|
|
كنت أنوي الحديث عن ذلكم الحدث المهم ألا وهو العودة إلى المدارس، وقد حال دون ذلك حدث أهم وهو فقدان عالم رباني وأب حنون وخادم لكتاب الله وراعٍ لحملته ومحتسب في جل أحواله عرفه الناس آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر داعية إلى الله يجوب الصحاري والقفار فما من هجرة وقرية ومدينة إلا وله في رحابها لقاء دعوي وبصمة قرآنية وموقف احتسابي ذلك العالم العلم فضيلة الشيخ عبدالرحمن الفريان رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض لن أتحدث عن مكانة العلماء ولا عن فجيعة فقدهم ولا عن دوره رحمه الله في تأسيس ورعاية ودعم جمعية تحفيظ القرآن الكريم، لن أتحدث عن ذلك كله لا زهداً فيه بل لأن كثيرين سبقوني إليه، لكنني سأتحدث عما عرفته عن ذلك الجبل الأشم والعالم العامل، فما أسرعها من سنين تمر مرّ السحاب سرعان ما تتصرم ها أنا أعيد شريط الذكريات فمنذ أن وعيت على هذه الدنيا والشيخ رحمه الله يدعو إلى الله، كأنني أراه رأي العين واقفاً على منبر جامعه المشهور جامع ابن فريان حينما كان بمبناه الطيني القديم وخلوته العتيقة الرائعة الدافئة شتاء والباردة صيفاً والتي كم تلذذت ومعي جل أطفال ذلك الحي بالجلوس فيها والسماع إليه رحمه الله سماعاً ولا أقول إنصاتاً فقد كان سماعاً يتخلله شيء من شقاوة الأطفال ولعبهم، وقد كان رحمه الله نموذجاً حياً وواقعاً ملموساً للخطيب الناجح والإمام المواظب، ولا غرابة فهو من جيل فذ جدير بجيل اليوم من الأئمة والخطباء والمؤذنين الاقتداء به في الالتزام بالمسجد التزاماً دائماً لا تفسده السهرات في الاستراحات، كما كان رحمه الله يزور المدارس لإلقاء المحاضرات على الطلاب وأذكر عندما كنت طالباً انه زارنا عدة مرات في المدرسة المحمدية الابتدائية وعدة مرات في متوسطة ابن خلدون وكان خلال محاضراته ينوِّع الطرح حسب نوعية مستمعيه فحين كنا في المرحلة الابتدائية كنا نتلقى منه طرحاً يختلف تماماً عما كان يطرحه علينا حين كنا في المرحلة المتوسطة وهكذا، وهذا دليل على علو علمه ومعرفته بفقه الدعوة إلى الله والذي منه معرفة حال المدعو وبمناسبة الحديث عن دوره الدعوي في زياراته للمدارس والمعاهد والجامعات أذكر انه كان يقرأ الأسئلة بنفسه بعد المحاضرة ليجيب عليها وبعد محاضرة له أذكر انه سئل سؤالاً استفزنا نحن الحضور من معلمين وطلاب حيث إننا استهجنّا طرحه ونحن مستمعون فما بالك بالمسؤول لا بينه وبين السائل بل في محفل عام يحضره خلق كثير إلا انه رحمه الله بحنكته ورجاحة عقله وباعه الطويل في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أجاب بكل ثقة وعمق مما فوّت الفرصة على السائل ان يستفز الشيخ أو يحرجه أمام الحضور وهذه صفات من صفات الشيخ رحمه الله وهي صفة من قبله ومن عاصره ومن بعده من الدعاة والمحتسبين وجميعهم مقتدون بإمامهم صلى الله عليه وسلم، وهذه الصفات من الأهمية توافرها في الدعاة والمحتسبين وخصوصاً في زماننا هذا الذي قد تضطر الظروف فيه الداعية إلى أن يتلقى الأسئلة والحجج والشبهات مباشرة عبر بث فضائي ونحوه ليجيب عليها أمام ملايين المشاهدين في العالم كله، لا أزعم انني من طلاب الشيخ فأقول إنني قد أوفيته حقه لكنني سعيت جاهداً لذكر ما أعرفه عن الشيخ بحكم أنني من سكان الحي الذي يسكن فيه رحمه الله سابقاً ولاحقاً وممن عاصره وشاهد بأم عينه الشيخ بوقاره وعلمه وعمله ودعوته واحتسابه، والدور المنتظر لحفظ تراث الشيخ وذكر سيرته وعلمه وعمله واحتسابه ليس دور عامة الناس أمثالي بل هو دور طلابه وبالأخص خاصتهم ومنهم أبناؤه ومن ذلك الدور إنشاء موقع له رحمه الله على شبكة الإنترنت وتدوين سيرته عاجلاً قبل أن تبرد حرقة الفراق فتفتر الهمة فيضيع زخم عظيم من العطاء وكنز ثمين من الدرر، كم نحن بأمس الحاجة إليه.أسأل الله أن يغفر لشيخنا رحمه الله وأن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا شيخ لمحزونون. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |