* القاهرة - مكتب الجزيرة
عتمان أنور - علي البلهاسي - طارق محيي:
جرت مياه كثيرة في نهر الحياة السياسية الامريكية على مدى العامين الماضيين منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر حيث شهدت الفترة الفائتة احداثا ضخمة منها .. حرب افغانستان وحرب العراق.. غيرت من موازين وافكار واستراتيجيات الولايات المتحدة الامريكية تجاه العالم وكما بدا للكثيرين ان الولايات المتحدة الامريكية باتت اكثر تصميما على فرض هيمنتها على العالم بعد احداث سبتمبر ولكن وبعد مرور عامين هل نجحت امريكا في تكربيس هذه الهيمنة ام تغيرت اسراتيجيتها وافكارها نتيجة المعارضة التي تلاقيها في سبيل ذلك.. حول هذه التساؤلات وفي الذكرى الثانية لاحداث سبتمبر استطلعت الجزيرة آراء نخبة من المحللين وخبراء الاستراتيجية.
رؤى جديدة
يقول الدكتور مصطفى علوي استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: اعتقد انه بعد مرور عامين على أحداث الحادي عشر من سبتمبر أدركت امريكا ان ان فكرتها في الهيمنة على العالم لابد ان تتخذ اطارا آخر غير فرضها بالقوة العسكرية ويعزز هذا الاعتقاد ان هناك احاديث كثيرة تتناول ذلك فيتم الحديث الآن عن استراتيجية الشراكة وهي الدعوة الى شركات وتحالفات جديدة لمواجهة التحديات الجديدة والاعلان عن هذه الاستراتيجية جاء على لسان باول وزير الخارجية الامريكية وفي الحقيقة ان هذا دليل واضح على ان الادارة الامريكية ادركت عجزها عن الاصرار على موقفها الذي كانت تتشبث به من قبل وهو المضي قدما بمفردها في ادارة شؤون العالم هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 جعلت الادارة الامريكية مفهوم الضربات الوقائية للقضاء على أي تهديد محتمل للامن الامريكي هو محور سياستها الخارجية وهو ما كان قد عبر عنه بوش في حديث له العام الماضي امام طلبة كلية ويست بوينت العسكرية الامريكية حيث قال بوش ان الولايات المتحدة سوف تتحرك وبصورة منفردة اذا ما فشل الآخرون في التحرك معها ولكن من الواضح ان باول يردد نبرة مختلفة الآن فواشنطن تريد تبني تغيرات في سياستها حتى تتجنب المزيد من الصدمات وهذا يؤكد على فشل القوة العسكرية في الهيمنة فمبدأ الهجوم الوقائي يعاني صعوبات بالغة ويزيد من بؤر التوتر والنزاعات التي تجعل المصالح الامريكية عرضة للتهديد اكثر من قبل وهذا ينعكس بدوره على مفهوم السيادة الامريكية فضلا عن عدم الشعور بالامان الداخلي الذي يتفاقم غير ان فكر الهيمنة الذي سيطر من قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر حتى الآن ما يزال في عقلية الادارة الامريكية وهذا الفكر يرى ضرورة اعادة رسم الخريطة الاقليمية في العالم بالطريقة التي تريدها امريكا وان استخدمت طرقا اخرى غير طريق القوة العسكرية واعتقد ان هذا هو التغير الذي حدث في العامين السابقين.
فرصة ذهبية
ويرى الدكتور السيد عليوة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان ورئيس مركز القرار السياسي أن الولايات المتحدة الأمريكية وجدت فرصتها الذهبية في أحداث 11 سبتمبر لانطلاق الإمبراطورية ولكي تبرر سياستها غير الأخلاقية في التوسع والهيمنة والانفراد بالسيطرة على النظام العالمي الجديد وقد ساعدها في ذلك وصول اليمين الديني المتطرف (المحافظين الجدد) بالتحالف مع اللوبي الصهيوني الى مركز القرار في البيت الأبيض الأمر الذي جعل السياسة الأمريكية تنزع الى عسكرة سياستها الخارجية ولا تعبأ بالشرعية الدولية ولا المواثيق والقوانين وتستهين بالأمم المتحدة ومجلس الأمن وتتلاعب بهما طبقا لمصالحها.
واضاف د. عليوة أن غرور القوة الأمريكية سوف يكون هو نفسه مقتل الامبراطورية الأمريكية في ذات الوقت حيث ثبت في الشهور الأخيرة عجز الولايات المتحدة بكل قوتها المدججة بالسلاح والمال أن تعيد الأمن والاستقرار او الديمقراطية التي يزعمونها الى العراق وقبل ذلك الى أفغانستان.
مبرر لانطلاق الهيمنة
ويقول عاطف الغمري الكاتب الصحفي والمحلل السياسي في الشؤون الأمريكية ان معيار الحكم على مدى تكريس احداث 11 سبتمبر للهيمنة الأمريكية يكون بالإجابة على تساؤل ماذا لو لم تقع احداث 11 سبتمبر اصلا هل كانت سياسة امريكا الخارجية ستأخذ نفس الاتجاه المندفع الذي تمضي فيه الان؟
هل كانت ستتصرف بنفس الطريقة في الإصرار على توجيه ضربة عسكرية للعراق تمهد لتغيير الوضع كاملا في المنطقة وفي التأثير المطلق لحرب شارون ضد الشعب الفلسطيني والنظر اليها على انها حرب ارهاب وفي الانفراد في السياسات تجاه دول العالم لدرجة تصل الى حد الخلاف الشديد والفاصل بينها وبين حلفائها في اوروبا دون ان تهتم بعواقب هذا الخلاف.
واضاف: الحقيقة ان الاساس الذي انطلقت منه السياسة الامريكية الجديدة الساعية الى الهيمنة كان موجودا قبل احداث 11 سبتمبر لكن ما فعلته هذه الاحداث انها خلقت المبرر لانطلاق هذه السياسة واعطت لتفكير الصقور في الادارة الامريكية دفعة قوية وانطلاقة دون قيود ليصل الى المدى الذي نراه عليه اليوم وظهور ما يجري وكأنه حرب ضد الارهاب الذي يهدد امريكا ووجودها وامنها ومصالحها مع ان هذا الارهاب ومنظماته لا يمكن ان تصل الى هذا المدى من التهديد لاكثر من سبب منها انها ظاهرة لها اسبابها السياسية التي لو زالت لزال التهديد الارهابي لأمريكا ومنها ان هذه المنظمات الارهابية مهما بلغت قوتها وخطورتها فهي قادرة على احداث خسائر مادية وبشرية جسيمة ولكنها لا تستطيع تهديد الوجود الامريكي باكمله.
واكد الغمري ان الحرب الشاملة التي تندفع فيها السياسة الخارجية لحكومة بوش لتكريس الهيمنة الامريكية انطلقت دون وجود منطق سياسي او شرعي ولذلك واجهت هذه الحرب معارضة دولية واسعة خاصة من جانب اوروبا ليس لغرض معين سوى لمعارضة المحاولات الامريكية لفرض الهيمنة والسيطرة والانفراد بالنظام الدولي الجديد ومع ذلك استمرت السياسة الامريكية في الاندفاع نحو هذا الاتجاه الذي قال عنه مسؤولون وخبراء أمريكيون مثل صمين وولسي المدير الاسبق للمخابرات المركزية: اننا نخوض الحرب العالمية الرابعة منذ يوم الحادي عشر من سبتمبر ونحن لسنا في حالة دفاع عن النفس ولكنها حرب هدفها حماية نظم وقيم المجتمع الامريكي وهو الاتجاه الذي بدأ اكثر وضوحا في خطاب الرئيس الأمريكي بوش امام الاكاديمية العسكرية في يونيو 2002 والذي كشف فيه عن المبدأ الجديد للاستراتجية الامريكية في العالم وهو مبدأ الهجوم الوقائي على عدو محتمل وضرب هذا العدو في ارضه قبل ان تظهر تهديداته وهو مبدأ يعمل على خلق فكر الهيمنة الامريكية الذي يرى ضرورة اعادة رسم الخريطة الاقليمية في كل منطقة في العالم بالشكل الذي ترضاه امريكا وهو ما يجب ان تسبقه عملية هز الاوضاع القائمة في هذه المناطق وخلخلتها تمهيدا للتدخل الامريكي.
وهذا ما حدث بالفعل مع منطقة الشرق الاوسط فحرب العراق لم يكن هدفها التخلص من نظام صدام حسين ولكن اهداف اخرى اهم لتعديل خريطة المنطقة فحرب العراق ستكون رسالة الى الانظمة المجاورة للعراق لتكون اكثر استجابة او اقل اعتراضا على السياسة الامريكية في المنطقة وهذه الحالة تنطبق على دول اخرى موضوعة على اجندة السياسة الامريكية مثل ايران وسوريا وكوريا الشمالية واذا ما نجحت ادارة بوش في انتخابات الرئاسة القادمة فسوف تستمر في محاولات فرض الهيمنة على خلفيات 11 سبتمبر التي ستظل تاريخا فارقا في القرن الحادي والعشرين وبداية لنظام عالمي جديد.
تكريس القوة العظمى
ويقول الدكتور محمد عبد السلام خبير الشؤون السياسية بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ان احداث الحادي عشر من سبتمبر والصدمة التي احدثتها للمجتمع الامريكي وللعالم ومشهد ما يمثل بانهيار القوة العظمى لامريكا مع انهيار برجي مركز التجارة العالمي وضرب البنتاجون مقر اعظم قوة عسكرية في العالم أدى الى اتجاه جديد في السياسة الامريكية او ما يعرف بعسكرة السياسة في الولايات المتحدة وجعل تفكير الساسة يقترن بحشد الجيوش وتحرك حاملات الطائرات وهو مشهد اقرب لاستعراض العضلات الامريكية او غرور وغطرسة القوة التي أصبحت لغة الولايات المتحدة في التعامل مع الاحداث والقضايا العالمية التي باتت الحروب اقصر الطرق كلها من وجهة النظر الامريكية وهذا يستدعي اظهار التفوق العسكري الامريكي الذي اشار اليه نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني حينما قارن بين حرب الخليج الثانية عام 1991 والحرب الاخيرة في العراق التي استخدمت فيها الولايات المتحدة احدث ما توصلت اليه من تكنولوجيا الاسلحة خاصة في مجال القوة الجوية الخارقة وتكنولوجيا الاستطلاع الى جانب ان الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك اسطولا مكونا من تسع حاملات طائرات ويتم بناء حاملة عاشرة ينتهي العمل منها قريبا.
واضاف: لعل سياسة امريكا نحو تكريس نفسها كقوة عظمى عن طريق استعراض عضلاتها العسكرية قد تجلت في الطريقة التي هبط بها الرئيس الامريكي بوش بزي عسكري من طائرة على متن حاملة الطائرات ابراهام لنكولن ليعلن انتهاء العمليات العسكرية في العراق في استعراض واضح للقوة العسكرية الامريكية وهو ما يعكس صورة الولايات المتحدة القوية التي اراد الرئيس الامريكي ان يرى بها العالم بلاده عقب هجمات الحادى عشر من سبتمبر وربما أقرت دول العالم بالفعل بهذه الحقيقة وهي التخلي عن محاولة منافسة الولايات المتحدة عسكريا والاحصاءات تقول ان الانفاق العسكري العالمي انخفض من قمته التي وصل لها عام 1958 من 3 ،1تريليون دولار الى 840 مليار دولار عام 2002.
واكد عبد السلام انه رغم معارضة الكثير من دول العالم لمبدأ فرض الهيمنة الامريكية بالقوة مثلما حدث في معارضة اوروبا لحرب العراق الا ان الولايات المتحدة الأمريكية باتت اقدر على تنفيذ سياساتها دون اعتبار لمعارضة احد واذا كانت الدول الكبرى مثل روسيا وفرنسا والصين لم تتمكن من وقف الولايات المتحدة عن مهاجمة العراق فماذا سيكون الحال بالنسبة للدول الاخرى الصغيرة.
وحتى على مستوى المنظمات الدولية مثل الامم المتحدة التي كان هناك امل على نجاحها في كبح جماح المارد الامريكي فقد نجحت الولايات المتحدة في تهميش دورها بل واستخدمتها لتكييف وضعها القانوني في العراق واضفاء الشرعية على احتلالها للعراق ولذلك فهناك من يدعو الى الاعتراف بالسيادة الامريكية وضرورة التعايش مع هذا الوضع الجديد والاستفادة منه ان امكن وهناك من يعارض بقوة ذلك ويدعو الى تكتل في مواجهة محاولات فرض الهيمنة الامريكية او على الاقل عرقلة هذه المحاولات وما بين هذا وذاك تختلف سياسات دول العالم في التعامل مع الولايات المتحدة ولكن لايبدو ان الادارة الامريكية ستتخلى عن هذه الفرصة التي اعطتها لها احداث 11 سبتمبر لتنفيذ سياسات الهيمنة الامريكية ولعل السياسات الجديدة تكشف عن سيناريوهات اخرى لتطبيق هذه الهمينة ولو بالقوة.
|