حمل التشكيل الوزاري التباشير للمواطنين بمستقبل زاهر يعتمد على التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى خاصة وانه اشتمل على عدد من الاصلاحات الادارية بضم بعض الوزارات لبعضها وتوحيدها بوزارة واحدة وهذا الضم ذو اثر كبير جدا بتوحيد الجهود والاستفادة من الخبرات والأهم هو توحيد الاعتمادات المالية والإنفاق المالي الذي كان يذهب في مجالات اخرى ذات اهمية اكبر لمصلحة الوطن والمواطن والاقتصاد المحلي والاقليمي وزيادة عدد الموظفين وزيادة فرص الترقية لهم.
كما أن الوجوه الجديدة التي دخلت الوزارة لأول مرة هي من الوجوه التي تحمل رصيدا من الخبرة كصاحب السمو الملكي الامير متعب بن عبدالعزيز وزير الاشغال العامة والاسكان حيث يملك سموه رصيدا هائلا من الخبرة العملية فقد عمل وزيرا للشؤون البلدية والقروية في بداية ايام الطفرة وعاصر بداية تأسيس البلديات وعرف ما ينقصها وما تحتاجه من تطوير اداري ودعم مالي مهم فالبلديات هي ضابط التنمية وهي صمام التنمية في المدن كما ان عمله وزيرا للاشغال العامة والإسكان اعطاه كذلك رصيدا من الخبرة في مجالات التطوير العمراني كعمله مشرفا على مشروع منى الضخم.
كما عين معالي الدكتور فهد بن عبدالرحمن بن سليمان بالغنيم وزيرا للزراعة والكل سيسر لتعيين مثل هذا الرجل الكفؤ في هذا المنصب الهام وهو وزارة الزراعة فمعاليه يملك رصيداً كبيرا من الخبرة العملية وهو الأهم إضافة الى عمل معاليه في وقت سابق وكيلاً للوزارة لشؤون الثروة السمكية هذه الثروة التي يجب ان تتفرغ وزارة الزراعة لتطويرها بعد ان انفصلت عن كاهلها المياه وهمومها فالثروة السمكية تعتبر مصدرا رئيسياً للدخل في كثير من الدول وأتمنى ان تقوم هذه الوزارة بطرح مشاريع استثمارية ضخمة للأسماك في سواحلنا التي تمتد آلاف الكيلومترات على البحر الأحمر والخليج العربي وفي البحر الاحمر ثروة سمكية هي المتميزة ربما في العالم كله.
كما ان الدكتور بالغنيم عمل محافظا للمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة وامتلك ثروة من الخبرة في مجلس الشورى حيث ان هذا المجلس هو بيت تبادل الخبرات السعودي ويحث ترابط القطاعات المختلفة مع بعضها فالزراعة مكملة للصناعة والصناعة مكملة للتجارة والتجارة مكملة للبلديات وهكذا.
وفي هذا المجلس خيرة خبراء الوطن ومسؤوليه الذين مارسوا المسؤولية وغاصوا في الوحل وعرفوا الممكن وغير الممكن.
وما يجعلني استبشر خيراً بتعيين الدكتور بالغنيم وزيرا للزراعة أنه (أستاذي) في الجامعة حيث كان أستاذا في جامعة الملك سعود كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية) وكان يعلمنا مادتين مهمتين هما (إدارة التشييد) و(النقل) وكان هذا الاستاذ نوعاً مختلفا من الأساتذة والدكاترة نترقب بشوق مجيئه لتعليمنا لأن له أسلوب أخَّاذ يزيل الحاجز النفسي الرهيب بين الأستاذ والطالب في جامعته.. يروي لهم قصصاً ومواقف ولا يقف عند هذه المادة أو تلك.. يظل يخوف الطلاب ويهددهم بالكوزَّات (Quiz) وهو امتحان مفاجئ.. أو يظهر مهاراته أمامهم بالفلسفة ورواية محاضرته بكلمات إنجليزية ملمَّعة.. إنما يروي هذا الاستاذ محاضرته ويخلطها بالواقع.. لقد حبَّب الينا مادة (النقل) ومادة (إدارة التشييد).. لأنه رواها بقالب الواقع والبيئة في بلادنا لا يلجأ في الامتحانات إلى التعقيد والفلسفة التي مع الأسف يلجأ إليهما معظم إن لم أقل جميع أساتذة الجامعة.. ليستعرض مهاراته وعضلاته أمام الطلاب في فلسفة لا تفيدهم في حياتهم العملية المهم في الجامعة هو خلق الثقة في نفس الطالب.. وتهيئته للعمل وهو ما يطبقه فعلاً معالي الدكتور فهد بالغنيم.. إنني لا أروي ذلك نفاقاً.. وإنما من باب أن نقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت.. كان شديد التواضع لا يتعالى على طلابه ولا يهددهم أويتوعَّدهم.. لقد كان حازماً بالفعل ولكن هذا الحزم له ما يبرره في بعض المواقف.. كان يقوم بنفسه بمسح السبورة وإحضار (البروجكتر).. ويصل الى كل طالب بمقعده ليسلمه ورقته يعرف كل طالب باسمه ويناديه به، يجعل كل الطلاب يشاركون في النقاش.. ويتأكد من أن كل طالب لديه الإلمام والفهم.. بسؤاله ونقاشه.
إن الجامعات هي المصنع الحقيقي للمسؤولين والرجال.. وخصوصاً الذين يتولون حقائب الوزارات ممن مارسوا التدريس والتعليم في الجامعات.. فقد اكتسبوا خبرة في المجال النظري والمهني من خلال ممارستهم لمسؤوليات سواء في الجامعة أو خارجها.. ان من يحملون شهادة الدكتوراه في تخصص معين أو شهادة الهندسة أو الطب أو الإدارة ليس من الضرورة ان تكون مسؤولياتهم في الوزارات أو غيرها في نفس تخصصاتهم فهذه الشهادات هي التي علمتهم التنظيم والتفكير الإبداعي وحتى الاحترام المتبادل والأخلاق العالية في التعامل.. فالذي أشاهده أن المتعلمين وحملة الشهادات لديهم أخلاق عالية في التعامل وفي التفاهم وفي التعاون.. ولديهم قابلية كبيرة لتفهم حتى الأخطاء التي تحدث من غير قصد.. لديهم روح وثَّابة نحو التطوُّر والنمو.. لا يلتفتون إلى صغائر الأمور.. لديهم بعد نظر.. وهذا هو المطلوب من أي مسؤول سواء كان وزيرا أو غيره.. أن يكون ذا تفكير منطقي بعيد عن الإعوجاج والتحريف والتطبيق الحرفي للنصوص.. لديه ملكة نحو التنظيم الإداري والتفكير الإبداعي.. وهذا ما يحمله ولله الحمد كل الذين جاءت أسماؤهم في التشكيل الوزاري الجديد.
|