذا يمكن أن نصنعه حتى نقتلع إرث النمطية التقليدية وقوالب السردية المباشرة، وماذا يمكن أن نفعله لبناء صناعة إعلامية متقنة تواكب تطور الزمن وتسارع حركة الأفعال العامة، وتتناسب مع روح العصر الوثابة إلى الوقفة أمام الأحداث لا إلى خلفها.. ولقيادة المبادرات لا إلى الارتهان إلى ردود أفعالها.. الإعلام يجب أن يبدأ من البدايات الأولى لصناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني.. الإعلام يجب أن يكون بداية مع بدايات الأشياء وتأسيس الأفكار وبناء المشروعات.. ولا يجب أن يكون نهاية مع اختتام النشاطات وتلاوة التوصيات ومراسيم الوداع وبروتوكولات الإعلانات النهائية.. الإعلام يجب أن يسبق الأحداث لا أن يتبعها، ويسبق القرار لا أن يعلق عليه، ويسبق المسؤول إلى حيثما ذهب لا أن يتبعه حيثما تحرك.
لقد ترسمت في ذهنيات المهنية الإعلامية طقوس من العمل التي باتت محفوظة عن ظهر قلب، ومحاطة بهالة من البروتوكولات التي باتت جزءاً من العمل الإعلامي، وأصبحت شكلياته أهم من مضامين وأساسيات الحركة الموضوعية للأحداث والنشاطات.. الإعلام أصبح أسير نمطية المحاكاة والتقليد والوصول المتأخر والوقوف أمام البيانات الختامية والاستسلام لوكالات الأنباء الرسمية.. وأصبح الإعلاميون مجرد مرافقين يشاهدون الأحداث ولا يحاولون صناعتها، وينضبطون خلف السلاسل الفصلية بينهم وبين أصحاب القرار، ويشاركون في الفرجة على ما يدور في الظاهر لا على ما يختمر داخل الكواليس، وينتظرون المتحدثين دون أن يسعوا إليهم، ويتلقون الإجابات دون أن يطرحوا الأسئلة.
إن الإعلام في الدوليات الكبرى بثقافته المتخصصة وتقنيته المتقدمة يسعى لأن يكون منسجماً مع الأهداف الاستراتيجية للحياة العامة والآفاق الاجتماعية للمستقبل الزمني للأفراد والمؤسسات، ولا يرضى بأن يستكين إلى الحدود الدنيا التي تقف أمام مشهد سقوط الإعلام في لحظة الميلاد دون أن يخوض تجربة العيش والحياة من أجل الآخرين وتلمس احتياجات المكان وضروريات المهنية المتخصصة.

(*)رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال- أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved