غير خاف ما دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة من الدلالة على وجوب إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكذا إجماع الأمة في المجتمع فقد قال تعالى: {)وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) }. والآيات كثيرة ولقد فسر ابن كثير هذه الآية بقوله: «والمقصود من هذه الآية ان تكون فرقة من الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه».كما ورد في ترك إقامة هذه الشعيرة الوعيد الشديد قال تعالى: {(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)} وقال النبي في المسند عن حذيفة بن اليمان: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم» كما ذكر الإمام أحمد في المسند من حديث ابن عمر مرفوعاً «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم» وقال «ولتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم ولا يوقر كبيركم» والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة معلومة.
ومن هذا المنطلق تتضح لنا أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخطورة تركه أو التهاون فيه على المجتمع بأسره ذلك ان خيرية الأمة مرتبطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولذلك عده بعض السلف الركن السادس من أركان الإسلام.
ونحن هنا حين نتحدث عن خطورة ترك هذه الشعيرة ليست على سبيل الإهمال بقدر ما هو درء لمرض خطير قد يدخل لنفوس بعض القائمين بهذا العمل على مستوى التكليف الرسمي من ناحية وعلى مستوى المسؤولية الفردية لكل مسلم في المجتمع على من تحت ولايته من زوجة وذرية من عدم الاستجابة ورؤية النتيجة.
فمعلوم ان استجابة الناس مطلب وضرورة ولكن مما ينبغي ان يوطن المحتسب عليه نفسه ان الاستجابة لعمله ليس من الاشتراط لكي يتحقق له الأجر والإعذار إلى الله وبراءة الذمة فقد قال تعالى: {فّإن تّوّلَّيًتٍمً فّإنَّمّا عّلّى" رّسٍولٌنّا البلاغٍ المٍبٌينٍ}، وقال: {فّهّلً عّلّى الرٍسٍلٌ إلاَّ البلاغٍ المٍبٌينٍ} كما ان الحكم على الناس بعدم الاستجابة والاستفادة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمور الغيبية التي لا يعرفها إلا العليم الخبير حيث ان قلوب العباد بين اصبعين من أصابع رب العباد يقلبها كيف شاء وما أسهل على الله تقليبها! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرفه حيث شاء».وفي هذه العجالة لا يفوتني سبب رئيس في إقامة هذه الشعيرة مقابل هذه الحجة وهو ان إقامتها تأتي أولاً وآخراً من باب وجوب التأسي بالرسول الكريم في الأمر والنهي فقد قال تعالى: {)لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) }. وبعد أخي القارئ الحصيف لا يفوتني التأكيد على أن هذه الشعيرة وان اعتراها ما يعتري غيرها في التطبيق لا يسوغ التهجم والتهكم بها لأنها أمر سماوي رباني مرتبط بشريعتنا نحن المسلمين قاطبة ولقد أجمع عليها علماء الأمة سلفاً وخلفاً ولا مجال للمجادلة فيها.
|