يا رحيل.. يا أغلى أمنية اندثرت في تجاويف الماضي.. ويا أحر دمعة انتثرت على خد الزمان.. ويا ألوع لوعة حفرت في الأعماق أنفاق الحزن.. وأخاديد الأشواق..، الأماني يا رحيل منطاد الحقيقة.. منطاد.. يقوده الزمان بوقود لهفة لا تنفد.. ويمتطيه الإنسان.. حيث برحْل الخوف من المجهول يتصعَّد به الوهمُ ليلقي به إلى ما وراء آفاق ما يعقله العقلُ وحدود ما ليس له حدود وما لا تتسع له تضاريس الحقيقة.. يفعل ذلك وحين يفعل سرعان ما تتلقَّفه هناك بوارحُ الحقيقةِ مزمجرة.. عابسة.. غضابا عليه وعلى الحقيقة.. وحينها مُكرها هو يتخلَّى عنه وعنها: عن ذاته.. وعن الحقيقة.. ليهبط من ثم إلى حيث صعد ابتداءً.. وليهبط معه المزيد من زاد الأماني ورحْل الإبهام المتنامي.. وحين يعود يا رحيل..، تهتز تحت قدميه أراضين الحقيقة ليغور عن ناظريه المزيد من الحقيقة.. وحينها ينطفئ الكون في عينيه.. فيستيقظ فيه الجرح القديم من جديد موقظاً معه جرحاً جديداً نازفاً من جراء نزف الحقيقة..
يا رحيل.. دعيه يتأبط ناموس المحال.. ودعيه يتصفَّح قاموس ما لا تدركه المُنى.. وملاحم ما لا يحقِّقه الإلحاح بالسؤال.. دعيه يقبع بين العزف والنزف.. بين عزْف الذكريات ونزْف آلام حقيقة الحقيقة..
يا رحيل:
في دمعي عيوني اليك
قصه ولا هي في الخيال
لي بالحزن كعكه وكيك
ولي بالشعر قول ومقال
لا تلعب بشعْرك يديك
لا تغضي رموشك طوال
مشاعري ما تحتويك
جفَّت من صدوف الليال
وقَّعتْ أنا للحب شيك
وخسرت شيكي والغزال
حبَّيتها ما اكذبْ عليك
ضحكت مير الوقت مال
|
(فارس)
|