على الرغم من مرور عامين على هجمات الحادي عشر من سبتمبر مازال الغموض وعدم الفهم يحيط بهذا الزلزال الذي أصاب العالم.
هل فعلا تنظيم القاعدة هو الذي نفذ العملية؟ احتمال كبير ولكنه ليس يقينا، لقد وعد وزير الخارجية الأمريكي كولن باول بتقديم دليل حاسم على إدانة القاعدة بتنفيذ الجريمة ولكن هذا الدليل لم يظهر، وحتى الشريط الذي بثته الأجهزة الأمريكية لأسامة بن لادن وهو يحتفل بنجاح الهجمات مشكوك فيه بصورة كبيرة خاصة من جانب الشعوب العربية والإسلامية التي ترى أنه شريط مزور وضعته المخابرات الأمريكية.
وقد كانت حكومة طالبان تتلقى مساعدات من الحكومة الأمريكية حتى قبل وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر بأربعة أشهر فقط، ورغم هذه المساعدات فإنها لم تفعل شيئا في هذه الهجمات إلا تقديم المأوى لتنظيم القاعدة الذي يضم حوالي 300 شخص فقط في أفغانستان في ذلك الوقت، والحقيقة أن أغلب «الإرهابيين» الذين تحدثت أمريكا عن وجودهم في أفغانستان كانوا مجرد مقاتلين مستقلين من جمهوريات وسط آسيا المجاورة لأفغانستان. وقد رفضت حركة طالبان تسليم أسامة بن لادن إلى الولايات المتحدة بسبب دوره الفعال أثناء الجهاد الأفغاني ضد الغزو السوفيتي خلال الثمانينيات من القرن الماضي.
وطلبت حكومة طالبان في ذلك الوقت أن تقدم لها أمريكا دليلا على إدانة ابن لادن حتى يمكنها تسليمه لها ولكن أمريكا رفضت ذلك.
وقد أدى هذا إلى فرض المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية سيطرتهم على سياسات الأمن القومي الأمريكي، فقد سارعوا على الفور بشن الحرب ضد أفغانستان وبدأوا الاستعداد لغزو العراق، والحقيقة أن بوش استطاع أن يظهر من خلال الحربين في صورة المنقذ الذي يركب الحصان الأبيض أمام الأمريكيين، فقد نجحت إدارته في إيجاد مناخ عام في أمريكا يؤيد الحرب ويؤيد الإدارة على الرغم من الأصوات القليلة، ومن بينها كاتب هذه السطور التي حذرت من أن مثل هذه الحروب لن تساعد في حماية أمريكا من الهجمات الإرهابية.
وقد أعلن بوش الحرب ضد الإرهاب وأرسل قواته لمطاردة منفذيه ومؤيديه حول العالم، وهذه في الحقيقة ليست حربا حقيقية ولكنها أعمال بوليسية تستهدف مطاردة والقضاء على بعض المناهضين لأمريكا من المتطرفين الذين يريدون تخليص بلادهم من النفوذ السياسي والاقتصادي الأمريكي على العالم ويساعدون المجاهدين في فلسطين، والحقيقة أن إعلان الحرب على (الإرهاب) يعني بالضرورة إعلان الحرب على الشر، وللأسف فإن قلة قليلة من الأمريكيين هم الذين يفهمون حاليا أن بلادهم أصبحت قوة استعمارية جديدة بعد الحرب العالمية الثانية أو أنها تحاول إعادة بناء إمبراطورية أمريكية في الشرق الأوسط على غرار الإمبراطورية البريطانية الزائلة، وأغلب الأمريكيين ببساطة لم يكونوا يدركون أو لا يهتمون بأن حكومة بلادهم تتطيح بأنظمة الحكم في دول أخرى وتغتال زعماء أجانب وتشجع أنظمة ديكتاتورية موالية لها وتشن حروبا غير معلنة منذ أواخر الأربعينيات.
وقلة قليلة من الأمريكيين تدرك أن أمريكا كانت الحاكم الفعلي للعديد من الدول في الشرق الأوسط طوال العقود الماضية، وقد ساعدت أمريكا في بقاء أنظمة حكم عسكرية وديكتاتورية مستبدة في هذه الدول لا لشيء إلا لأن هذه الأنظمة موالية لأمريكا وتحمي مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، ولم يكن أغلب الأمريكيين يدركون أن إسرائيل تحارب الفلسطينيين بأسلحة أمريكية يدفع ثمنها دافع الضرائب الأمريكي أو على الأقل هذا هو ما يؤمن به أغلب العرب والمسلمين.
وقد وصل الأمر إلى حد اعتقاد أغلب العرب والمسلمين وكل المتطرفين بأن إسرائيل وأمريكا كيان واحد لا يمكن التمييز بينهما.
فهل يمكن أن نقول: إن هجمات الحادي عشر من سبتمبر هي (ثمن الإمبراطورية) كما كانت الإمبراطورية البريطانية تقول في الماضي عن الخسائر التي تتكبدها نتيجة لثورات الشعوب المحتلة؟إن مشاعر العداء والغضب ضد أمريكا يمكن أن تعود مرة أخرى في صورة هجمات أشد من هجمات الحادي عشر من سبتمبر وتهدد كل محاولات الإمبراطورية الأمريكية المتفوقة تكنولوجيا لحكم بلاد هؤلاء الغاضبين، فالتفوق الأمريكي لم يحم الأمريكيين من نزيف الخسائر البشرية المستمرة في كل من أفغانستان والعراق بالإضافة إلى نزيف الخسائر الاقتصادية التي ستتجاوزالسبعة مليارات دولار شهريا، ولم تنجح الهجمات الصاروخية الأمريكية على أفغانستان قبل وقوع هجمات سبتمبر في الحيلولة دون وقوع هذه الهجمات بعد ذلك، فهل سيؤدي وجود نظام انذار في مطار بوسطن إلى منع الهجمات؟ ربما كان من الممكن تجنب الهجمات لو أنه كان هناك تنسيق أفضل بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ولو أن فريق الأمن القومي الأمريكي في إدارة الرئيس بوش أدى واجباته على أكمل وجه، بدلا من ذلك يخرج علينا وزير العدل الأمريكي ليتهم المتشددين المسلمين بالمسئولية الكاملة عما حدث على الرغم من أن الإدارة الأمريكية قلصت نفقات أجهزة مكافحة الإرهاب قبل وقوع هذه الهجمات.
بالتأكيد لا يوجد أي عذر لمن قاموا بهذه الهجمات البربرية ولكن في الوقت نفسه لا يوجد أي عذر للإدارة الأمريكية بسبب عجزها عن التعامل مع أسباب الإرهاب داخليا وخارجيا، أليست أمريكا مسئولة عن موت نصف مليون طفل عراقي خلال عشر سنوات من العقوبات الدولية التي فرضتها أمريكا عبر الأمم المتحدة على العراق؟! أليست أمريكا مسئولة عن معاناة الفلسطينيين بسبب دعمها غير المحدود لإسرائيل؟وقد كان كاتب هذه السطور أحد ركاب طائرة الخطوط الجوية الألمانية لوفتهانزاعام 1993 عندما هدد المختطفون مكتب التحقيقات الفيدرالي بتدمير الطائرة فوق شارع وول ستريت بنيويورك، وبالتأكيد فإن كل ركاب هذه الطائرة تذكروا هذه التجربة مع حلول ذكرى هجمات سبتمبر.
الخلاصة هي أن إدارة الرئيس بوش كانت نائمة في الوقت الذي كان الإرهابيون يخططون للهجمات ومع ذلك فإن هذه الإدارة ترفض تحمل المسئولية عن هذا التقصير وتواصل خداع الشعب الأمريكي.
(*) عن ( تورنتو صن) الكندية
|